يثير مسلسل "الأخوة" (سيناريو وحوار محمد أبو اللبن ولواء يازجي وإخراج سيف الدين سبيعي وسيف شيخ نجيب) الذي يعرض الآن على قناتي "أبو ظبي الأولى" و"سي بي سي" أسئلة عن الأداء التمثيلي وفن الممثل، وهو يطرح على نحو ما حالة شبيهة بأخرى في الفن المسرحي تعرف بـ"المسرح ضمن المسرح" على الرغم من أن هذه الحالة على الخشبة تفرضها صيرورة الحكاية ومسارات الشخصية، والانتقال إليها يتم بتوافق بين المشاهد والممثل، فيما تبدو في التلفزيون منسجمة وطبيعة البناء الدرامي للشخصيات، وسلوكها النفسي وظروفها المحيطة أيضاً، و لكن فيها الانتقال من تمثيل الدور إلى التمثيل ضمن الدور نفسه يتم دون الإعلان عن ذلك صراحة في كثير من الأحيان.
وعلى هذا النحو سيبدو الإخوة الأربعة الآخرون" نور-تيِّم حسن"، و"أمير-باسل خياط"، و"فادي-قيس شيخ نجيب"، و"هاني-أحمد فهمي" على قدر من التشابه، لناحية القسوة والإحساس بالقوة، وفضلاً عن تحليهم بميزات أصحاب "البزنس" العامة لناحية القدرة على المراوغة والتلون في أحوالهم اليومية، وتلك الصفات في مجملها ستظهر على نحو متفاوت بين أخ وآخر، لتتكامل في مجموع صفاتهم، وتظهر بشكل رئيسي في الإخوة نور وأمير وفادي، فيما سيبدو الأخ الرابع هاني مزيجاً من إخوته الثلاثة.
لكل من شخصيات الإخوة الثلاثة مسارات درامية مختلفة تجعل نظرياً، مهمة الممثل سهلة في تجسيد شخصيته، كون تلك المسارات ترسم ملامح خاصة لكل من الشخصيات الثلاثة، لكن في التشابه السابق الذي أشرنا إليه، ثمة ما يهدد بأداء جزئي منسوخ من بعضه بعضاً، تتغير وجوه الممثلين فيه، ولكن الروح تبقى واحدة لقناع واحد، وهو الأمر الذي نجح الممثلون الثلاثة في تجاوزه، حتى الآن، اعتماداً على النص أولاً حيث بدا التشابه مغلفاً بالرقة، واللين حيناً وبالصوت الحاسم حيناً آخر عند نور، وتميزت شخصية أمير بملامح القسوة والصوت الحاد، وجاء التشابه مقنعاً بهدوء "فادي" وتذبذب ردود أفعاله بين الغضب مرات وبين الصمت مرات أخرى.
إلا أن الاعتماد الحقيقي للممثلين الثلاثة في تجاوز التشابه في السلوك، كان على أدوات الممثل التعبيرية وحوامله من جسد وذاكرة انفعالية وأحاسيس وإيماءات، وتجلياتها بين الصمت والكلام من ناحية. اللعب التمثيلي بين المشاعر المتناقضة من ثنائيات الحزن والفرح، الحب والكراهية، الهدوء والغضب، القوة والضعف.
لالتقاط ذلك ربما علينا أن نبحث في أداء الممثلين الثلاثة عن الحالة الداخلية للممثل، حيث تختلط الملامح حتى لا تبدو واحدة واضحة بين الثلاثة، فيما يتسم تمثيل كل منهم بالإخلاص لواقعية السلوك اليومي للشخصية، كما يرسم النص مسارها، حتى حالات المبالغة والتكلف التي تعيشها الشخصيات حيناً، هي من لدن النص، فحال الممثلين هنا، هو حال ما يعرف بالفن المسرحي "المسرح ضمن المسرح"، فثلاثتهم وبحكم تفاصيل شخصياتهم وملامحها وسلوكها لا يكتفون بلعب الدور، إنما يلعبون الدور وضمنه أيضاً، فالتمثيل والتصنع ضمن المجتمعات المخملية وعالم رجال الأعمال، على سبيل المثال، هما من التفاصيل الشخصية الواقعية لأبناء هذه المجتمعات، وعليه لا يمكن لأي ممثل محترف أن يسقط هاتين الصفتين من دراسة شخصيات "نور و أمير وفادي" لتجسيدها تلفزيونياً.
فلم يعد كافياً أن يؤدي الواحد منهم الشخصية من دون أن يظهر تصنعها ومبالغاتها الحياتية وتناقضاتها بوصفها تمثيلاً أيضاً، من دون الإعلان صراحة ذلك، كون تلك الصفات من لدن الشخصية وليست دخيلة عليه، ومن دون ذلك فلا شك سيكون هناك خلل في الأداء.
وفق هذه الرؤية يبدو النجوم الثلاثة موفقين حتى الساعة في ضبط ما يجب أن تكون عليه الشخصية بحكم سلوكها، وقد نجح كل منهم في إضفاء نكهة خاصة على شخصيته لتبدو متعددة الأبعاد، ولكن بوجود مكتمل... وفي ذلك كله يمكن فن التمثيل، بوصفه ليس نقل الورق المكتوب، وتقمص ملامح الشخصيات فيها ونقل حواراتها، وإنما (بث) الروح على نحو واقعي فيها، انطلاقاً من فهم عوالم الشخصية الداخلية وظروفها النفسية ومنبتها الحياتي ومحيطها الحيوي واشتراطاته.
من المبكر قراءة العمل نقدياً والحكم على مسارات الشخصية فيه وبنائها الدرامي ولاسيما أننا أمام مئة حلقة موزعة على أجزاء، ولكن الإشارة إلى لعب الممثلين أدوارهم بدا لافتاً، ويحتاج لفهم مبكر ربما، لمتعة أكبر في مشاهدة العمل وفك رموزه.