فاز مرشح حزب الخضر، ألكسندر فان دير بيلين، اليوم الإثنين، بالانتخابات الرئاسية في النمسا، متقدماً على منافسه من اليمين المتطرف، نوربرت هوفر، إثر دورة ثانية تميزت بمنافسة شديدة، حسب ما أعلنت وزارة الداخلية النمساوية.
ظهرت النتيجة في نهاية يوم انتظار طويل، بعد الانتهاء من فرز أصوات التصويت البريدي، لتعطي دير بيلين 50.3 في المائة من الأصوات، مقابل 49.7 في المائة، لهوفر، بعدما كان الأخير متقدماً بفارق ضئيل ظهر اليوم.
انتهى فرز أصوات التصويت عن بعد، عبر البريد، فانهزم هوفر، وفقاً لوزارة الداخلية النمساوية بفارق أصوات قليلة، لكنها كافية لكي تنقذ النمسا من الفاشية، عبر مشروع متكامل يحمله هوفر، بدأت تتكشف ملامحه منذ الدورة الأولى.
شكل نوربرت هوفر وحزبه (حزب الحرية)، كابوساً فاشياً حقيقياً للنمسا، ولأوروبا عموماً، حين صعد في الدورة الأولى في أبريل/ نيسان الماضي مقترباً من ثلث أصوات أكثر من 6 ملايين ناخب نمساوي.
لم يكن بمقدور بيلين أن يهزم مهندس الطيران، الذي لا يخفي تشدده ويمينيته وفاشيته، لولا أن معظم الأحزاب النمساوية وقفت داعمة له، وهي تطالب جمهورها بالتصويت للسبعيني اليساري صاحب الكاريزما الهادئة، مقابل رجل يتفاخر بتدريبه لأطفاله كيف يستخدمون السلاح، وهو يجاهر بأنه يتجول بمسدس غلوك 9 ميلليمتر في طول وعرض البلاد متحججاً بالقول :"يوجد مهاجرون".
بعد خسارة هوفر للانتخابات الرئاسية النمساوية، خسرت الفاشية في أوروبا دفعة قوية، فهي كانت بانتظار صعود الرجل للمرة الأولى في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية وبمشروع يتجاوز الحدود الوطنية.
علاقات هوفر المتطرفة، من الشمال إلى الجنوب وفي الشرق والغرب، كانت ستجعل منه ملهماً، بل إن الأحزاب المتطرفة والحركات الفاشية، كانت تعتبره ملهماً قبل أن يصل إلى سدة الحكم.
مئات الآلاف من النمساويين اختاروا التصويت ببطاقات بريدية، وقدرت بعض الاستطلاعات، وكذلك خبراء الانتخابات، بأن 212 ألف صوت انتقلت هذه المرة عبر البريد وبنداء من "الحزب الديمقراطي المسيحي" للتصويت لصالح بيلين، الذي حصل أيضاً على دعم حزب "الاجتماعيين الديمقراطيين".
صحيح أن هوفر اعترف بهزيمته، لكن مفاعيل الهزيمة تتجاوز حزب "الحرية"، الذي وجه بوصلته نحو كراهية الأجانب والتحريض على المهاجرين واللاجئين، لتشمل بقية أطراف الفاشية التي كانت تترقب ما ستكون عليه أوروبا لاحقاً.
مشاريع هوفر أخافت كثيرين في النمسا، وجعلتهم يعيدون التفكير في الاصطفاف خلف بيلين، فالرجل قال: "لن يكون مكان للإسلام في المجتمع النمساوي".
كما أبدى السياسي اليميني استعداده لحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل عامين من انتهاء الولاية الحالية، فضلاً عن رغبته القطع مع الاتحاد الأوروبي وسياسات اللجوء المشتركة.
إضافة إلى ذلك، تحدث هوفر عن نفسه كقائد أعلى للقوات المسلحة، وهو شيء لم يحدث كثيراً في منصب بروتوكولي في الديمقراطية البرلمانية في البلاد. إشارات كثيرة أراد من خلالها جذب التشدد والتطرف القومي في اتجاهه، مع تصويب على أن كل مشاكل النمسا من بطالة وتراجع وتعثر في مشاريع أخرى يتحمل مسؤوليتها "الأجانب".
أوروبياً، شعر يمين الوسط في دول أوروبية عدة، بالخشية من أن يسحب البساط من تحت قدميه من أحزاب وحركات متطرفة.
الفرق كبير بين توجهات بيلين وهوفر على الصعيد الأوروبي؛ فالأول مؤيد للاتحاد، بينما هوفر يعارضه بقوة بحجة "سلب السيادة الوطنية"، وهو شعار معظم الحركات الفاشية المعارضة للاتحاد الأوروبي بشكله الحالي.
ومهما كانت نتيجة التصويت، فإن شيئاً قد تغير في النمسا وأوروبا، لا يمكن إغفاله، وفق كل من تابع هذه الانتخابات التي وصفت منذ أمس بـ"الكابوس".
رغم هزيمة هوفر، بنسبة ضئيلة، فإن حزب "الحرية" له أحزاب شقيقة كثيرة على الساحة الأوروبية. هؤلاء يرون أن فرصة تاريخية تلوح في الأفق رغم هذه النتيجة التي هزمت مثلهم الأعلى في فيينا.
صحيح أن بيلين أقسم في الدورة الأولى بأنه لن يسمح في حياته السياسية لأن "يصبح شخص يميني شعبوي مستشاراً للنمسا"، لكن أمام الأحزاب النمساوية المواجهة لليمين، مهمة كبيرة، مثلما هي حال أحزاب أوروبا، لاستعادة ثقة الشارع بها، خصوصاً وأنه لم يبق سوى عامين على الانتخابات العامة في النمسا. عامان يرى فيهما الوسط السياسي فرصة لإعادة النظر بالخطاب الذي شجع الفاشية لجر البلاد نحو انقسام واضح، لا يفصل بين كتلتيه سوى بضع مئات آلاف الأصوات.
ومع سقوط كابوس هوفر، يتوقع أن تبدأ حملة "حزب الحرية" بالتخويف أكثر من "زعيم يساري واجتياح مهاجرين لبلدنا"، وفق ما بدأ يقوله أعضاء الحزب، الذين طلب منهم زعيمهم هوفر على موقع الحزب بأن "لا تشعروا بالخوف. كل الشكر لكم ولدعمكم لي".
بيلين يمكنه كرئيس، في أسوأ الحالات، حتى لو ربح "حزب الحرية" مستقبلاً انتخابات برلمانية، أن يقول لهوفر:"مثلما أردت استخدام صلاحيتك، ها أنا أستخدمها بحل البرلمان ومنعك من أن تكون مستشاراً"، لكن مراقبين نمساويين وألمان باتوا يحذرون من أن ذلك يمكن أن يعمق الانقسام أكثر في النمسا.