فوجئ عراقيون بعد شفاء أشخاص أصيبوا بفيروس كورونا ولم يكن يتوقع أحد نجاتهم حتى الأطباء، بسبب معاناتهم من أمراض مزمنة وضعف في المناعة، يضاف إلى ذلك تردّي القطاع الصحي في البلاد، كما تشير تقارير محلية ودولية.
ويقول مرضى وأطباء لـ"العربي الجديد" إن شفاء بعض المرضى يرتبط بشجاعتهم ووعيهم وقدرتهم على التعامل مع الفيروس.
في هذا السياق، يقول أحمد عزيز (59 عاماً) إنه يعاني من أمراض مزمنة ومناعة ضعيفة. خضع لأول عملية جراحية حين كان في الخامسة من عمره، ثم اضطر إلى استئصال إحدى كليتيه علماً أن الثانية لم تكن تعمل جيداً. كما يعاني من ارتفاع في ضغط الدم والسكري، ما يجعله في حاجة إلى تناول علاجات يومية منذ كان صغيراً.
فوق كلّ هذا، أصيب بفيروس كورونا وتغلب عليه، وخرج منتصف يوليو/تموز الماضي من مستشفى اليرموك في العاصمة بغداد، بعدما أعلن الأطباء شفاءه من كورونا وقد ذهلوا لتحسّن حالته. يوضح لـ"العربي الجديد" أن التزامه بالتعليمات الصحية هو "سرّ" بقائه حياً حتى الآن، مضيفاً أن "تجربتي القديمة مع الأمراض منحتني خبرة كبيرة في كيفية التعامل مع الفيروسات وسبل الوقاية منها والالتزام بالأدوية وغيرها من العلاجات". لكنه يستدرك قائلاً: "كورونا يختلف كثيراً عن فيروسات وأمراض سابقة عانيت منها".
يتابع: "توجهت إلى المستشفى بعدما أخبرني الطبيب بأنني مصاب بكورونا، ونصحني بالرقود في المستشفى بسبب وضعي الصحي والأمراض التي أعانيها، وألا ألجأ إلى تلقي العلاج في المنزل كما يفعل كثيرون". يضيف: "لم يكن الرقود في المستشفى مشجعاً، فحالات الإصابة كثيرة والأسرّة مزدحمة، لكنني تمكنت من حجز سرير بعدما توفي المصاب الذي كان يرقد عليه".
بقي علي، ابن عزيز، مع والده خلال فترة رقوده في المستشفى. يقول والده: "كان ابني سبباً أساسياً في شفائي، إذ كان يراقب حالتي طوال الوقت ويهرع إلى الأطباء عند كل انتكاسة أعانيها". على الرغم من شدة الضغط الذي يواجهه الكادر الطبي، إلا أن إحدى الطبيبات بذلت جهداً كبيراً، مشيراً إلى أنها كانت تتوقع "عدم شفائي، وأن تكون نهايتي كالمريض الذي سبقني وكان راقداً على السرير نفسه". يُتابع: "لم تصرح لي بذلك. كانت تقول إنني بخير وسأتعافى، لكن ابني أخبرني لاحقاً بأنها كانت تقول له عكس ذلك وتتوقع وفاتي بسبب الأمراض المزمنة التي أعاني منها".
وحول العلاجات التي أعطيت له في المستشفى، يقول عزيز "إنها مجموعة فيتامينات إضافة إلى علاجات أخرى بعضها للسيطرة على السكر. لم أكن خائفاً فالفيروسات والأمراض ليست جديدة علي. منذ سنوات طويلة وأنا أصاب بنوبات أكون فيها أقرب إلى الموت، وفي كل مرة أنجو ولا أكون خائفاً"، مشيراً إلى أن "الحالة النفسية لها دور في الشفاء ودعاء الناس أيضاً".
بالنسبة للبعض، فإن دعاء الناس هو الذي ساهم في شفاء كثيرين من الفيروس، في وقت كان العلاج ثانوياً. يقول فؤاد الشهيلي إن كثيرين بعثوا له برسائل تتضمن الدعاء له بالشفاء خلال فترة رقوده عشرين يوماً في مستشفى مدينة الطب في بغداد، وكان في حالة صحية صعبة جداً إثر إصابته بفيروس كورونا. الشهيلي من مواليد عام 1961، ويعاني من مشكلة في القلب، ما عرّضه لوعكات صحية خلال الأعوام العشرة الماضية، كان آخرها مطلع يناير/كانون الثاني الماضي.
العامل النفسي له أثر بالغ في شفاء المصابين بالفيروس
ويوضح لـ "العربي الجديد": "مناعتي ضعيفة والتزمت بنصائح الأطباء بعدم الاختلاط بالآخرين لأتجنب الإصابة بالفيروس. كما حذرني طبيبي الخاص من الخروج من المنزل حين بدأ العراق يشهد تفشياً للفيروس". يضيف: "لم أتوقع أن أشفى بعد إصابتي بالفيروس، بل كنت أنتظر وفاتي في أية لحظة. كنت أتنفس بصعوبة وقد احتجت إلى رعاية خاصة، في حين أن عدد الكادر الطبي أقل بكثير مما يجب أن يكون مقارنة بعدد المصابين الكبير داخل المستشفى". وعلى الرغم من ذلك، يقول إن الأطباء كانوا يواصلون الإشراف عليه محاولين تحسين تنفسه الذي ضعف كثيراً.
وبعد أسبوع من وضعه على جهاز للتنفس الصناعي، بدأ يشعر بتحسن في تنفسه، وبات قادراً على إزالته لبعض الوقت. ومع تحسّن حالته بشكل تدريجي، أزيل جهاز التنفس في اليوم الثامن عشر لرقوده في المستشفى.
والفضل، بالنسبة للشهيلي، يعود لشقيقه الذي رافقه في المستشفى ولم يفارقه حتى خروجه معافى. يقول: "أخي عرّض حياته لخطر الإصابة بالفيروس من أجلي". يتابع: "بعد تحسن تنفسي في أول أسبوع، تصفحت هاتفي الجوال ووجدت عدداً كبيراً من الرسائل التي وصلتني من أقاربي وأصدقائي وفيها دعوات لشفائي، وقد أخبرني الطبيب بأن شفائي كان معجزة. فقلت له إن هذا بفضل دعوات الناس ورعاية أخي لي".
من جهته، يقول محمد البياتي، وهو طبيب تابع لدائرة صحة بغداد الرصافة، لـ "العربي الجديد"، إن غالبية حالات الوفاة بين المصابين بفيروس كورونا تعود لأشخاص يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري والضغط والقلب إضافة إلى مشاكل تنفسية. لكن في الوقت نفسه، الكثير من المصابين بمثل هذه الأمراض تعافوا من الفيروس.
إلى ذلك، يرى عبد الله الحسني الذي كان يرافق والده المصاب بكورونا، إن "العامل النفسي له أثر بالغ في شفاء المصابين بالفيروس". وذكر أن والده (65 عاماً) شفي من الفيروس على الرغم من معاناته من مرض الضغط والسكري وضعف مناعته، مضيفاً لـ "العربي الجديد": "كان والدي وآخرون رأيتهم في المستشفى يواجهون الفيروس بروح معنوية عالية، خلافاً لآخرين. وأكد الأطباء أن العامل النفسي يؤثر على حالة المصاب بالفيروس".
وكان العراق قد أعلن عن أول إصابة بفيروس كورونا في 24 فبراير/شباط الماضي، وقد أصيب طالب إيراني يدرس العلوم الدينية في محافظة النجف (180 كلم جنوب العاصمة بغداد). وما زالت أعداد المصابين بفيروس كورونا تسجل ارتفاعاً في البلاد. وتواصل الفرق الطبية فحص المصابين وحجرهم بما هو متوفر، ما أدى إلى إصابة العشرات من الكوادر الصحية بالفيروس.