04 أكتوبر 2024
مسرحيات وأفلام في راهن مصر
أتذكّر مسرحية كوميدية شهيرة وقديمة، شاهدتها مرات في الطفولة، "أصل وصورة"، من بطولة محمد عوض وعبد المنعم مدبولي وحسن مصطفى وأمين هنيدي، مسرحية رائعة، فيها كوميديا حقيقية، وضحك حقيقي، وأيضاً فكرة ملفتة. تحكي عن جريدة صغيرة، يديرها رئيس تحرير متسلط (حسن مصطفى)، ولا تهمه مصداقية الخبر، بقدر ما يهمه وجود السبق الصحافي، ونسبة التوزيع، ولو كان الخبر مفبركاً وليس صحيحاً. يكلف، يوماً الصحافيين، عوض ومدبولي، بتغطية خبر وصول المهراجا إلى مصر. ولسببٍ ما لا يستطيعان الذهاب إلى المطار لمقابلة المهراجا عند وصوله، فيقرّران تحت ضغط رئيس التحرير، وتهديده لهما بالفصل، إنْ لم يكن هناك سبق صحافي، أن يخترعا سبقاً صحافياً وفبركة مقابلة لم تحدث مع المهراجا.
كان مشهداً رائعاً وشهيراً عند "فبركة" المقابلة مع المهراجا، والسؤال الوهمي والإجابة الوهمية التي ظل المهراجا يفكّر ويفكّر، وجلس يفكّر ويفكّر، ونام واستيقظ وهو يفكّر ويفكّر، إلى أن أجاب على السؤال الوهمي بأنه يحب الملوخية، فكان المانشيت الرئيسي للجريدة أن المهراجا يحب الملوخية. ولكن، حدث ما لا يحمد عقباه، وتم إعلان أن الطائرة ستتأخر ساعات، وبدلاً من أن يفكر الصحفيان في تحمل المسؤولية والاعتذار عن الفبركة والكذب، ثم تصحيح الخطأ، اخترعا مهراجا. فاتفقا مع عامل الفراشة، أمين الهنيدي، بأن يمثل دور المهراجا في مؤتمر صحافى، لإثبات أن المهراجا وصل إلى مصر فعلاً، ولقناه بضع كلمات غريبة، قد تشبه اللغة الهندية، اعتماداً على أن الحضور لا يفهمون أي كلمة فيها. وبعد عدة مواقف كوميدية، ومفارقات كثيرة، يتم إعلان أن المهراجا الهندي اعتذر عن الحضور لمصر، بعد عطل الطائرة، وأن زيارته تأجلت، لتكون فضيحة كبرى، ودرساً قاسياً للصحافيين اللذيْن يقرّران المراجعة والاعتذار والتصحيح.
تذكّرني هذه المسرحية الكوميدية كثيراً بالحالة المصرية بشكل عام، وبالحالة الكارثية للإعلام المصري خصوصاً، فنظام الحكم الحالي لا بد أن يجد مبرراً للبقاء، لا بد أن يخترع شرعية لوجوده في السلطة، وشرعيته الوحيدة هي ذريعة محاربة الإرهاب، والحماية من المؤامرات الكونية، فإذا لم يكن هناك إرهاب لا بد من اختراعه، وإذا لم تكن هناك مؤامرة لا بد من اختراع مؤامرة، وإلا فما مبرر البقاء في السلطة، وما هو مبرر الاستبداد والقمع والإجراءات الاستثنائية، فلا يوجد نمو اقتصادي ولا تنمية ولا تعليم ولا صناعة ولا إنتاج ولا عدالة اجتماعية ولا حفظ للأمن ولا أي شيء يستطيع هذا النظام التفاخر به.
أما الإعلام المصري فحدث ولا حرج، فلا مهنية ولا خجل من الكذب والفبركة، إعلام التطبيل
والنفاق والتضليل، والمضحك شكوى عبد الفتاح السيسي من الإعلام، إذا وجّه أحدهم أي اشتباه نقد خفيف، فالنقد مهما كان خفيفاً وسطحياً ضار، من وجهة نظره، فكيف لا يتم ترويج المعجزات والتسبيح بحمده طول الوقت. والكوميديا الأكبر مزايدة وسائل الإعلام الموالية على بعضها، وشكواهم من بعضهم بعضاً، فالكل يتحدث عن المهنية الغائبة، على الرغم من ممارسته كل أشكال التدليس وعدم المهنية، أما الأكثر فكاهة أن تجد مذيعاً كل شهرته قائمة على بث التسجيلات المفبركة، لتشويه الآخرين وتخوينهم، ليتقمص الآن دور الملاك الناصح، ويوجه اللوم لمن قام بتكرار الأفعال غير الأخلاقية نفسها.
أعود إلى الأعمال الفنية، لأتذكر فيلماً قديما اسمه "امرأة من زجاج"، عن زوجه مسؤول مهم في الدولة، تقوم بملاحقة وكيل نيابة وإغوائه، وكان زميلها في الدراسة، إلى أن تقتل شخصاً بسيارتها يوماً، ويتم توجيه الاتهام ظلماً لمعارض للنظام الحاكم في ذلك الوقت. وللمصادفة الدرامية، يتم تكليف وكيل النيابة بالتحقيق في القضية، وهو يعلم أن صديقته هي القاتلة، وليس المتهم الذي يقوم النظام بتشويهه بكل الصور الممكنة، تمهيداً لإدانته وحبسه ظلماً بجريمةٍ لم يفعلها، ويتعجّب أحد أنصار المسؤول الكبير والمكلف بتزوير الأدلة، وتجميع شهداء الزور، من أنه لا يزال هناك متعاطفون مع ذلك المعارض، ومستعدون للدفاع عنه، على الرغم من كل حملات التشويه القاسية والمنظمة من السلطة والصحافة الموالية.
للأسف، تلجأ السلطة في مصر، في كل العصور دائماً، إلى التشويه والمعارك غير الأخلاقية، سلاحاً للتشويه وتقليل التعاطف الشعبي مع المعارضين. والأكثر "بجاحة وفجاجة"، هذه الأيام، أن تتخذ الأجهزة الأمنية ذرائع وحجج فارغة، لعدم الإفراج عن سجناء الرأي، أو المعارضة السلمية، أو شباب الثورة، فكيف يفرجون عمن قاموا بتشويه سمعته، واتهامه زوراً وبهتاناً بالخيانة والعمالة، وتلقي تمويل أجنبي. قمة "البجاحة والفجاجة" أن يتحججوا بالمصداقية في غير موضعها، من أجل مزيد من الظلم، يعالجون الخطأ بخطأ أكبر، فبدلاً من وقف التشويه والحرب على ثورة 25 يناير، تجد أنهم تأخذهم العزة بالإثم، ويزدادون طغياناً وظلماً.
ولكن، ما الغريب في ذلك، فهذه السلطة، أو هذا الائتلاف الحاكم، إن صح التعبير، هو الأكثر حماقة وعناداً وفجاجة. ولذلك، من الطبيعي أن تتكرّر الأخطاء الكارثية نفسها التي ستؤدي إلى النتائج الكارثية نفسها، فللأسف، لم يتعلم أحد مما حدث، ولا حتى من المسرحيات والأفلام القديمة.
كان مشهداً رائعاً وشهيراً عند "فبركة" المقابلة مع المهراجا، والسؤال الوهمي والإجابة الوهمية التي ظل المهراجا يفكّر ويفكّر، وجلس يفكّر ويفكّر، ونام واستيقظ وهو يفكّر ويفكّر، إلى أن أجاب على السؤال الوهمي بأنه يحب الملوخية، فكان المانشيت الرئيسي للجريدة أن المهراجا يحب الملوخية. ولكن، حدث ما لا يحمد عقباه، وتم إعلان أن الطائرة ستتأخر ساعات، وبدلاً من أن يفكر الصحفيان في تحمل المسؤولية والاعتذار عن الفبركة والكذب، ثم تصحيح الخطأ، اخترعا مهراجا. فاتفقا مع عامل الفراشة، أمين الهنيدي، بأن يمثل دور المهراجا في مؤتمر صحافى، لإثبات أن المهراجا وصل إلى مصر فعلاً، ولقناه بضع كلمات غريبة، قد تشبه اللغة الهندية، اعتماداً على أن الحضور لا يفهمون أي كلمة فيها. وبعد عدة مواقف كوميدية، ومفارقات كثيرة، يتم إعلان أن المهراجا الهندي اعتذر عن الحضور لمصر، بعد عطل الطائرة، وأن زيارته تأجلت، لتكون فضيحة كبرى، ودرساً قاسياً للصحافيين اللذيْن يقرّران المراجعة والاعتذار والتصحيح.
تذكّرني هذه المسرحية الكوميدية كثيراً بالحالة المصرية بشكل عام، وبالحالة الكارثية للإعلام المصري خصوصاً، فنظام الحكم الحالي لا بد أن يجد مبرراً للبقاء، لا بد أن يخترع شرعية لوجوده في السلطة، وشرعيته الوحيدة هي ذريعة محاربة الإرهاب، والحماية من المؤامرات الكونية، فإذا لم يكن هناك إرهاب لا بد من اختراعه، وإذا لم تكن هناك مؤامرة لا بد من اختراع مؤامرة، وإلا فما مبرر البقاء في السلطة، وما هو مبرر الاستبداد والقمع والإجراءات الاستثنائية، فلا يوجد نمو اقتصادي ولا تنمية ولا تعليم ولا صناعة ولا إنتاج ولا عدالة اجتماعية ولا حفظ للأمن ولا أي شيء يستطيع هذا النظام التفاخر به.
أما الإعلام المصري فحدث ولا حرج، فلا مهنية ولا خجل من الكذب والفبركة، إعلام التطبيل
أعود إلى الأعمال الفنية، لأتذكر فيلماً قديما اسمه "امرأة من زجاج"، عن زوجه مسؤول مهم في الدولة، تقوم بملاحقة وكيل نيابة وإغوائه، وكان زميلها في الدراسة، إلى أن تقتل شخصاً بسيارتها يوماً، ويتم توجيه الاتهام ظلماً لمعارض للنظام الحاكم في ذلك الوقت. وللمصادفة الدرامية، يتم تكليف وكيل النيابة بالتحقيق في القضية، وهو يعلم أن صديقته هي القاتلة، وليس المتهم الذي يقوم النظام بتشويهه بكل الصور الممكنة، تمهيداً لإدانته وحبسه ظلماً بجريمةٍ لم يفعلها، ويتعجّب أحد أنصار المسؤول الكبير والمكلف بتزوير الأدلة، وتجميع شهداء الزور، من أنه لا يزال هناك متعاطفون مع ذلك المعارض، ومستعدون للدفاع عنه، على الرغم من كل حملات التشويه القاسية والمنظمة من السلطة والصحافة الموالية.
للأسف، تلجأ السلطة في مصر، في كل العصور دائماً، إلى التشويه والمعارك غير الأخلاقية، سلاحاً للتشويه وتقليل التعاطف الشعبي مع المعارضين. والأكثر "بجاحة وفجاجة"، هذه الأيام، أن تتخذ الأجهزة الأمنية ذرائع وحجج فارغة، لعدم الإفراج عن سجناء الرأي، أو المعارضة السلمية، أو شباب الثورة، فكيف يفرجون عمن قاموا بتشويه سمعته، واتهامه زوراً وبهتاناً بالخيانة والعمالة، وتلقي تمويل أجنبي. قمة "البجاحة والفجاجة" أن يتحججوا بالمصداقية في غير موضعها، من أجل مزيد من الظلم، يعالجون الخطأ بخطأ أكبر، فبدلاً من وقف التشويه والحرب على ثورة 25 يناير، تجد أنهم تأخذهم العزة بالإثم، ويزدادون طغياناً وظلماً.
ولكن، ما الغريب في ذلك، فهذه السلطة، أو هذا الائتلاف الحاكم، إن صح التعبير، هو الأكثر حماقة وعناداً وفجاجة. ولذلك، من الطبيعي أن تتكرّر الأخطاء الكارثية نفسها التي ستؤدي إلى النتائج الكارثية نفسها، فللأسف، لم يتعلم أحد مما حدث، ولا حتى من المسرحيات والأفلام القديمة.