طوال سنوات ما بعد النكبة، عانت مدينة يافا في الداخل الفلسطيني المحتل، من نقص في الأطر الوطنيّة. نقص تحاول "حركة الشبيبة اليافية" تجاوزه من خلال دعم الشباب.
في إبريل/ نيسان 2010 بادر سبعة ناشطين وناشطات شباب إلى تأسيس "حركة الشبيبة اليافية" في مدينة يافا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
مثل كلّ بداية حركة أو مؤسّسة، واجهت الحركة صعوبات في تجسيد أفكارها ومبادئها على أرض الواقع لعدّة أسباب منها: عدم وجود دعم مادّي من أصحاب المصالح، وعدم جاهزيّة أهالي يافا لاستيعاب مشروع وطني وقومي بعيداً عن الطائفيّة التي ترتكز عليها مؤسّسات البلدة التي كانت رائدة في الصحوة الوطنيّة والقوميّة أثناء الحكم البريطاني لفلسطين في القرن السابق.
لكن، بعد مضي عام، استطاعت حركة الشبيبة اليافية أن تجنّد عشرات الأعضاء من المتحمسين لمصلحة مدينتهم والحفاظ على الهويّة القومية والوطنية بالرغم من كلّ المصاعب والتحديّات التي تواجهها المدن الفلسطينيّة التي باتت تسمّى بالمدن المختلطة نسبة لوجود سكّان عرب ويهود فيها. وبالفعل، أثبت تجنيد الأعضاء وتفعيلهم لنشاطات الحركة المتنوعة نجاح أكبر مسيرة في تاريخ المدينة منذ النكبة وهي مسيرة "عائد إلى يافا" في الرابع عشر من مايو/ أيار 2011. في تلك المسيرة شارك مئات الفلسطينيين من كلّ أنحاء فلسطين التاريخيّة وجابوا شوارع المدينة مؤكّدين على حق العودة إلى يافا وكلّ المدن والقرى الفلسطينيّة، وتكلّلت المسيرة بنجاح إعلامي فقد حظيت بتغطية من وسائل إعلام محليّة وإقليمية وعالمية.
منذ ذلك النشاط، تحسّن وضع الحركة نسبياً، واستطاعت أن تستقطب العشرات من شبّان وصبايا يافا الوطنيين. وفي المقابل، أصبحت الحركة من أنشط الحركات على الصعيد الوطني، فقد تظاهر أعضاؤها وأنصارها يومياً طوال 48 يوماً دعماً للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام، وبشكل خاص الأسير سامر العيساوي ابن قرية العيساويّة، قضاء القدس. كذلك، شارك أعضاؤها في عدّة تظاهرات نصرةً للقضيّة الفلسطينيّة التي تجمع تحت سقفها أبناءها الفلسطينيين أينما كانوا.
قبل ثلاث سنوات، جرى تسجيل الحركة في سجل الجمعيات (في كيان الاحتلال) لتصبح جمعية رسمية. هدفت الخطوة إلى إنجاح عملها الذي يرتكز على تطبيق خمسة أهداف تصب في مصلحة المجتمع العربي في يافا وهي: تنمية روح التطوّع عند الأجيال الشابّة، والعمل على تجسيد المساواة بين الرجل والمرأة، وتعزيز الهوية الوطنية، وتعزيز اللغة العربية، والعمل على التأهيل المهني والدراسي.
في هذا الإطار، يقول عضو الحركة ومركّز مشروع "يافا المستقبل" بدوي فرّا لـ"العربي الجديد" إنّ حركة الشبيبة اليافيّة وضعت لنفسها خمسة أهداف، لكنّها استطاعت تحقيق أوّل أربعة وذلك بسبب الصعوبات التي تواجه الهدف الأخير الذي هو مشروع في حد ذاته. يتابع أنّه لذلك قرّر أعضاء الحركة أن يضعوا اهتمامهم الأكبر في إنجاح هدف التوجيه المهني والدراسي للتلاميذ العرب في يافا. يتابع: "بالفعل، استطعنا قبل عام أن نفتتح مشروعاً جديداً تحت اسم يافا المستقبل يضم تلاميذ من جميع مدارس يافا العربيّة وبالتحديد من الصف العاشر، وذلك لمرافقتهم طوال ثلاث سنوات من أجل بناء جيل واعٍ وجاهز لخوض المعارك اليوميّة في ما بعد إنهاء الدراسة الثانويّة، فهناك صعوبات كبيرة وتحديات أمام التلاميذ العرب في البلاد، أبرزها اختيار المسار التعليمي أو المهني من أجل الانخراط في سوق العمل المحلي".
يتابع: "دخل مشروعنا عامه الثاني، وقريباً سنفتتح مواكبة فوج جديد من تلاميذ الصف العاشر كما فعلنا العام الماضي، بالإضافة إلى تلاميذ الصف الحادي عشر الذين رافقناهم قبل عام، آملين أن نوسّع هذه الدائرة ليستفيد أكبر عدد من تلاميذنا العرب الذين هم في حاجة ماسّة إلى هكذا مشاريع إيجابيّة، تعود بالنفع على المجتمع في نهاية المطاف. جميعنا نعلم الآفات التي يعاني منها هذا المجتمع وأهمها الجهل، والنسبة الكبيرة من العنف المنزلي والمجتمعي".
في السياق نفسه، زار مؤخّراً الأستاذان الجامعيان سليم تماري وريما حمامي من مواليد مدينة يافا المحاضران في جامعة بير زيت، مجموعة صفوف الحادي عشر من مشروع "يافا المستقبل" وذلك في المدرسة الشاملة في مدينة يافا، تحديداً في حيّ الجبليّة العريق. وبعد التعارف عبر المدير العام لحركة الشبيبة اليافيّة سامي أبو شحادة، تحدث الضيفان عن تجربتهما المهنيّة والتعليميّة وشرحا عن مجالهما، من أجل إعطاء صورة واضحة وشاملة عن المسار الأكاديمي الذي يعتبر عالماً غامضاً لتلاميذ الثانويّات. وأوضح الأستاذان للتلاميذ أنّ المجالات الدراسية متشعبة، مركزين على مجال العلوم الاجتماعيّة الذي يجهله معظم التلاميذ العرب في فلسطين، بسبب المهن المألوفة المنتشرة كالطبّ والمحاماة وعلم النفس.
كذلك، نظمت أمسية تبرعات للمشروع نفسه في الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حضرها كلّ تلاميذ المشروع وأهاليهم وعدد من رجال الأعمال اليافيين.
في أوضاع صعبة تعيشها مدينة يافا المحتلة منذ النكبة تُنار شعلة جديدة في عتمة الاحتلال والتجهيل ومحو الذاكرة الجماعية والخنق والتضييق، هي شعلة "حركة الشبيبة اليافية". شعلة تمثل سلاحاً للمواطنين العرب المظلومين في عالم يملأه الجهل والعنف والقتل والطائفيّة واللامبالاة، بالإضافة إلى كلّ التمييز تجاههم.