ويقول وزير الصحة في الحكومة المؤقتة محمد فراس الجندي لـ "العربي الجديد"، إن "الوضع زاد سوءاً بسبب استهداف الطيران مشفى الرحمة بمدينة خان شيخون بعد المجزرة، الأمر الذي صعّب عملية الإسعاف أكثر على الفرق الطبية".
ويضيف الجندي أنه تزامناً مع استهداف مشفى الرحمة استهدفت الطائرات مشفى مدينة سلقين في ريف إدلب الشمالي، ما أسفر عن سقوط 30 ضحية أخرى.
وازدادت معاناة المدنيين مع هذه المجزرة والقصف الذي تبعها، وهرع الناس ليدفنوا موتاهم الذين كان بينهم أكثر من 30 طفلاً لا يعرفون ما هو الكيمياوي تحديداً، لكنهم قتلوا ظلماً.
وفي حصيلة أولية، يوضح الجندي أن عدد القتلى فاق الـ 75 وأكثر من 560 إصابة، جميعهم من المدنيين، ويقول إن الرقم مرشّح للارتفاع حتماً، فعائلة آل اليوسف على سبيل المثال، قُتل منها وحدها 30 مدنياً معظمهم من النساء والأطفال.
ويبرز الوزير أن النظام كان قد أخرج المشفى المركزي في مدينة معرّة النعمان عن الخدمة بشكلٍ كامل، بعد قصفه بالطائرات الحربية، لافتاً إلى أن هذا المشفى هو أكبر مشافي الشمال السوري، وأنه لم لو يُستهدف لكان ساعد كثيراً في استقبال أعداد كبيرة من المدنيين المصابين وسهّل العمل على الفرق الطبية.
وتشير مصادر طبية وفرق إسعاف في محافظة إدلب لـ"العربي الجديد"، إلى أن المجزرة والظروف الطبية التي أحاطت بها تشيران إلى أن النظام كان يخطط لاستهداف المنطقة بغازات سامة، وبالتزامن يمنع المدنيين قدر الإمكان من الحصول على الإسعافات والعناية الطبية ليسقط أكبر عدد ممكن من القتلى.
علاء القاسم، وهو أحد مدنيين خان شيخون الذين شهدوا ظروف المجزرة يقول لـ "العربي الجديد": إنه وجد أحد أصدقائه من المصابين مع زوجته"، ويضيف: "كنتُ متوجها لأحاول إسعافه ففوجئت بأنه فارق الحياة، فيما كانت زوجته تلفظ الزبد من فمها بعد الاستهداف.
ويُتابع علاء: "أعيش هنا في خان شيخون منذ اندلاع الثورة وعاصرت كل أحداث الشمال السوري، لكنني لم أر مثل هول مجزرة الكيمياوي هذه، لقد كان المدنيون يركضون بالجثث في شوارع المدينة في مشهد تجمّدتُ أمامه من دون أن أتمكّن من فعل شيء إلّا محاولة إسعاف من لم يتوفوا بعد.
في إحدى المغارات التي حوّلها النازحون إلى ما يُشبه المنزل، عثرت فرق الإنقاذ في الدفاع المدني على 4 جثث صباح أمس الأربعاء، بعد 24 ساعة من مجزرة الكيمياوي.
يقول وزير الصحة في الحكومة المؤقتة الذي كان حاضراً خلال العثور عليهم، إن المدنيين الأربعة كانوا نازحين من منطقة صوران في ريف حماة، واختبأوا داخل المغارة ظنّاً منهم أن القصف روتيني، لكن الغاز تسرّب إلى حجرتهم وأرداهم قتلى نتيجة الاختناق.
ويضيف: "كل المشافي العامة والخاصة وحتى الميدانية ونقاط الإسعاف والمستوصفات في عموم محافظة إدلب استقبلت مصابي المجزرة"، لافتاً إلى أن المصابين لم يقتصر إسعافهم في خان شيخون ومحيطها، وإنما تم نقلهم لمناطق أخرى في الشمال السوري".
وتوضح الناشطة الإعلامية ميرنا حسن لـ"العربي الجديد"، أن مشافي مدينة إدلب وتلمنس ومعرة النعمان ومناطق أخرى في ريف المحافظة، وصل إليها عشرات المصابين الذين لم يحالفهم الحظ بالحصول على العلاج في خان شيخون، بينما نُقلت 50 حالة إلى الجانب الطبي، توفي بعضهم في حين يعيش بعضهم حالياً في العناية المركّزة بالمشافي التركية.
وزير الصحة محمد فراس الجندي، لم يفارق المنطقة منذ اندلاع المجزرة، يتحدث عن مشاهداته لـ "العربي الجديد" قائلاً: "دخلنا إلى أحد المشافي وشاركنا في إسعاف المصابين، لقد كانت حالات الاختناق تتكدّس في ممرّات المستشفى وعلى الأدراج وفي مداخل المشفى وطاولاته".
ويضيف: "حيثما التفت كنت أجد أشخاصاً يحتاجون إلى إسعاف، بعضهم كان قد فقد الوعي وآخرون كانوا بوعيهم"، موضحاً أن المشهد داخل المشفى كان يعبّر عن أقسى المجازر التي شهدتها البلاد.
ويبيّن أنه زار مكان سقوط الصاروخ الذي يحمل الأسلحة الكيمياوية، واطلع على الحفرة التي أحدثها وأخذ عينة من التراب والحشائش من محيط المكان، موضحاً أن رائحة الغازات لا تزال منبعثة من مكان سقوط الصاروخ حتى الآن، فيما هناك العديد من الحيوانات كالقطط والعصافير كانت قد لفظت أنفاسها نتيجة استنشاقها الغازات السامة ذاتها.
ومن خلال تشخيص الجندي الأولي فإن المظاهر التي كانت واضحة على المرضى، شملت "حالات اختناق وغياباً للوعي وتهيّجاً عصبياً واختلاجاً وخروج الزبد من الفم وتضيّقاً في حدقات العين أو هبوطاً في الضغط" مؤكّداً أن جميع هذه الحالات تدل حتماً على استهداف المنطقة بغاز السارين.
وعن طرق العلاج التي تم استخدامها، أشار إلى أن الفرق الطبية وعناصر الدفاع المدني، يقومون بسكب كميات كبيرة من المياه فوق الشخص المصاب لتخفيف حدة الإصابة، ثم يتم إدخاله إلى المشفى ومنحه الأوكسجين ليتم البدء بمنحه العلاجات المطلوبة، وذلك وفقاً لدرجة إصابته وحدّتها، إذ يتم إعطاؤه أدوية وحقناً طبية من نوع توربين وكورتيزون، وعلاجات أخرى حسب حالته.
وحتى اللحظة لم تذهب آثار هذه المجزرة، حيث يبيّن نشطاء المدينة لـ"العربي الجديد" أن حالة نزوح واسعة شهدتها مدينة خان شيخون صباح اليوم لمن نجوا من الهجوم الكيمياوي، مؤكّدين في مقابلات فردية مع "العربي الجديد" أن معالم المدينة توضّح أن الموت يسكن داخلها.