لم تبرز مشاكل الحدود الأفغانية الباكستانية إلى العلن مؤخراً بسبب إجراءات مكافحة فيروس كورونا فحسب، بل أيضاً بسبب تغير مواقف بعض الساسة بشأن خط ديورند كحد فاصل بين الدولتين.
وأغلقت السلطات الباكستانية منفذ "طورخم" الحدودي بين باكستان وأفغانستان لمدة 15 يوماً، بعد إغلاقها منفذ "سبين بولدك" الواقع في جنوب أفغانستان، قبل أسبوعين، بهدف مكافحة انتشار فيروس كورونا.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إغلاق الحدود بين أفغانستان وباكستان، بل يتكرر الأمر بين الفينة والأخرى لأسباب سياسية أو أمنية، ليبقى سكان الطرفين، الذين تربطهم علاقات إجتماعية وأسرية وتجارية، ضحية إجراءات لم تكن موجودة قبل أعوام، حيث تعود سكان المناطق الحدودية على التنقل بين الدولتين لرعي الأغنام والدراسة والتجارة.
وتغيرت الأمور بعد أن فرضت السلطات الباكستانية إجراءات صارمة على الحدود، منذ إبريل/نيسان 2017، بحجة قطع الطريق على المسلحين، وأبرز تلك الإجراءات والأكثر جدلاً هو نصب الأسلاك الشائكة والسياج.
ولم تظهر مشاكل الحدود الأفغانية الباكستانية إلى العلن مؤخراً بسبب إجراءات مكافحة فيروس كورونا فحسب، بل أيضا بسبب ما أثير بشأنها سياسياً، وكان آخرها موقف أسفنديارولي خان، زعيم الحزب القومي الوطني، التنظيم الذي طالما يفتخر بأفغانيته والسعي من أجل الحصول على حقوق البشتون القاطنين على طرفي الحدود.
وقال ولي خان، في لقاء مع قناة محلية، إنه يقبل اعتبار خط ديورند حداً فاصلاً بين الدولتين بصفته واقعاً لا يمكن إنكاره. ولاقى تصريح ولي خان انتشاراً واسعاً في وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً مع تأكيده أنه ذهب إلى أفغانستان بجواز سفر، وهو ما يعني أنه يقبل ذلك الخط الفاصل بين الدولتين، وهو تغيير كبير في مواقفه المتعلقة بذلك الشأن.
وكان ولي خان نفسه قد أكد مراراً أن خط ديورند غير مقبول وأن قبائل البشتون ترفضه لأنه سعي لتمزيق أبناء القبيلة الواحدة.
على الضفة الأخرى، ذهب عضوان من برلمان باكستان، وهما من قيادات حركة حماية البشتون، علي وزير ومحسن داور، إلى كابول للمشاركة في مراسم أداء الرئيس الأفغاني أشرف غني اليمين الدستورية في الـ29 من شهر فبراير/شباط الماضي.
وأثارت زيارتهما لأفغانستان جدلاً كبيراً، إذ أنهما ممنوعان من السفر إلى الخارج، لكنهما حصلا على موافقة من رئيس الوزراء عمران خان، وذهبا عبر منفذ طورخم، واستقبلتهما مروحية خاصة للرئيس الأفغاني على الطرف الثاني كي يتم نقلهما إلى كابول.
ولوحظ مؤخراً تغيير كبير في مواقف السياسيين بشأن الخط الحدودي، على اعتبار أنه واقع لا يمكن إنكاره مهما تعالت الأصوات بشأنه، ولقد تغيرت آراء الكثير من القوميين الأفغان والباكستانيين بهذا الخصوص نظراَ للمعطيات الموجودة على الأرض، وأيضا لأن ما يريده الرافضون للخط مجرد أحلام لا يمكن تحققها في الوقت الراهن، حيث أن أفغانستان غارقة في مشاكلها، وإثارة القضية ستزيد الأمور سوءاً.
لكن القبول بواقع الحدود على المستوى السياسي، لم يقابله ذات الزخم على المستوى الشعبي في أفغانسان وباكستان، إذ تسببت الإجراءات الصارمة مؤخراً في مفاقمة مشاكل السكان، حيث يُنقل مئات المرضى من أفغانستان إلى باكستان بشكل يومي، والحصول على التأشيرة الباكستانية أمر صعب بالنسبة للأفغان.