ويشكّل اكتساح "خادم الشعب" سابقة في تاريخ أوكرانيا ما بعد السوفييتية، إذ لم يسبق لأي من رؤسائها أن حظي بمثل هذه السيطرة على مقاليد الحكم وتأييد الجماهير من المعجبين بأداء زيلينسكي كممثل ساخر، مقابل ضعف المعارضة وتفتيتها.
وفي هذا الإطار، اعتبر المحلّل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني، ألكسندر تشالينكو، أنّ "الأوكرانيين لم يصوتوا خلال الاستحقاق التشريعي لصالح الرئيس وحزبه، وإنما لشخصية طيبة وبسيطة، لأستاذ تاريخ أصبح رئيساً لأوكرانيا" أدى زيلينسكي دوره في مسلسل "خادم الشعب".
وقال تشالينكو، في حديث مع "العربي الجديد": "يعود اكتساح خادم الشعب إلى اسم زيلينسكي، بعد تشبّع الناخبين من النخب المتمثلة بالرئيس السابق، بيترو بوروشينكو، ورئيسة الوزراء السابقة، يوليا تيموشينكو، والتي لم تتجدّد منذ عقدين. أدرك الشعب أن النخبة تتلاعب به ولا تفي بوعودها".
ولما كانت قلّة المرشحين الأقوياء بالدوائر الفردية من نقاط ضعف فريق زيلينسكي، إلا أنّ ارتباطهم باسمه ساعدهم في الفوز، وفق ما أوضحه تشالينكو، مضيفاً: "الصورة الإيجابية للرئيس ساعدت في تأهل مرشحين بلا أسماء، وبلا خبرة سياسية، فازوا لمجرّد انتمائهم إلى خادم الشعب، ومن بينهم على سبيل المثال، مصوّر حفلات زفاف، وآخرون عاطلون عن العمل حصلوا على وظائف جيّدة بانتخابهم إلى الرادا العليا". لكنه رأى أنّ ذلك "يزيد من خطورة شراء أصوات هؤلاء أثناء التصويت على قرارات هامة في ظلّ استشراء الفساد في أوكرانيا".
وحول مخاطر انفراد زيلينسكي بالسلطة وتحوله إلى "الدكتاتور الساخر"، قال تشالينكو: "هناك معلومات عن أنّ حزب الرئيس يعتزم إجراء انتخابات محلية مبكرة أيضاً لاعتلاء هذه الموجة من النجاح والانفراد الكامل بالحكم، بعد أن سيطر على السلطتين التنفيذية والتشريعية". وأشار إلى أنّه "تكمن مشكلة الأوكرانيين في أنهم ينتظرون من كل رئيس أن يكون هو المسيح المخلص الذي سيوفّر لهم الوظائف والمال والسلام، ثمّ يصابون بخيبة أمل فيه ويكرهونه مثلما كرهوا بوروشينكو".
من جهته، اعتبر الباحث المتعاون مع مركز "كارنيغي" في موسكو، قسطنطين سكوركين، أنّ اكتساح حزب زيلينسكي يتيح له التخلّص من إرث سلفه بوروشينكو بشكل كامل، مشكلاً مرحلة جديدة من تجديد المنظومة السياسية برئاسة ممثل ساخر.
وفي مقال بعنوان "البطاقة البيضاء لخادم الشعب: كيف حقق زيلينسكي سيناريو مسلسله ودلالات ذلك للكرملين"، نُشر بموقع مجلة "فوربس" بنسختها الروسية، أوّل من أمس الأربعاء، أشار سكوركين إلى أنّ "زيلينسكي، كونه فناناً استعراضياً ذا خبرة، تعلّم أذواق الجمهور الأوكراني، محققاً خلال حملته سيناريو مسلسل خادم الشعب، ومستغلاً تطلعات الأوكراني الصغير".
وأضاف كاتب المقال أنّ "الأوكرانيين أظهروا استعدادهم للتصويت لأي شخصيات، باستثناء الحرس القديم في السياسة الأوكرانية"، وذلك حتى في الدوائر الفردية بالمناطق الموالية لروسيا شرق البلاد، مما قد يثير قلق موسكو التي راهنت على "المنصة المعارضة - من أجل الحياة" بزعامة السياسيين المدعومين من الكرملين، يوري بويكو وفيكتور مدفيدتشوك، ولكنها لم تحصل سوى على 44 مقعداً في "الرادا".
وخلص سكوركين إلى أنّ الانتخابات التشريعية أظهرت ضعف شعبية القوى الموالية لموسكو، وأنّ زيلينسكي فرض نفسه بجدية ولفترة طويلة، ما يعني أنّ الكرملين يحتاج إلى إقامة اتصالات مع الرئيس الأوكراني الجديد ومحيطه المعني بتخفيف حدة التوتر في العلاقات بين البلدين.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد استبق الاستحقاق البرلماني في أوكرانيا باستقبال مدفيدتشوك في العاصمة الشمالية الروسية، سانت بطرسبورغ. كما أكّد بوتين قبوله دعوة زيلينسكي لعقد محادثات حول ملفي شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014 ومنطقة دونباس شرق البلاد، بعد إجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة.
وشهدت أوكرانيا، يوم الأحد الماضي، انتخابات تشريعية مبكرة أجريت على خلفية إعلان زيلينسكي أثناء مراسم تنصيبه في مايو/أيار الماضي، حلّ الرادا العليا بتشكيلتها السابقة.
وإلى جانب "خادم الشعب" الذي حصل على نحو 43 في المائة من الأصوات بالقائمة النسبية، تمكنت أربعة قوى أخرى من تجاوز عتبة الـ5 في المائة اللازمة لدخول البرلمان، وهي منصة "من أجل الحياة" (13 في المائة)، و"باتكيفشينا" (الوطن) بزعامة تيموشينكو (8.18 في المائة)، و"التضامن الأوروبي" بزعامة بوروشينكو (8.11 في المائة)، و"غولوس" (الصوت) بزعامة المغني سفياتوسلاف فاكارتشوك (5.83 في المائة)، وذلك وفق الأرقام الواردة بموقع لجنة الانتخابات المركزية الأوكرانية.