يحتفل "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، في العام المقبل، بدورته الـ40. عمرٌ مديد، وتحوّلات مختلفة، لن تكون كلّها إيجابية، بسبب انهيارات شتّى أصابت مصر والعالم العربي، في أكثر من لحظة تاريخية. اليوم، تُفتتح الدورة الـ39. "ثورة 25 يناير" (2011)، وما لحقها من اضطرابات وانقلابات وتمزّقات داخلية، أوقفت المهرجان 3 دورات متتالية (2011 ـ 2013). الناقد السينمائي الراحل سمير فريد (1943 ـ 2017) أعاده إلى المشهد المصري والعربي، ودفعه إلى ترتيب علاقة متجدّدة بالعالمين العربي والغربي، بإحيائه الدورة الـ36، بين 9 و18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، التي استعادت شيئاً كثيراً من وهج المهرجان ومعناه، ومن مكانتيه، العربية والدولية.
الدورتان اللاحقتان، الـ37 (11 ـ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015) والـ38 (15 ـ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، كانتا بإدارة ماجدة واصف. لا تزال تدير المهرجان، في دورته الجديدة (21 ـ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017)، بالتعاون مع المدير الفني يوسف شريف رزق الله، المعنيّ بالفن السابع، وجمالياته وثقافته ونتاجاته، منذ سنين بعيدة.
هذا كلّه حسنٌ. للمهرجان تاريخٌ يعود إلى عام 1976. "الخضّة" الإيجابية، التي أحدثتها "حرب أكتوبر" (1973)، ركيزة متنوّعة الأشكال والتحدّيات، لتأسيس مهرجان ينخرط، سريعاً، في المشهد السينمائي الدولي، ويمنحه "الاتحاد الدولي للمنتجين" صفة "فئة أولى"، إلى جانب 14 مهرجاناً آخر. لكن الصفة وحدها غير قادرة، دائماً، على حماية المهرجان من اضطراباتٍ، ناتجة من طبيعة الاشتغال في مؤسّسات الدولة المصرية.
كمال الملاخ (1918 ـ 1987) مؤسِّسه، عبر "الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين"، ومُطلق دورته الأولى في 16 أغسطس/ آب 1976. دخول مصر في مسار الاتفاق مع إسرائيل سببٌ لخلل العلاقة بينه وبين نظام حاكم، يوقِّع معاهدة سلام مع العدوّ (26 مارس/ آذار 1979)، بعد "اتفاقية كامب ديفيد" (17 سبتمبر/ أيلول 1978). الاتفاقية والمعاهدة يجعلان إدارة "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" متشدّدة في مسألة التطبيع والتعامل مع الإسرائيليين. التشدّد متلائمٌ ومناخ مصري، في الثقافة والفنون والاجتماع والعلاقات، رافض للاتفاقية والمعاهدة، إلى حدّ أن نقابات فنية وغير فنية كثيرة تُقيل كل عضوٍ يتعامل مع إسرائيل أو الإسرائيليين.
عام 1983، تتشكّل لجنة مشتركة من وزارة الثقافة المصرية و"الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين" و"اتحاد نقابات الفنانين"، للإشراف على المهرجان. عام 1985، يتولّى سعد الدين وهبة (1925 ـ 1997) رئاسته، فيتحوّل المهرجان إلى مساحة للسينما والثقافة والتواصل والنقاش، في مرحلة خصبة بالغليان المتنوّع، في السياسة والإنتاجات الثقافية والفنية والتبدّلات الدولية. برئاسة وهبة، واكب المهرجان أحوال السينما وقضايا الاجتماع والناس، وفقاً لثقل الأيديولوجيات السائدة حينها.
يتردّد قولٌ مفاده أن المهرجان، رغم هذا كلّه، خاضعٌ لسطوة سعد الدين وهبة، القادم إلى الفنون والآداب من سلك الشرطة، برتبة ضابط. ليس أمراً عابراً. علاقة عاملين في الثقافة والفنون المصرية بأنظمة الحكم السياسي والأمني وطيدة وملتبسة في آن واحد. وهبة نفسه غير راغبٍ في تحويل المهرجان إلى مؤسّسة، مُفضّلاً الإمساك به بـ"يدٍ من حديد".
برحيله، يفقد المهرجان بريقه، الذي يقول كثيرون، إنه عائدٌ إلى صفات سعد الدين وهبة، المتمثّلة بالسطوة والصرامة والتشدّد في إدارته وتنظيمه واستمراريته. صفات تُعتبر سلبية، لكنها سبب نجاحٍ ما أيضاً. لاحقاً، يبدأ المهرجان مرحلة، تتراجع فيها مستوياته كلّها، خصوصاً أن "أقطاباً" داخل إدارته "يتحرّرون" من ثقل الحضور المتنوّع لوهبة، فتحدث نزاعات بينهم، تتفاقم أحياناً، وتخمد ـ ولو قليلاً ـ أحياناً أخرى.
حسين فهمي (1940) أول وارثي سعد الدين وهبة في رئاسة المهرجان. بين عامي 1998 و2001، يمرّ هذا الأخير في مرحلة ارتباكاتٍ، نتيجة النزاعات الداخلية. بعده، يتولّى شريف الشوباشي (1967) إدارته لـ 4 أعوام أيضاً، تنتهي مع استلام عزت أبو عوف (1948) "دفّة القيادة" بدءاً من عام 2006.
الأسماء المذكورة مثيرة للانتباه. التمثيل ومشتقّاته الفنية غير كافية لجعل الفنان بارعاً في إدارة مهرجان سينمائيّ، يتطلّب كفاءات إدارية، وعلاقات دولية، وانفتاحاً على العالم. فهمي غير متمكّن من الحفاظ على مكانة باهرة في التمثيل، على غرار أبو عوف، وهما معاً يعملان في نوعٍ عاديّ من الأفلام السينمائية والأعمال الفنية المتشابهة والمُكرَّرة، والفاقدة جمالياتٍ سينمائية تجديدية أو مغايرة للمألوف، رغم استثناءات قليلة. أما الشوباشي، فموظّف حكوميّ بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.
يتّفق معنيّون بالهمّين الثقافي والفني على أولوية إخراج "مهرجان القاهرة السينمائي" من مآزقه وارتباكاته، رغم إدراكهم صعوبة هذا، لأسباب عديدة. مع سمير فريد، يتجدّد المهرجان، ويؤسّس نمطاً آخر من العمل والمُشاهدة، رغم ضغوط السلطة السياسية، والصراعات القائمة بين جهات معنيّة، بشكلٍ أو بآخر، بالمهرجان. والضغوط إعلامية وصحافية وثقافية وفنية أيضاً، ستكون نتيجتها استقالة فريد.
الدورتان السابقتان استمرارٌ لمحاولات خجولة، تطمح إلى تطوير عمل المهرجان، وحضوره. أما النتائج، فيبدو أنها مؤجّلة.
اقــرأ أيضاً
الدورتان اللاحقتان، الـ37 (11 ـ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015) والـ38 (15 ـ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، كانتا بإدارة ماجدة واصف. لا تزال تدير المهرجان، في دورته الجديدة (21 ـ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017)، بالتعاون مع المدير الفني يوسف شريف رزق الله، المعنيّ بالفن السابع، وجمالياته وثقافته ونتاجاته، منذ سنين بعيدة.
هذا كلّه حسنٌ. للمهرجان تاريخٌ يعود إلى عام 1976. "الخضّة" الإيجابية، التي أحدثتها "حرب أكتوبر" (1973)، ركيزة متنوّعة الأشكال والتحدّيات، لتأسيس مهرجان ينخرط، سريعاً، في المشهد السينمائي الدولي، ويمنحه "الاتحاد الدولي للمنتجين" صفة "فئة أولى"، إلى جانب 14 مهرجاناً آخر. لكن الصفة وحدها غير قادرة، دائماً، على حماية المهرجان من اضطراباتٍ، ناتجة من طبيعة الاشتغال في مؤسّسات الدولة المصرية.
كمال الملاخ (1918 ـ 1987) مؤسِّسه، عبر "الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين"، ومُطلق دورته الأولى في 16 أغسطس/ آب 1976. دخول مصر في مسار الاتفاق مع إسرائيل سببٌ لخلل العلاقة بينه وبين نظام حاكم، يوقِّع معاهدة سلام مع العدوّ (26 مارس/ آذار 1979)، بعد "اتفاقية كامب ديفيد" (17 سبتمبر/ أيلول 1978). الاتفاقية والمعاهدة يجعلان إدارة "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" متشدّدة في مسألة التطبيع والتعامل مع الإسرائيليين. التشدّد متلائمٌ ومناخ مصري، في الثقافة والفنون والاجتماع والعلاقات، رافض للاتفاقية والمعاهدة، إلى حدّ أن نقابات فنية وغير فنية كثيرة تُقيل كل عضوٍ يتعامل مع إسرائيل أو الإسرائيليين.
عام 1983، تتشكّل لجنة مشتركة من وزارة الثقافة المصرية و"الجمعية المصرية للكتاب والنقاد السينمائيين" و"اتحاد نقابات الفنانين"، للإشراف على المهرجان. عام 1985، يتولّى سعد الدين وهبة (1925 ـ 1997) رئاسته، فيتحوّل المهرجان إلى مساحة للسينما والثقافة والتواصل والنقاش، في مرحلة خصبة بالغليان المتنوّع، في السياسة والإنتاجات الثقافية والفنية والتبدّلات الدولية. برئاسة وهبة، واكب المهرجان أحوال السينما وقضايا الاجتماع والناس، وفقاً لثقل الأيديولوجيات السائدة حينها.
يتردّد قولٌ مفاده أن المهرجان، رغم هذا كلّه، خاضعٌ لسطوة سعد الدين وهبة، القادم إلى الفنون والآداب من سلك الشرطة، برتبة ضابط. ليس أمراً عابراً. علاقة عاملين في الثقافة والفنون المصرية بأنظمة الحكم السياسي والأمني وطيدة وملتبسة في آن واحد. وهبة نفسه غير راغبٍ في تحويل المهرجان إلى مؤسّسة، مُفضّلاً الإمساك به بـ"يدٍ من حديد".
برحيله، يفقد المهرجان بريقه، الذي يقول كثيرون، إنه عائدٌ إلى صفات سعد الدين وهبة، المتمثّلة بالسطوة والصرامة والتشدّد في إدارته وتنظيمه واستمراريته. صفات تُعتبر سلبية، لكنها سبب نجاحٍ ما أيضاً. لاحقاً، يبدأ المهرجان مرحلة، تتراجع فيها مستوياته كلّها، خصوصاً أن "أقطاباً" داخل إدارته "يتحرّرون" من ثقل الحضور المتنوّع لوهبة، فتحدث نزاعات بينهم، تتفاقم أحياناً، وتخمد ـ ولو قليلاً ـ أحياناً أخرى.
حسين فهمي (1940) أول وارثي سعد الدين وهبة في رئاسة المهرجان. بين عامي 1998 و2001، يمرّ هذا الأخير في مرحلة ارتباكاتٍ، نتيجة النزاعات الداخلية. بعده، يتولّى شريف الشوباشي (1967) إدارته لـ 4 أعوام أيضاً، تنتهي مع استلام عزت أبو عوف (1948) "دفّة القيادة" بدءاً من عام 2006.
الأسماء المذكورة مثيرة للانتباه. التمثيل ومشتقّاته الفنية غير كافية لجعل الفنان بارعاً في إدارة مهرجان سينمائيّ، يتطلّب كفاءات إدارية، وعلاقات دولية، وانفتاحاً على العالم. فهمي غير متمكّن من الحفاظ على مكانة باهرة في التمثيل، على غرار أبو عوف، وهما معاً يعملان في نوعٍ عاديّ من الأفلام السينمائية والأعمال الفنية المتشابهة والمُكرَّرة، والفاقدة جمالياتٍ سينمائية تجديدية أو مغايرة للمألوف، رغم استثناءات قليلة. أما الشوباشي، فموظّف حكوميّ بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.
يتّفق معنيّون بالهمّين الثقافي والفني على أولوية إخراج "مهرجان القاهرة السينمائي" من مآزقه وارتباكاته، رغم إدراكهم صعوبة هذا، لأسباب عديدة. مع سمير فريد، يتجدّد المهرجان، ويؤسّس نمطاً آخر من العمل والمُشاهدة، رغم ضغوط السلطة السياسية، والصراعات القائمة بين جهات معنيّة، بشكلٍ أو بآخر، بالمهرجان. والضغوط إعلامية وصحافية وثقافية وفنية أيضاً، ستكون نتيجتها استقالة فريد.
الدورتان السابقتان استمرارٌ لمحاولات خجولة، تطمح إلى تطوير عمل المهرجان، وحضوره. أما النتائج، فيبدو أنها مؤجّلة.