بات مجمّع الشفاء الطبي في قطاع غزة أشبه بمخيّم. عدد كبير من العائلات التي هربت غالبيتها من منطقة الشجاعية والمناطق الشمالية بسبب قصف منازلها، لم تجد مكاناً تلجأ إليه سوى ممرات المستشفى وباحاته الخارجية، بعدما امتلأت جميع المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" بالنازحين.
ولم تقتصر هذه الخيم على "الشفاء"، بل امتدت إلى مستشفيات أخرى في القطاع، منها "كمال عدوان"، و"شهداء الأقصى"، و"كمال ناصر". علماً أن هذا الاختيار لم يوفر الأمان الذي كانت تبحث عنه العائلات المشردة، بعدما قصفت إسرائيل عدداً من المستشفيات، منها "الوفاء" و"شهداء الأقصى" و"الدرة" للأطفال.
تقطن عائلة حسن الدردساوي المكونة من 32 فرداً مستشفى "الشفاء" منذ حوالي 15 يوماً. استعان حسن ببعض السجاد والأغطية لنصب خيمتين. يقول لـ "العربي الجديد": "لم يبق لنا أي مكان نلجأ إليه. توجهنا إلى المدارس إلا أنها كانت قد امتلأت. قصدنا الشفاء علماً أن الاحتلال كان يقصف المستشفيات. لكن كنا أمام خيارين، إما المستشفى أو الشارع. فاخترنا المستشفى".
ويضيف حسن أنه "مضطر للبقاء داخل المستشفى حتى بعد التهدئة. فبيته بحي الشجاعية سوِّي بالأرض. كما أن وضعه الاقتصادي لا يسمع له باستئجار منزل في أي منطقة".
حال عائلة الدردساوي لا يختلف عن حال عائلة صخر سعد من حي الشجاعية. دمّر منزلها أيضاً. فاضطرت إلى نصب خيمة بالأدوات عينها، السجاد والأغطية، في باحة مستشفى "الشفاء". لم يكن صخر يتخيل أن "يقيم وعائلته على العشب الذي اعتاد الجلوس عليه حين كان ابنه يتلقى العلاج داخل المستشفى". يقول: "خرجت وعائلتي من المنزل واستمر بحثنا عن مأوى بين المدارس لحوالي ثماني ساعات. وجدت بعض العائلات من الشجاعية تتجه إلى مستشفى الشفاء. لم أجد مأوى غيره رغم الخطر".
أما زوجة صخر، فتقول إنها عاجزة عن التأقلم مع هذا الوضع الجديد. كما أنها لا تستطيع السيطرة على أطفالها. وتشرح أن "الخوف من قصف المستشفى جعلني في حالة قلق دائمة على أطفالي. وكان حبسهم داخل الخيمة أمر شبه مستحيل، ما فاقم خوفي".
من جهته، لم يستطع محمد فرج الخروج من بيته ليلة قصف الشجاعية. انتظر ساعات الصباح الأولى، ليتوجه إلى "الشفاء" محاولاً إسعاف ابنه الذي أصيب بيده ورجله. وخلال فترة علاجه، نصب خيمة أيضاً في الباحة الخارجية للمستشفى.
تعاني هذه العائلات بسبب صعوبة الاغتسال. كانوا يجدون أنفسهم من دون مياه لأيام. كما أن دخول المراحيض داخل المستشفى لم يكن بالأمر السهل. إذ غالباً ما تكون مكتظة.
في السياق، يلفت الناطق باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة إلى ضرورة "إيجاد حل لمعاناة العائلات داخل مستشفيات"، موضحاً أن "وجودها يشكل عائقاً أمام عمل الطواقم الطبية". ويضيف أن "المستشفيات للعلاج وليست للإيواء. والعائلات التي لجأت إليها لم تحصل على مساعدات. تواصلنا مع جهات عدة من دون فائدة".
ويشير القدرة إلى أن "إدارة المستشفيات كانت قد أبلغت العائلات بعدم أمان المستشفيات. لكنها لم تستجب. فلا مأوى لديها إلا الشارع". ويشدد على ضرورة "تدخل الجهات المعنية والضغط على المؤسسات الدولية لإنقاذ حياة العائلات".