على الرغم من عبارة (توزّع مجانا) التي يتم وسم المساعدات المقدّمة من قبل الأمم المتحدة للنازحين بها، إلا أنها سرعان ما تشق طريقها إلى الأسواق العراقية، لتباع بأسعار منخفضة، إما عن طريق النازحين الذين يبيعونها للحصول على مال لسد احتياجات أخرى، وإما بسبب شبهات فساد تحوم حول المسؤولين عن إيصال تلك المساعدات للنازحين في مخيمات اللجوء.
تتنوع تلك المواد بين سكر وزيت وشاي وأرز وبسكويت وحليب أطفال، وما يلفت الانتباه أنها تباع بأسعار أقل من سعرها المعتاد.
ويوضح أحد التجار لـ"العربي الجديد" قائلاً "الأمم المتحدة توزع مساعدات رديئة. هل تريدهم أن يطعموا الناس نوعيات ممتازة من الأرز! بالتأكيد سيأتون بالرديء وهذا بحد ذاته إهانة لهم. يجب فتح تحقيق فيه".
كما يؤكد إبراهيم محمود، الموظف السابق في منظمة إنقاذ الطفولة (Save the Children)، لـ"العربي الجديد"، وجود فساد في توزيع المساعدات من قبل بعض الموظفين في المنظمة، ويقول "كانت توزع على النازحين بطاقات خاصة (كوبونات)، يقوم النازح من خلالها باستلام مواد عينية من أي متجر معتمد، لكن عدد المستفيدين كان أقل من عدد الكوبونات بنحو 60 في المائة، ما جعل برنامج الغذاء العالمي المسؤول عن توزيع المساعدات يسحب المنحة من المنظمة ويسلمها إلى منظمة أكتيد الفرنسية".
ويشير إلى أنّ "الدور الإنساني الذي تقوم به بعض المنظمات الدولية العاملة في العراق رغم المخاطر التي تحيط بها نتيجة تعرض عدد من العاملين للتهديد والابتزاز خلال عملهم، لم يكن كافيًا للحد من مأساة النازحين، لكن بعض ضعاف النفوس يؤثرون سلبا على عمل وسمعة المنظمات، وهذا ما يعرض الجميع للتساؤل عند ظهور الخلل".
ويلفت إلى أنّه "رغم مأساة ملايين النازحين ممن هجروا من منازلهم في عدد من المحافظات، إلا أن هناك من يستلب حقوقهم من غذاء وكساء، فقسم من المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظمات الدولية للنازحين يباع قبل أن يصل إلى المخيمات، أو يستبدل بمواد منتهية الصلاحية، أو يتم استبداله بمواد أقل ثمنا وأردأ نوعا. ما يجعل النازحين يقومون ببيعها لشراء مواد أكثر جودة".
وفي هذا السياق، اقترح محمود، أن تكون هناك استبيانات تطرح على النازحين لمعرفة المواد التي يحتاجون إليها، بدلاً من توزيع مساعدات قد لا يستفيدون من أغلبها.
إلى ذلك، يقول أحد التجار، ويدعى أبو هبة، لـ"العربي الجديد" "لا أنكر أن هناك مساعدات مخصصة للنازحين متوفرة في الأسواق، لكن ذلك لا يعني أن المنظمات قامت ببيعها. غالبا ما يأتي عدد من النازحين ويقومون ببيع المواد الغذائية التي حصلوا عليها للاستفادة من المال بشراء أشياء أخرى هم بحاجة إليها".
من جهته، يكشف الناشط في مجال رعاية النازحين، أحمد المحمود، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك صفقات فاسدة ومشبوهة يقوم بها متنفذون في الحكومة وشركات محلية، حيث يوردون مواد غذائية منتهية الصلاحية أو قريبة على الانتهاء. يأخذونها بأسعار زهيدة ويقدمونها كمساعدات بأسعار أكبر تدفعها المنظمات الدولية".
ويشير إلى أن كميات كبيرة من هذه المواد التي تخصص للنازحين تباع في الأسواق المحلية بفعل فساد القائمين على ملف التوزيع، "سجلنا رسمياً مواد غذائية رصدت للنازحين تباع في الأسواق، والسبب الأول وجود فساد، أو أن النازحين أنفسهم يبيعونها لتوفير الأموال، حيث لا يمتلك أي منهم أموالا لشراء حاجاته الأساسية".
وبحسب المحمود، فإنّ المواد التي توزع على النازحين غالبيتها غير صالحة للاستهلاك البشري بسبب فساد الموردين للمواد الغذائية، كما يتم اختيار مواد ذات مواصفات رديئة، "هناك كميات ضبطت في مخازن حكومية غير صالحة للاستهلاك في إحدى المحافظات العراقية".
ويعترف النازح أحمد علي (33 سنة) ببيع قسم من المساعدات، معللا ذلك لـ"العربي الجديد"، بأنه يحتاج إلى أشياء أخرى مهمة لا توفرها المساعدات الشهرية، التي تقدمها الأمم المتحدة أو الحكومة العراقية.
بدوره، يبيّن موظف رفيع المستوى في وزارة الهجرة العراقية لـ"العربي الجديد"، أن "الفساد ينخر برنامج توزيع المساعدات، سواء الأممي أو الحكومي". ويعتبر أنّ "الخلل ليس في البنيان العلوي للأمم المتحدة. لكن في من توظفهم للإشراف على البرنامج بشكل عام، وقسم منهم غير أمناء. لذلك لا تستغرب أي شيء".