في الثالث من ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشف وزير الصحة العامة اللبناني، وائل أبو فاعور، عن دعوى تقدّم بها أحد المحامين يزعم فيها أن 19 عاملاً في مسلخ بيروت توفوا بعد صراع مع مرض السرطان، من دون أن يسأل أحد عنهم.
وهذه القضيّة التي تعود إلى أكثر من عشر سنوات، كان الدكتور الياس ضومط، من مصلحة المسالخ، قد كشف تفاصيلها وطالب بوضع حدّ لها عبر توجيهه كتاباً مفتوحاً إلى محافظ بيروت في عام 2013، أشار فيه إلى أن عدد المصابين بالسرطان الرئوي في مسلخ بيروت المؤقت تجاوز العشرين إصابة، وأن 19 مصاباً توفوا حتى تاريخ 17 يناير/كانون الثاني 2013. وذلك كله موثق في سجلات مصلحة الصحة في بلديّة بيروت.
وربط ضومط سبب الوفيات بالتلوّث المنبعث من معملَي شركتَي "سوكلين" و"سوكومي" المعنيّتَين بإدارة النفايات في منطقة الكرنتينا حيث يقع المسلخ، مشدّداً على ضرورة الإحاطة الجديّة بهذا الموضوع الخطير، ومحاولة وضع حلّ للتخفيف من التلوّث الحاصل، والتخلص منه عبر إغلاق مصادره، أي موقع تجميع النفايات بأنواعها الخطرة.
من جهته، يوضح الدكتور فادي فرحات، المتخصّص في الأورام السرطانيّة، أن "التشخيص الطبي لا يمكنه الجزم بأن قلة النظافة في المسلخ هي العامل الأساسي المسبّب لسرطان الرئة، الذي تعرّض له هؤلاء. لكنه قد يكون واحداً من عوامل عديدة محفّزة لانتشار هذا المرض في جسم الإنسان، إلى جانب المواد التي يستخدمونها أو الغازات التي يتنشقونها".
ويشدّد على أن "عمليّة التشخيص تتطلب دراسة طويلة الأمد تُرفق بإحصائيات وأرقام لإثبات فرضيّة ما"، موضحاً أن من أبرز مسببات سرطان الرئة المثبتة علمياً هي التدخين و70% من المصابين بسرطان الرئة هم من المدخنين". وفي ما يتعلق بحالات مسلخ بيروت، يرى فرحات أنه وعند دراسة حالاتهم "لا بدّ من الأخذ في عين الاعتبار الوضع الصحي لكل واحد منهم ومحل سكنه وهل هو رياضي أو مدخّن مثلاً". ويلفت إلى أن "أعراض المرض تظهر متأخرة. فأول خليّة سرطانيّة تبلغ سنتمتراً واحداً وهي تحتاج إلى خمس سنوات حتى يتمكّن المتخصصون من رؤيتها".
إلى ذلك، يؤكد مدير الوقاية الصحيّة في وزارة الصحة، جورج سعد، أنه "وفقاً لمعطيات علميّة وطبيّة واستناداً إلى شكاوى مقدّمة من عمال المسلخ نفسه، كشف الوزير أبو فاعور عن تلك الحالات وحوّل الملف إلى القضاء المختص للتدقيق والبحث بالتعاون مع أطباء، بهدف التوصّل إلى نتيجة وتحديد الجهة المسؤولة". ويلفت إلى أن "الوزير لم يجزم بأن المسلخ هو المسبّب الوحيد لتلك الإصابات".
بعد أشهر على إصابته بسرطان الرئة، توفي أبو جمال، الموظف في مسلخ الكرنتينا. يخبر نجله المحامي جمال اللادقي أنه لم يتوقف عن العمل حتى بعد مرضه، وكان يكتفي بثلاثة أيام راحة في المنزل بعد كل جلسة علاج كيميائي. ويشير إلى أن والده كان يشكو قلة النظافة والغازات السامة المنبعثة خصوصاً من مطحنة العظام المجاورة، "سوكومي".
يقول: "بعد وفاته حصلنا على تعويض من البلديّة التي كانت قد تكفلت بعلاجه كاملاً. لكن ثمّة أكثر من 13 حالة وفاة مشابهة لحالة والدي. لذا سأرفع دعوى ضد مسلخ بيروت، إذا ثبت كلام الوزير أبو فاعور". ويضيف: "صحيح أننا لن نسترجع والدي، لكن القانون سيعيد له حقه المنتهك".
وأبو جمال كان يعمل حارساً في البلديّة، مهمته تقتضي مراقبة العمل في داخل الملحمة وكيفيّة نقل اللحوم وتوزيعها على المحلات والتأكد من ختمها. واللافت بحسب اللادقي أنه "لم يكن يشتري لحوم العائلة من المسلخ، متحجّجاً بقلة النظافة. كان الجميع يخاف التحدث، لحماية لقمة عيشه".
عبدالله حمادة كان عامل هاتف في المسلخ. قبل فترة من الزمن، راح يشكو من ضيق في التنفس ووجع في المعدة. وبعد تشخيص حالته، اكتشف الأطباء أنه يعاني سرطاناً في المعدة. فخضع لعمليّة جراحيّة واستؤصلت أيضاً نصف رئته. هو أيضاً لم يكن يقترب من ملحمة المسلخ، ولم يكن يشتري اللحوم منها أبداً. اليوم، ما زال عبدالله يخضع للمراقبة الطبيّة، بحسب ما تقول زوجته، مضيفة: "نشكر الله على أن عمله في مسلخ بيروت انتهى قبل أن تنتهي حياته".
أما فوزي سعد الدين فكان جزاراً هناك. وبعدما تقدّم في السن، فضّل العمل حارساً. لكنه أصيب بسرطان في الحنجرة وتوفي على أثره. توضح ابنته: "لم نحمّل يوماً المسلخ مسؤوليّة وفاته. قيل لنا إن سبب وفاته هو عمله السابق، لكننا غير متأكدين. والدنا كان كتوماً ولا يتحدّث أبداً عن مشكلاته". وإذ تفضّل عدم نبش الماضي وتوكيل أمرها لله، تكتفي بالترحّم عليه.
وهذه القضيّة التي تعود إلى أكثر من عشر سنوات، كان الدكتور الياس ضومط، من مصلحة المسالخ، قد كشف تفاصيلها وطالب بوضع حدّ لها عبر توجيهه كتاباً مفتوحاً إلى محافظ بيروت في عام 2013، أشار فيه إلى أن عدد المصابين بالسرطان الرئوي في مسلخ بيروت المؤقت تجاوز العشرين إصابة، وأن 19 مصاباً توفوا حتى تاريخ 17 يناير/كانون الثاني 2013. وذلك كله موثق في سجلات مصلحة الصحة في بلديّة بيروت.
وربط ضومط سبب الوفيات بالتلوّث المنبعث من معملَي شركتَي "سوكلين" و"سوكومي" المعنيّتَين بإدارة النفايات في منطقة الكرنتينا حيث يقع المسلخ، مشدّداً على ضرورة الإحاطة الجديّة بهذا الموضوع الخطير، ومحاولة وضع حلّ للتخفيف من التلوّث الحاصل، والتخلص منه عبر إغلاق مصادره، أي موقع تجميع النفايات بأنواعها الخطرة.
من جهته، يوضح الدكتور فادي فرحات، المتخصّص في الأورام السرطانيّة، أن "التشخيص الطبي لا يمكنه الجزم بأن قلة النظافة في المسلخ هي العامل الأساسي المسبّب لسرطان الرئة، الذي تعرّض له هؤلاء. لكنه قد يكون واحداً من عوامل عديدة محفّزة لانتشار هذا المرض في جسم الإنسان، إلى جانب المواد التي يستخدمونها أو الغازات التي يتنشقونها".
ويشدّد على أن "عمليّة التشخيص تتطلب دراسة طويلة الأمد تُرفق بإحصائيات وأرقام لإثبات فرضيّة ما"، موضحاً أن من أبرز مسببات سرطان الرئة المثبتة علمياً هي التدخين و70% من المصابين بسرطان الرئة هم من المدخنين". وفي ما يتعلق بحالات مسلخ بيروت، يرى فرحات أنه وعند دراسة حالاتهم "لا بدّ من الأخذ في عين الاعتبار الوضع الصحي لكل واحد منهم ومحل سكنه وهل هو رياضي أو مدخّن مثلاً". ويلفت إلى أن "أعراض المرض تظهر متأخرة. فأول خليّة سرطانيّة تبلغ سنتمتراً واحداً وهي تحتاج إلى خمس سنوات حتى يتمكّن المتخصصون من رؤيتها".
إلى ذلك، يؤكد مدير الوقاية الصحيّة في وزارة الصحة، جورج سعد، أنه "وفقاً لمعطيات علميّة وطبيّة واستناداً إلى شكاوى مقدّمة من عمال المسلخ نفسه، كشف الوزير أبو فاعور عن تلك الحالات وحوّل الملف إلى القضاء المختص للتدقيق والبحث بالتعاون مع أطباء، بهدف التوصّل إلى نتيجة وتحديد الجهة المسؤولة". ويلفت إلى أن "الوزير لم يجزم بأن المسلخ هو المسبّب الوحيد لتلك الإصابات".
بعد أشهر على إصابته بسرطان الرئة، توفي أبو جمال، الموظف في مسلخ الكرنتينا. يخبر نجله المحامي جمال اللادقي أنه لم يتوقف عن العمل حتى بعد مرضه، وكان يكتفي بثلاثة أيام راحة في المنزل بعد كل جلسة علاج كيميائي. ويشير إلى أن والده كان يشكو قلة النظافة والغازات السامة المنبعثة خصوصاً من مطحنة العظام المجاورة، "سوكومي".
يقول: "بعد وفاته حصلنا على تعويض من البلديّة التي كانت قد تكفلت بعلاجه كاملاً. لكن ثمّة أكثر من 13 حالة وفاة مشابهة لحالة والدي. لذا سأرفع دعوى ضد مسلخ بيروت، إذا ثبت كلام الوزير أبو فاعور". ويضيف: "صحيح أننا لن نسترجع والدي، لكن القانون سيعيد له حقه المنتهك".
وأبو جمال كان يعمل حارساً في البلديّة، مهمته تقتضي مراقبة العمل في داخل الملحمة وكيفيّة نقل اللحوم وتوزيعها على المحلات والتأكد من ختمها. واللافت بحسب اللادقي أنه "لم يكن يشتري لحوم العائلة من المسلخ، متحجّجاً بقلة النظافة. كان الجميع يخاف التحدث، لحماية لقمة عيشه".
عبدالله حمادة كان عامل هاتف في المسلخ. قبل فترة من الزمن، راح يشكو من ضيق في التنفس ووجع في المعدة. وبعد تشخيص حالته، اكتشف الأطباء أنه يعاني سرطاناً في المعدة. فخضع لعمليّة جراحيّة واستؤصلت أيضاً نصف رئته. هو أيضاً لم يكن يقترب من ملحمة المسلخ، ولم يكن يشتري اللحوم منها أبداً. اليوم، ما زال عبدالله يخضع للمراقبة الطبيّة، بحسب ما تقول زوجته، مضيفة: "نشكر الله على أن عمله في مسلخ بيروت انتهى قبل أن تنتهي حياته".
أما فوزي سعد الدين فكان جزاراً هناك. وبعدما تقدّم في السن، فضّل العمل حارساً. لكنه أصيب بسرطان في الحنجرة وتوفي على أثره. توضح ابنته: "لم نحمّل يوماً المسلخ مسؤوليّة وفاته. قيل لنا إن سبب وفاته هو عمله السابق، لكننا غير متأكدين. والدنا كان كتوماً ولا يتحدّث أبداً عن مشكلاته". وإذ تفضّل عدم نبش الماضي وتوكيل أمرها لله، تكتفي بالترحّم عليه.