منذ سنوات قليلة، باتت المسلسلات التلفزيونية الهندية المدبلجة إلى الدارجة المغربية، تُشكّل ركيزة قوية وتجارية للتلفزيون المغربي، فهذا الوسيط البصري الهجين فناً وفكراً، أصبح يعرف نكوصاً كبيراً داخل برامجه وأفلامه ومسلسلاته الدرامية اليومية، فهو يعيش في جزر لوحده، بعيداً عن المشاكل اليومية السياسية والاجتماعية التي يُعاني منها المغاربة، وبالتالي يُصبح الترفيه علامة تجارية لهذه البرامج التلفزيونية المُستلبة من برامج فرنسية وأميركية، لا ينجح أصحابها في التوصل إلى إنتاج لقاء جماليّ ونسخة بصرية عميقة وغزيرة تُراعي الخصوصيات المغربية والعربية.
ونفس الأمر ينطبق على الدراما المغربية، الغارقة مع كل شهر رمضان في التهريج والاجترار وهزالة النصّ المُقدّم بسخاء إلى لجان الدعم، وعدم قدرة مخرج تلفزيوني من هؤلاء على خلق الحدث داخل هذا الشهر أو غيره. لذلك، أصبح المشاهد المغربي، يفهم قواعد اللعبة جيداً، وأن الأمر له علاقة بامتياز بالجريّ وراء الدعم وأن كُتّاب السيناريو، إنما يكتبون فقط الحلقات الثلاث الأولى ليجدوا أنفسهم ضمن لوائح الدعم. هكذا يتم إتمام الصفقة بكتابة الحلقات الأخرى، ما أثار سخطاً واسعاً في صفوف المغاربة إلى الدرجة التي جعلت منهم يهجرون التلفزيون الرسمي، لأنه لم يعد يسوّق إلا التفاهة المُقننة والتصفيق المجاني لأشباه من الفنانين.
وجد التلفزيون المغربي صيغة أخرى لاستعادة مجده "الضائع" من خلال الرهان منذ سنوات طويلة على المسلسلات الهندية، التي أصبحت اليوم تُنافس بقوة المسلسلات التركية، بسبب العلاقة الوطيدة التي ربطت المغاربة بالسينما الهندية منذ سبعينيات القرن المنصرم، فهي الأكثر تعبيراً عن مشاعرهم وقدرة هذه الأفلام على تجييش المشاعر والتوغل إلى قلوب الناس عن طريق المشاكل السياسية والاجتماعية البسيطة التي يُعاني منها الفرد.
كان في نيّة التلفزيون المغربي أن يسترجع "أوجه" وقمته منذ مرحلة غزو المسلسلات المكسيكية، التي حققت نجاحاً كاسحاً داخل المجتمع المغربي، بحكم أن المغاربة لأول مرة سيصطدمون بمسلسلات مغايرة وبلغة/دبجلة أقرب إلى حياتهم اليومية، بالرغم من هزالة هذه المسلسلات المكسيكية وابتذالها، إلا أنها كانت على الأقل جريئة في اقتحام مكبوت المجتمع المغربي في ذلك الوقت وتحرير هواجسه ورغباته وخلق نوع من الجرأة في قضايا الحب والعشق أمام مجتمع فقهيّ وتقليديّ يرزح تحت التقليد والتشبث بالجذور، ومع توالي السنوات، بدأت المسلسلات التركية تزدهر بسبب المؤسسات الفنيّة الخاصّة بالدبلجة التي تتوفر في أكثر من بلد عربيّ، فاكتسحت بمنتوجها المُتخيّل البصري المغربي، فوجد التلفزيون المغربي فرصة سانحة له مُجدّداً لاستعادة هذا المجد الضائع مع الدراما المكسيكية، فعمل على شحذ التلفزيون كل مساء بهذه الأعمال وحققت مشاهدات عالية لم يحققها المنتوج الوطني الغارق في الاستهلاك وكليشيهات مُصطنعة وسخيفة. مع العلم أنّ هذا الخنوع المُستكين إلى مكر الصورة وجماليّاتها داخل المسلسلات التركية وحبكتها الدافئة وزخم الإكسسوارات الغنيّة، التي تُميّز هذه الدراما عن نظيرتها المكسيكية والرهان على وسامة البطل وجمال المرأة وسحرها، لكن سرعان ما استعاد المشاهد المغربي وعيه و"نضوجه" المرحلي للمُطالبة بضرورة إحداث مسلسلات مغربية تتماشى مع أذواقه الفنيّة والجمالية. سرعان ما ستظهر المسلسلات الهندية المدبلجة، هذه المرة ليس بعربية فصحى متوسطة (المكسيكية)، وإنما باللهجة الدارجة أو لغة الكلام الحيّ المتداول داخل المغرب.
اقــرأ أيضاً
ومع ذلك، فالتلفزيون الرسمي يبدو واثقاً من استراتيجيته اللافنية ومواقفه المتصلبة الغارقة في التقليد، تجاه هذه المسلسلات الهندية المدبلجة، التي تحقق له نسب مشاهدات عالية لا تحققها حتى السينما أو البرامج الترفيهية الأخرى داخل القناة الثانية (دوزيم) حتى غدت هذه المسلسلات، تُشكّل قاطرة تجارية مهمة لهذا الإنتاج الخارجي، مقارنة بالمنتوج الداخلي الغائب والمُغيّب والقليل منه مُصابُ بالوهن والانفصام الواقعي والانحسار الإبداعي الرهيب، وتتحكم فيه أيادٍ هي من تُسيّره وترسم له طريقه الآمن نحو مصالح بعينها.
كما أن هذه المسلسلات الهندية المدبجلة، لم تظل سجينة نفسها داخل الرأيّ المُضاد والمعارض والنقدي لها، وإنما هنالك شريحة كبيرة من الفنانين والإعلاميين، ممن يؤيدون ويحضون المنتوج الرسمي على شراء هذه المسلسلات واستهلاكها بكثرة، تحت ذريعة الانفتاح على الآخر وخلق نوع من الكوكتيل الفني والجمالي، الذي قد يحرّر المشاهد المغربي في مرحلة من المراحل ويفتح له وللدراما المغربية آفاقاً رحبة على مستوى الكتابة والإبداع.
المسلسلات الهندية، لا تعبّر عن الفن الهندي الجادّ، بقدر ما هي تُشكّل تواضعا عن بعض ألوانه الفنية. تمثل هذه الدراما صورة مشوهة عن الصورة الكبيرة والعميقة التي وسمت السينما الهندية عبر العالم، بل إننا نجد الكثير من النقاد داخل الهند، ممن وجهوا نقداً شديداً لهذه المسلسلات الساذجة، التي عملت منذ الستينيات على غزو بعض الدول الكبرى لكنها لم تنجح في ذلك، لأن تلك الدول لها سوق فنيّة قوية قِوامها المنتوج الوطني وتعطي نصيباً صغيراً للإنتاج الأجنبي القادم من الخارج ولكنها تخضعه للمقاربة الفنيّة والجمالية، التي تعتبر أحد أهم الشروط لقبول المشروع وبثه داخل البلد.
لا ننسى أن هذا "الاستعمار البصري" ما كان يتأتى لولا تراجع الدراما العربية وجماليّاتها، إما بسبب ضعف وهشاشة السيناريو أو لأن المؤسسات الإنتاجية العربية لا تقوى على دعم المسلسلات العربية، التي تستنزف منها مالاً وفيراً دون عائد ماديّ أو تحقيق أرباح معينة، ما يجعلها تُفضل اللجوء إلى الإنتاج الأجنبي لرفع نسبة المشاهدات داخل كل حلقة والجريّ وراء الربح دون أيّ متعة بصرية يستلطفها المشاهد المغربي على مدار سنة بأكملها.
ونفس الأمر ينطبق على الدراما المغربية، الغارقة مع كل شهر رمضان في التهريج والاجترار وهزالة النصّ المُقدّم بسخاء إلى لجان الدعم، وعدم قدرة مخرج تلفزيوني من هؤلاء على خلق الحدث داخل هذا الشهر أو غيره. لذلك، أصبح المشاهد المغربي، يفهم قواعد اللعبة جيداً، وأن الأمر له علاقة بامتياز بالجريّ وراء الدعم وأن كُتّاب السيناريو، إنما يكتبون فقط الحلقات الثلاث الأولى ليجدوا أنفسهم ضمن لوائح الدعم. هكذا يتم إتمام الصفقة بكتابة الحلقات الأخرى، ما أثار سخطاً واسعاً في صفوف المغاربة إلى الدرجة التي جعلت منهم يهجرون التلفزيون الرسمي، لأنه لم يعد يسوّق إلا التفاهة المُقننة والتصفيق المجاني لأشباه من الفنانين.
وجد التلفزيون المغربي صيغة أخرى لاستعادة مجده "الضائع" من خلال الرهان منذ سنوات طويلة على المسلسلات الهندية، التي أصبحت اليوم تُنافس بقوة المسلسلات التركية، بسبب العلاقة الوطيدة التي ربطت المغاربة بالسينما الهندية منذ سبعينيات القرن المنصرم، فهي الأكثر تعبيراً عن مشاعرهم وقدرة هذه الأفلام على تجييش المشاعر والتوغل إلى قلوب الناس عن طريق المشاكل السياسية والاجتماعية البسيطة التي يُعاني منها الفرد.
كان في نيّة التلفزيون المغربي أن يسترجع "أوجه" وقمته منذ مرحلة غزو المسلسلات المكسيكية، التي حققت نجاحاً كاسحاً داخل المجتمع المغربي، بحكم أن المغاربة لأول مرة سيصطدمون بمسلسلات مغايرة وبلغة/دبجلة أقرب إلى حياتهم اليومية، بالرغم من هزالة هذه المسلسلات المكسيكية وابتذالها، إلا أنها كانت على الأقل جريئة في اقتحام مكبوت المجتمع المغربي في ذلك الوقت وتحرير هواجسه ورغباته وخلق نوع من الجرأة في قضايا الحب والعشق أمام مجتمع فقهيّ وتقليديّ يرزح تحت التقليد والتشبث بالجذور، ومع توالي السنوات، بدأت المسلسلات التركية تزدهر بسبب المؤسسات الفنيّة الخاصّة بالدبلجة التي تتوفر في أكثر من بلد عربيّ، فاكتسحت بمنتوجها المُتخيّل البصري المغربي، فوجد التلفزيون المغربي فرصة سانحة له مُجدّداً لاستعادة هذا المجد الضائع مع الدراما المكسيكية، فعمل على شحذ التلفزيون كل مساء بهذه الأعمال وحققت مشاهدات عالية لم يحققها المنتوج الوطني الغارق في الاستهلاك وكليشيهات مُصطنعة وسخيفة. مع العلم أنّ هذا الخنوع المُستكين إلى مكر الصورة وجماليّاتها داخل المسلسلات التركية وحبكتها الدافئة وزخم الإكسسوارات الغنيّة، التي تُميّز هذه الدراما عن نظيرتها المكسيكية والرهان على وسامة البطل وجمال المرأة وسحرها، لكن سرعان ما استعاد المشاهد المغربي وعيه و"نضوجه" المرحلي للمُطالبة بضرورة إحداث مسلسلات مغربية تتماشى مع أذواقه الفنيّة والجمالية. سرعان ما ستظهر المسلسلات الهندية المدبلجة، هذه المرة ليس بعربية فصحى متوسطة (المكسيكية)، وإنما باللهجة الدارجة أو لغة الكلام الحيّ المتداول داخل المغرب.
بالرغم من صراخ مثقفين وفنانين مغاربة، ممن يشكون من قهر هذه المسلسلات التي تصل عدد حلقاتها إلى استنفاد سنة بأكملها حتى يلتقي العشيقان وتعود الأمور العائلية إلى مجاريها اليومية وينتهي العمل، ما يؤثر سلباً على سوق الفن داخل المغرب، الذي يعيش منه أغلب الممثلين داخل المغرب، باستثناء قلة قليلة ممن درسوا بالمعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي وتمكنوا من الحصول على وظائف حكومية لتدريس المسرح والسينما، ما يجعل من فنانين كثر يعانون من البطالة والتشرّد داخل مدينة الدار البيضاء.
ومع ذلك، فالتلفزيون الرسمي يبدو واثقاً من استراتيجيته اللافنية ومواقفه المتصلبة الغارقة في التقليد، تجاه هذه المسلسلات الهندية المدبلجة، التي تحقق له نسب مشاهدات عالية لا تحققها حتى السينما أو البرامج الترفيهية الأخرى داخل القناة الثانية (دوزيم) حتى غدت هذه المسلسلات، تُشكّل قاطرة تجارية مهمة لهذا الإنتاج الخارجي، مقارنة بالمنتوج الداخلي الغائب والمُغيّب والقليل منه مُصابُ بالوهن والانفصام الواقعي والانحسار الإبداعي الرهيب، وتتحكم فيه أيادٍ هي من تُسيّره وترسم له طريقه الآمن نحو مصالح بعينها.
كما أن هذه المسلسلات الهندية المدبجلة، لم تظل سجينة نفسها داخل الرأيّ المُضاد والمعارض والنقدي لها، وإنما هنالك شريحة كبيرة من الفنانين والإعلاميين، ممن يؤيدون ويحضون المنتوج الرسمي على شراء هذه المسلسلات واستهلاكها بكثرة، تحت ذريعة الانفتاح على الآخر وخلق نوع من الكوكتيل الفني والجمالي، الذي قد يحرّر المشاهد المغربي في مرحلة من المراحل ويفتح له وللدراما المغربية آفاقاً رحبة على مستوى الكتابة والإبداع.
المسلسلات الهندية، لا تعبّر عن الفن الهندي الجادّ، بقدر ما هي تُشكّل تواضعا عن بعض ألوانه الفنية. تمثل هذه الدراما صورة مشوهة عن الصورة الكبيرة والعميقة التي وسمت السينما الهندية عبر العالم، بل إننا نجد الكثير من النقاد داخل الهند، ممن وجهوا نقداً شديداً لهذه المسلسلات الساذجة، التي عملت منذ الستينيات على غزو بعض الدول الكبرى لكنها لم تنجح في ذلك، لأن تلك الدول لها سوق فنيّة قوية قِوامها المنتوج الوطني وتعطي نصيباً صغيراً للإنتاج الأجنبي القادم من الخارج ولكنها تخضعه للمقاربة الفنيّة والجمالية، التي تعتبر أحد أهم الشروط لقبول المشروع وبثه داخل البلد.
لا ننسى أن هذا "الاستعمار البصري" ما كان يتأتى لولا تراجع الدراما العربية وجماليّاتها، إما بسبب ضعف وهشاشة السيناريو أو لأن المؤسسات الإنتاجية العربية لا تقوى على دعم المسلسلات العربية، التي تستنزف منها مالاً وفيراً دون عائد ماديّ أو تحقيق أرباح معينة، ما يجعلها تُفضل اللجوء إلى الإنتاج الأجنبي لرفع نسبة المشاهدات داخل كل حلقة والجريّ وراء الربح دون أيّ متعة بصرية يستلطفها المشاهد المغربي على مدار سنة بأكملها.