العمل الذي أعدّه درامياً الكاتب أحمد عبد الكريم ليخرجه محمد الجمسي مقتبس من نص للكاتبة المسرحية اليونانية لولا أناغنوستاكي (1928-2017)، وهو جزء من ثلاثية "المدينة" التي ألّفتها عام 1965، وهذا المشهد معدّ لثلاثة شخصيات؛ رجلان وامرأة هم كيمون وإليزابيث وضحيتهما، يلعب الشخصيات في النسخة السكندرية من العرض أحمد نجلة، ومحمود سعيد، ويارا حسن.
في "الزيارة" (ترجم النص الأكاديمي نعيم عطية) نتعرّف على كيمون وإليزابيث (في العرض اسمها إليسافيت) الزوجين الذين يتنقلان من مدينة إلى أخرى بلا توقف، في محاولة منهما لمحو ماض أسود يطاردهما أينما ذهبا، وفي هروبهما المستمر يحاولان أيضاً التعايش مع هذا الماضي ولكن بلا جدوى، مما يدفعهما إلى البحث عن وسائل مبتكرة للتلهي عن هذا الماضي والنجاة منه.
من ذلك، يبتكر البطلان لعبة في كل مدينة يحلان فيها، قائمة على أن يعثرا على ضحية في هذه المدينة، ويخدعانه بحيث يصبح هو نفسه شريكاً في أن يجعل من نفسه ضحية.
في لحظة ما من المسرحية يواجه الثنائي حقيقة اللعبة التي اخترعاها لتسليتهما، وأنها ليست إلا لعبة سيكولوجية عنيفة ومعنفة، لا تقودهما في كل مرة إلا إلى اليأس.
في المدينة الأخيرة التي يصلان إليها، يختار الزوجان ضحيتهما؛ مصوّر غريب الأطوار، لا يلتقط الصور إلا لأناس يحتضرون أو لأشخاص يتظاهرون بالموت، معتقداً أنه يطرد الموت عنه بهذه الطريقة، إلى أن يسقط هو ضحية لكاميرته.
عن سبب اختيار هذا النص، يقول مخرج العمل، في حديث إلى "العربي الجديد" إن "وجهة نظره عند اختيار نص المسرحية "تتلخص في ما آلت إليه الأوضاع الشائكة التي يحياها العالم في الآونة الاخيرة؛ صراعات سياسية وحروب وإرهاب وتدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، ما انعكس على كل كائن حي على وجة البسيطة، وأدى بدوره إلى الشعور بقتامة المستقبل وتصاعد العقد النفسية". هذه الأخيرة، تقود بحسب الجمسي، "أبطال العرض كيمون وإليسافيت على اختلاق لعبة يومية يكون ضحيتها شخص من الذين قهرتهم الحياة يقومون بها يومياً، فقط للقضاء على الشعور بالملل. كما أننا نكتشف من خلال الأحداث أن الضحية اكتسب شهرته وثراءه من التحولات النفسية غير السوية لكل المدينة".
العرض أقيم أول مرة، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تحت رعاية "المركز الثقافى اليوناني"، في "بدروم" تياترو الاسكندرية، بوصفه التفاتة من خلال نص لولا أناغنوستاكي، التي رحلت قبل أشهر قليلة (تشرين الأول/ أكتوبر الماضي) إلى جانب من تاريخ الثقافة السكندرية اليونانية المشتركة بشكل أو بآخر، لا سيما وأن المسرح العربي بعد مسرحيات الإغريق الكبرى، توقفت علاقته تقريباً بالنص المسرحي اليوناني.
بالنسبة إلى نص "المدينة" فقد اعتُبر حين نشرته الكاتبة أول مرة، النص الأساسي في مجمل أعمالها، ويضم ثلاثية عنصراها الآخران؛ "زيارة ليلية"، و"الموكب". وقد وصفه النقاد عند ظهوره بأنه عرض عن النسخ المختلفة من الحقيقة الواحدة التي تقدمها الشخصيات، وكيف يمكن رؤية الواقعة نفسها بعدة طرق في وقت واحد. أما عن علاقة النص بالراهن العربي، فهو نص عن التنقل هرباً من الجحيم إلى مواطن مختلفة، بحثاً عن بداية جديدة وكيف أن اليأس قد يتحوّل عند البعض في هذه الحالة إلى عنف.