09 نوفمبر 2024
مسلمو الصين: كيف يفهموننا؟
مدينة ووتشونغ هي عاصمة قومية "هوي" الصينية المسلمة التي تعد ثاني أكبر قومية مسلمة في الصين، بعد قومية الويغور، عدد أفرادها نحو 12 مليوناً. زرت هذه المدينة الجميلة والمزدهرة قبل أيام، في مقاطعة نينشيا الصينية ذات الحكم الذاتي، وتشكل قومية "هوي" غالبية سكانها.
في ووتشونغ معهد لتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم، يديره رجل مسلم ذكي اسمه تاج الدين، تخرّج من المدينة المنوّرة قبل ثماني سنوات، وفيها مراكز ثقافية مميزة، ومسجد كبير ذو طراز معماري جميل، والأهم أن فيها حياة معاصرة لا تختلف عن حياة الصينيين في بكين وشنغهاي وغوانجو.
أكد تاج الدين اهتمام قومية هوي بـ"حب الوطن" باعتباره من معايير الحياة المعاصرة الناجحة، وذكّرني بزيارة سابقة إلى مقاطعة نينشيا قبل سنوات. يومها، قال لي نائب رئيس معهد اللغات العالمية للمسلمين، ومركزه في مدينة ينتشوان عاصمة هذه المقاطعة، إنه لا يوافق على أن تتبرع دول عربية غنية بنشر كتب دينية تراثية، سلفية الطابع، معتقدة أن الصينيين المسلمين متعطشون لها كي "يفهموا أمور دينهم!"، فالصينيون المسلمون، برأي هذا الصيني الحصيف، الذي درس الحديث الشريف في المدينة المنورة، ويتقن العربية، صينيون أولاً وأخيراً، وما يزال الصينيون يفهمون لغة المصالح، لا لغة العواطف، كما أجدادهم حين دخلوا في الإسلام قبل نحو ألف سنة، بفضل حُسن معاملة التجار العرب الذين وصلوا إليهم عبر "طريق الحرير".
ليس الصينيون المسلمون، والحمد لله، معنيين بهلوساتنا الماضوية، ولا ينظرون إلينا، كما قد يعتقد بعضنا، على أننا "أحفاد الصحابة"، بل أننا ننتمي إلى مجتمعات أقل تحضراً، تحتاج أن تتعلم، لا أن يُتعلم منها، فلا يطلبون منّا العلم، لأن العلم يُطلب من كل مكان متقدم في الدنيا، ولو في الصين، كما القول المأثور الذي يحب الصينيون في نينشيا نسبته إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويزيّنون به جدران مساجدهم. أما ما يطلبونه منا، نحن "أحفاد الصحابة!" المفترضين، فهو تبادل المصالح عبر التجارة، حيث يقام في ينتشوان سنوياً منتدى التعاون العربي الصيني، وقد أنشأت حكومة مقاطعة نينشيا، في هذه السنة، مركزاً كبيراً للمؤتمرات، استضاف دورة المنتدى للعام 2015. والطريف أن تصميم المركز يأخذ شكل الطاقية البيضاء الصغيرة التي يعتمرها مسلمو الصين.
يشكو المسلمون الصينيون الذين يتوزعون على عشر قوميات من ابتعاد قطاع واسع من الشباب عن التمسك بالإسلام، تحت تأثير التطور الاجتماعي الحاصل بين القوميات الصينية التي لا تتبع ديناً، أو تتبع البوذية، ورغبة الشباب المسلمين في مسايرة الحياة العصرية السائدة في مجمل المجتمع الصيني. إنهم لا يجدون فائدة مضافة من التديّن الكامل، ومن ثم التمايز عن الصينيين الآخرين، سوى في الحد الأدنى من الممارسات، كما هو حاصل في مجتمعاتنا العربية، كمظاهر الابتهاج بشهر رمضان، واشتراط اعتناق الإسلام في حال الإقبال على الزواج من غير المسلمين، فيما ينتشر الحجاب بين الفتيات، على خلفية اجتماعية محافظة كما يبدو، فتراه في الريف أكثر مما هو في المدينة.
تشكلت قومية "هوي" الصينية، قبل نحو خمسمائة سنة، نتيجة زواج تجار عرب من نساء صينيات. لذا، يعتبر أبناء هذه القومية التي يعني اسمها "العائدون" أنفسهم أحفاد العرب الذين استقروا في الصين. الـ"هوي" القومية المسلمة الوحيدة التي تتزوج من غير المسلمين، وخصوصاً من قومية "هان" التي تشكل نحو 91% من إجمالي عدد الصينيين البالغ أكثر من مليار ونصف المليار إنسان، لكن شريطة دخولهم في الإسلام، وبذلك يسيرون على نهج أجدادهم العرب الذين تزوجوا من الصينيات الـ"هان"، وشكلوا هذه القومية مع الزمن.
ليس الـ"هوي" في طور العودة إلى بلاد أجدادهم العرب، إذن، على خلاف ما يوحي به اسم قوميتهم، بل هم في طور المسايرة الكاملة للمجتمع الصيني المتحضّر، باعتبارهم صينيين أولاً، ومسلمين ثانياً، فيما ينظرون إلى بلاد أجدادهم العرب باعتبارها موطناً أصلياً متأخراً حضارياً، ولا مانع عندهم من المساهمة في "تحضيره"، على أساس تبادل المصالح بين أنداد. فهل لنا أن نتواضع، ونقبل منهم مساهمات حضارية كهذه؟ أظننا في أمسّ الحاجة إلى التواضع.
في ووتشونغ معهد لتعليم اللغة العربية والقرآن الكريم، يديره رجل مسلم ذكي اسمه تاج الدين، تخرّج من المدينة المنوّرة قبل ثماني سنوات، وفيها مراكز ثقافية مميزة، ومسجد كبير ذو طراز معماري جميل، والأهم أن فيها حياة معاصرة لا تختلف عن حياة الصينيين في بكين وشنغهاي وغوانجو.
أكد تاج الدين اهتمام قومية هوي بـ"حب الوطن" باعتباره من معايير الحياة المعاصرة الناجحة، وذكّرني بزيارة سابقة إلى مقاطعة نينشيا قبل سنوات. يومها، قال لي نائب رئيس معهد اللغات العالمية للمسلمين، ومركزه في مدينة ينتشوان عاصمة هذه المقاطعة، إنه لا يوافق على أن تتبرع دول عربية غنية بنشر كتب دينية تراثية، سلفية الطابع، معتقدة أن الصينيين المسلمين متعطشون لها كي "يفهموا أمور دينهم!"، فالصينيون المسلمون، برأي هذا الصيني الحصيف، الذي درس الحديث الشريف في المدينة المنورة، ويتقن العربية، صينيون أولاً وأخيراً، وما يزال الصينيون يفهمون لغة المصالح، لا لغة العواطف، كما أجدادهم حين دخلوا في الإسلام قبل نحو ألف سنة، بفضل حُسن معاملة التجار العرب الذين وصلوا إليهم عبر "طريق الحرير".
ليس الصينيون المسلمون، والحمد لله، معنيين بهلوساتنا الماضوية، ولا ينظرون إلينا، كما قد يعتقد بعضنا، على أننا "أحفاد الصحابة"، بل أننا ننتمي إلى مجتمعات أقل تحضراً، تحتاج أن تتعلم، لا أن يُتعلم منها، فلا يطلبون منّا العلم، لأن العلم يُطلب من كل مكان متقدم في الدنيا، ولو في الصين، كما القول المأثور الذي يحب الصينيون في نينشيا نسبته إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويزيّنون به جدران مساجدهم. أما ما يطلبونه منا، نحن "أحفاد الصحابة!" المفترضين، فهو تبادل المصالح عبر التجارة، حيث يقام في ينتشوان سنوياً منتدى التعاون العربي الصيني، وقد أنشأت حكومة مقاطعة نينشيا، في هذه السنة، مركزاً كبيراً للمؤتمرات، استضاف دورة المنتدى للعام 2015. والطريف أن تصميم المركز يأخذ شكل الطاقية البيضاء الصغيرة التي يعتمرها مسلمو الصين.
يشكو المسلمون الصينيون الذين يتوزعون على عشر قوميات من ابتعاد قطاع واسع من الشباب عن التمسك بالإسلام، تحت تأثير التطور الاجتماعي الحاصل بين القوميات الصينية التي لا تتبع ديناً، أو تتبع البوذية، ورغبة الشباب المسلمين في مسايرة الحياة العصرية السائدة في مجمل المجتمع الصيني. إنهم لا يجدون فائدة مضافة من التديّن الكامل، ومن ثم التمايز عن الصينيين الآخرين، سوى في الحد الأدنى من الممارسات، كما هو حاصل في مجتمعاتنا العربية، كمظاهر الابتهاج بشهر رمضان، واشتراط اعتناق الإسلام في حال الإقبال على الزواج من غير المسلمين، فيما ينتشر الحجاب بين الفتيات، على خلفية اجتماعية محافظة كما يبدو، فتراه في الريف أكثر مما هو في المدينة.
تشكلت قومية "هوي" الصينية، قبل نحو خمسمائة سنة، نتيجة زواج تجار عرب من نساء صينيات. لذا، يعتبر أبناء هذه القومية التي يعني اسمها "العائدون" أنفسهم أحفاد العرب الذين استقروا في الصين. الـ"هوي" القومية المسلمة الوحيدة التي تتزوج من غير المسلمين، وخصوصاً من قومية "هان" التي تشكل نحو 91% من إجمالي عدد الصينيين البالغ أكثر من مليار ونصف المليار إنسان، لكن شريطة دخولهم في الإسلام، وبذلك يسيرون على نهج أجدادهم العرب الذين تزوجوا من الصينيات الـ"هان"، وشكلوا هذه القومية مع الزمن.
ليس الـ"هوي" في طور العودة إلى بلاد أجدادهم العرب، إذن، على خلاف ما يوحي به اسم قوميتهم، بل هم في طور المسايرة الكاملة للمجتمع الصيني المتحضّر، باعتبارهم صينيين أولاً، ومسلمين ثانياً، فيما ينظرون إلى بلاد أجدادهم العرب باعتبارها موطناً أصلياً متأخراً حضارياً، ولا مانع عندهم من المساهمة في "تحضيره"، على أساس تبادل المصالح بين أنداد. فهل لنا أن نتواضع، ونقبل منهم مساهمات حضارية كهذه؟ أظننا في أمسّ الحاجة إلى التواضع.