تزداد الأوضاع الإنسانية سوءا في مدن وبلدات محافظة درعا جنوب سورية، بسبب الهجمات العسكرية المتواصلة من قوات النظام المدعومة بالمليشيات والطيران الحربي الروسي، والأخير ينتهج سياسة الأرض المحروقة في استهدافه المنازلَ والمرافق المدنية والطبية.
وباتت مشافي درعا هدفا مباشرا للطائرات التي لا تفارق سماء ريفها، وعدد كبير من هذه المشافي حاليا خارج الخدمة بعد قصفها، مما يهدد حياة آلاف الجرحى والمرضى. وأكد مصدر طبي في ريف درعا الشرقي لـ"العربي الجديد"، خروج 5 مشافٍ عن الخدمة بالكامل، وتعطل العمل في تلك المشافي جراء الاستهداف المباشر لها من قبل الطيران الروسي.
وأضاف المصدر أن "مشافي بلدات الحراك والصورة والجيزة وصيدا وبصر الحرير، ومراكز الدفاع المدني في الحراك وبصر الحرير والصورة والمسيفرة أصبحت خارج الخدمة من جراء استهدافهم خلال الـ48 ساعة الماضية بغارات روسية تسببت باستشهاد اثنين من الطواقم الطبية".
وبيّن أن "عدد الإصابات بين المدنيين في الريف الشرقي لدرعا كبير، وأن توقف عمل نقاط الإسعاف والمشافي الميدانية يزيد من معاناة المصابين، ويزيد الضغط على باقي المشافي في المناطق التي تشهد تصعيدا عسكريا أقل".
وشرح المسعف خالد الحريري، من مشفى الحراك الميداني، لـ"العربي الجديد"، التدابير التي قاموا بها بعد استهداف المراكز الطبية في مدينتهم للتخفيف من معاناة الجرحى، وأوضح أن "المشافي والنقاط الطبية المعروفة في المدينة تم استهدافها، والمشفى الرئيسي تعطل جزء كبير منه، فاضطررنا إلى إقامة مراكز إسعاف سرية في أقبية بعض الأبنية".
وأضاف الحريري أن "الأقبية بعضها مكون من طابقين تحت الأرض، ورغم ذلك حاولنا تدعيمها ببعض التحصينات، فالقذائف التي تستهدفنا شديدة الانفجار وواسعة التأثير، ونحاول تفاديها ما أمكن".
ووصف أسامة الخطيب (60 سنة)، من مدينة الجيزة شرق درعا، لـ"العربي الجديد"، نجاته بأعجوبة من قصف المشفى الميداني الذي كان يتلقى فيه العلاج قبل يومين، من إصابة بشظية صاروخ طائرة روسية. "لا يوجد مكان آمن في درعا، الطائرات تستهدف كل شيء، حتى المشافي البسيطة التي تكاد لا تقدم سوى الإسعافات الأولية".
وأكمل الخطيب: "لم أشعر سوى بهزة أصابت المشفى، ثم سمعت صوت انفجار، فساعدني ابني الذي كان يرافقني على الخروج سريعا. حتى الآن، لا أعلم كيف بقينا على قيد الحياة. الظروف الطبية والإنسانية سيئة، والعالم الذي يدعي التحضر لا يتدخل لإنقاذ الناس التي تلقى حتفها".
وتعرّض المستشفى الذي يعمل به المسعف سامر أبو النور، في بلدة صيدا شرق درعا، لغارات يعتقد أنها روسية، وتوقف المشفى عن الخدمة مؤقتا، وشرح أبو النور لـ"العربي الجديد"، الظروف التي يمر بها المدنيون من جراء الاستهداف بشكل مباشر، ثم استكمال الجريمة بقصف أماكن علاجهم.
وقال: "هنا في درعا، الجريمة متعددة الطرف، فطائراتهم التي لم تعد تفارقنا لا تكتفي باستهداف بيوت المدنيين الآمنين وقتلهم، بل تلاحق من بقي منهم على قيد الحياة لتقتله في المشافي الميدانية. هذه المشافي أصلا غير مؤهلة بشكل مناسب لمعالجة الحالات التي تأتينا، ودورنا يكاد يتوقف على الإسعافات الأولية، ونعاني من نقص الدواء والمعدات والكادر المدرب، ورغم ذلك يستهدفوننا".
وفي بلدة ناحتة جنوب مدينة بصر الحرير، كان للمشفى الميداني الوحيد الذي يتوافد إليه السكان للعلاج نصيب من الغارات الجوية، مما أدى إلى توقفه عن العمل، وفق ناشطين من البلدة، التي نزح عدد كبير من سكانها من جراء المعارك الضارية.
أصيبت أم عبدالله (40 سنة) قبل أيام بشظية في ساقها، واضطر الطبيب إثرها إلى بتر جزء من الساق أسفل الركبة. وتقول لـ"العربي الجديد"، عن معاناتها وتأخر علاجها بسبب توقف المشافي عن العمل نتيجة تدميرها: "ربما كان بالإمكان إنقاذ ساقي لو أنني وصلت إلى المستشفى مبكرا، هكذا أخبرني الطبيب الذي لم أستطع الوصول إليه إلا بعد 4 ساعات من الإصابة".
وأكملت أم عبدالله: "مشفى بلدتنا الوحيد المقام في أحد الأقبية تعرض للقصف، ولم يعد يستقبل الجرحى أو المرضى، واضطررنا لأن نذهب إلى مدينة الحراك. عندما وصلت كان وضع إصابتي يحتم البتر بسبب تأخر وصولنا. حزينة على قدمي، ولكن قلبي ينفطر على الأطفال وكبار السن الذين يقف الأطباء عاجزين عن مساعدتهم أو التخفيف من آلامهم".
وتتعرض المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في ريف محافظة درعا، لهجمة عسكرية يشارك فيها فرق عسكرية من جيش النظام ومليشيات الدفاع الوطني ومليشيات طائفية، مما تسبب بوقوع عدد كبير من الإصابات والجرحى الذين لا يتلقون العلاج اللازم، ولا حتى الإسعافات الضرورية من جراء الاستهداف المتعمد والمستمر للمرافق الطبية.