لمْ يتجاوز عمرها السنوات الخمس. تُمسك بيد والدتها التي كانت ترتعش أيضاً من شدة البرد. ترتدي فستاناً قصيراً لا يغطي ساقيها. كلّما هبّت نسمات باردة، تقترب من والدتها أكثر، فتسارع الأخيرة إلى احتضانها علّها تقيها الصقيع. هذا كل ما تملكه، بعدما أجبرتها ظروف الحياة على أن تهيم وصغيرتها في العراء، بحثاً عن لقمة العيش. هذه الطفلة ليست الوحيدة التي تعاني من البرد، علماً بأن موجة الصقيع التي تضرب السودان هذه الفترة تكاد تكون الأقوى بالمقارنة مع السنوات الماضية. في شوارع الخرطوم، يمكن أن تلاحظ كثيرين أجبروا على النوم على الأرصفة، لأنه ليس لديهم مأوى. يفتقر هؤلاء لوسائل التدفئة. يلتصق بعضهم بالجدران علّها تخفف من شعورهم بالبرد. تقدر أعدادهم بحسب الإحصائيات الرسمية، بنحو 2500 مشرد في العاصمة وحدها.
معتقل
يكون شتاء السودان دافئاً عادة، باستثناء بعض المناطق الشمالية. ولأن هذا الفصل شبه غائب في البلاد، لا يكترث المواطنون للاستعداد له. يكتفون بملابسهم الشتوية القديمة إذ عادة لا تبيع المحال إلا ملابس شتوية للأطفال. حتى أن معظم محال الأدوات الكهربائية لا تبيع وسائل التدفئة.
كان هذا العام مختلفاً. فضّل كثيرون التزام بيوتهم لاتقاء برد لم يألفوه. المطاعم والأسواق التجارية شبه فارغة. كذلك، اشتكت سيدات الشاي (يعملن على بيع الشاي والقهوة بشكل تقليدي في الطرقات وخصوصاً في شارع النيل) من قلة الزبائن. حتى حركة السير خفت بشكل لافت. كأن السودانيين زجوا أنفسهم في معتقل إجباري.
تقطن الطالبة، إيمان نور، في الولاية الشمالية "دنقلا"، التي يعاني سكانها بسبب البرد القارس. تقول لـ "العربي الجديد": "كثيرون في هذه المنطقة عاجزون عن شراء المستلزمات الأساسية للوقاية من البرد. عادة يلجؤون للوسائل التقليدية كالحطب، يشعلونه وتجتمع العائلات حول النار". تلفت إلى أنه "حين يشتد البرد، يتوقف معظم الناس عن الذهاب إلى العمل، وخصوصاً أن غالبية هؤلاء يعملون في الزراعة". تضيف: "تحرص الأسر على عدم السماح للأطفال باللعب خارجاً، حتى لا يصابوا بالأمراض".
"صرير الصي"
في هذا الإطار، انطلقت مبادرات شبابية عدة حملت تسميات كثيرة منها "صرير الصي" و"حضن دافئ" و"ستر ودفء" و"مراسلون من أجل الضعفاء"، بهدف جمع مساعدات من المقتدرين، كملابس شتوية قديمة أو مبالغ مالية لشراء البطانيات وتوزيعها على المشردين في الشوارع والنازحين في المخيمات، بالإضافة إلى الفقراء في المناطق النائية. وجدت المبادرات تجاوباً من الشارع السوداني وخصوصاً أن البلاد تشهد انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة.
تقول صاحبة مبادرة "صرير الصي" سلافة سعد لـ "العربي الجديد" إنها أطلقت المبادرة العام الماضي "بعدما لاحظت وجود الكثير من المشردين في شوارع الخرطوم، اضطروا إلى النوم في العراء، وتغطية أجسادهم بالصحف وأكياس النايلون، علّها تقيهم صقيع البرد، بينهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم العشرة".
تشرح: "في البداية، عملت على الترويج للمبادرة عبر صفحتي على فيسبوك، ونجحت بمساعدة آخرين في جمع 3375 بطانية، تم توزيعها على هؤلاء المشردين، بالإضافة إلى عدد من الفقراء". تلفت إلى أن المبادرة وجدت تجاوباً أكبر هذا العام، مع اشتداد حدة البرد. وتوضح: "نجحنا خلال أقل من شهر في جمع 3500 بطانية من المواطنين الذين قدموا المساعدات مباشرة، أو أرسلوا بطاقة شحن هاتف نقال ليتم بيعه والاستفادة من المبلغ لشراء مستلزمات الشتاء". تتابع سعد: "عادة نوزع المساعدات على المشردين والنازحين في معسكرات العاصمة ليلاً"، لافتة إلى أن "هناك معسكرين. يحتوي أحدهما على أكثر من 500 بيت صغير، بدائية بمعظمها لا تقي القاطنين فيها البرد. وأدى إحراق أحدهما إلى تشرد العائلات التي كانت تقيم فيه. فعمدنا إلى توزيع البطانيات على الأسر".
لم تقتصر المبادرات على العاصمة. فقد أطلقت مجموعة من مراسلي الصحف المحلية في ولاية شمال درافور، التي تشهد نزاعاً مسلحاً منذ أكثر من أحد عشر عاماً، مبادرة لجمع احتياجات الشتاء للمحتاجين، أطلقوا عليها اسم "مراسلون من أجل الضعفاء". يقول صاحبها، مالك ذهب، لـ "العربي الجديد" إنه "في البداية، أطلق مراسلو الصحف المحلية والوكالات المبادرة، لتنضم إلينا في وقت لاحق فئات أخرى ومنظمات المجتمع المدني لإغاثة المحتاجين، بخاصة أن الأوضاع في المعسكرات مأساوية. مع اشتداد البرد، تفتقر الأسر هناك لوسائل التدفئة، علماً بأن المنازل مشيدة بوسائل بدائية، لا تقي ساكنيها موجات الصقيع".
في السياق نفسه ، يقول رئيس شورى القبائل العربية في شمال دارفور، إبراهيم عبدالله، لـ "العربي الجديد": "يعاني النازحون في معسكرات دارفور أوضاعاً صعبة. فالمباني مشيدة بالطين، والبرد القارس ينهش أجساد الأطفال والنساء وكبار السن". يضيف: "بسبب عدم توفر الملابس الشتوية والبطانيات، وخصوصاً أن المنظمات العاملة هناك لا تقوم بتوزيعها بالشكل المطلوب، يلجأ هؤلاء إلى إشعال النار".
تجدر الإشارة إلى أن تقارير صحافية نقلت عن مسؤول الشؤون الإنسانية في معسكر شنقل طوباي للنازحين في ولاية شمال دارفور، محمد أحمد عبد الرحمن، وفاة عشرة نازحين بسبب البرد، غالبيتهم من الأطفال، خلال محاولتهم تأمين خيم. ومع اشتداد موجات البرد، علقت الولاية الشمالية الدراسة في جميع المدراس لتجنب خروج الأطفال في البرد. وفي الخرطوم، أخر المسؤولون التربويون بدء الصفوف الدراسية إلى الساعة التاسعة صباحاً بدلاً من الثامنة، مع إيقاف جميع النشاطات المعتادة، منها طابور الصباح. والتزمت غالبية الأسر المنازل، مما أثر سلباً على حركة البيع والشراء، التي شهدت ركوداً نسبياً.
في السياق نفسه، يقول محمد، وهو سائق سيارة أجرة، لـ "العربي الجديد" إن "موسم الشتاء هذا العام أثر سلباً على دخلنا. الناس لا تغادر منازلها إلا للضرورة"، مضيفاً "أجوب الطرقات لساعات بحثاً عن راكب من دون فائدة".
معتقل
يكون شتاء السودان دافئاً عادة، باستثناء بعض المناطق الشمالية. ولأن هذا الفصل شبه غائب في البلاد، لا يكترث المواطنون للاستعداد له. يكتفون بملابسهم الشتوية القديمة إذ عادة لا تبيع المحال إلا ملابس شتوية للأطفال. حتى أن معظم محال الأدوات الكهربائية لا تبيع وسائل التدفئة.
كان هذا العام مختلفاً. فضّل كثيرون التزام بيوتهم لاتقاء برد لم يألفوه. المطاعم والأسواق التجارية شبه فارغة. كذلك، اشتكت سيدات الشاي (يعملن على بيع الشاي والقهوة بشكل تقليدي في الطرقات وخصوصاً في شارع النيل) من قلة الزبائن. حتى حركة السير خفت بشكل لافت. كأن السودانيين زجوا أنفسهم في معتقل إجباري.
تقطن الطالبة، إيمان نور، في الولاية الشمالية "دنقلا"، التي يعاني سكانها بسبب البرد القارس. تقول لـ "العربي الجديد": "كثيرون في هذه المنطقة عاجزون عن شراء المستلزمات الأساسية للوقاية من البرد. عادة يلجؤون للوسائل التقليدية كالحطب، يشعلونه وتجتمع العائلات حول النار". تلفت إلى أنه "حين يشتد البرد، يتوقف معظم الناس عن الذهاب إلى العمل، وخصوصاً أن غالبية هؤلاء يعملون في الزراعة". تضيف: "تحرص الأسر على عدم السماح للأطفال باللعب خارجاً، حتى لا يصابوا بالأمراض".
"صرير الصي"
في هذا الإطار، انطلقت مبادرات شبابية عدة حملت تسميات كثيرة منها "صرير الصي" و"حضن دافئ" و"ستر ودفء" و"مراسلون من أجل الضعفاء"، بهدف جمع مساعدات من المقتدرين، كملابس شتوية قديمة أو مبالغ مالية لشراء البطانيات وتوزيعها على المشردين في الشوارع والنازحين في المخيمات، بالإضافة إلى الفقراء في المناطق النائية. وجدت المبادرات تجاوباً من الشارع السوداني وخصوصاً أن البلاد تشهد انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة.
تقول صاحبة مبادرة "صرير الصي" سلافة سعد لـ "العربي الجديد" إنها أطلقت المبادرة العام الماضي "بعدما لاحظت وجود الكثير من المشردين في شوارع الخرطوم، اضطروا إلى النوم في العراء، وتغطية أجسادهم بالصحف وأكياس النايلون، علّها تقيهم صقيع البرد، بينهم أطفال لا تتجاوز أعمارهم العشرة".
تشرح: "في البداية، عملت على الترويج للمبادرة عبر صفحتي على فيسبوك، ونجحت بمساعدة آخرين في جمع 3375 بطانية، تم توزيعها على هؤلاء المشردين، بالإضافة إلى عدد من الفقراء". تلفت إلى أن المبادرة وجدت تجاوباً أكبر هذا العام، مع اشتداد حدة البرد. وتوضح: "نجحنا خلال أقل من شهر في جمع 3500 بطانية من المواطنين الذين قدموا المساعدات مباشرة، أو أرسلوا بطاقة شحن هاتف نقال ليتم بيعه والاستفادة من المبلغ لشراء مستلزمات الشتاء". تتابع سعد: "عادة نوزع المساعدات على المشردين والنازحين في معسكرات العاصمة ليلاً"، لافتة إلى أن "هناك معسكرين. يحتوي أحدهما على أكثر من 500 بيت صغير، بدائية بمعظمها لا تقي القاطنين فيها البرد. وأدى إحراق أحدهما إلى تشرد العائلات التي كانت تقيم فيه. فعمدنا إلى توزيع البطانيات على الأسر".
لم تقتصر المبادرات على العاصمة. فقد أطلقت مجموعة من مراسلي الصحف المحلية في ولاية شمال درافور، التي تشهد نزاعاً مسلحاً منذ أكثر من أحد عشر عاماً، مبادرة لجمع احتياجات الشتاء للمحتاجين، أطلقوا عليها اسم "مراسلون من أجل الضعفاء". يقول صاحبها، مالك ذهب، لـ "العربي الجديد" إنه "في البداية، أطلق مراسلو الصحف المحلية والوكالات المبادرة، لتنضم إلينا في وقت لاحق فئات أخرى ومنظمات المجتمع المدني لإغاثة المحتاجين، بخاصة أن الأوضاع في المعسكرات مأساوية. مع اشتداد البرد، تفتقر الأسر هناك لوسائل التدفئة، علماً بأن المنازل مشيدة بوسائل بدائية، لا تقي ساكنيها موجات الصقيع".
في السياق نفسه ، يقول رئيس شورى القبائل العربية في شمال دارفور، إبراهيم عبدالله، لـ "العربي الجديد": "يعاني النازحون في معسكرات دارفور أوضاعاً صعبة. فالمباني مشيدة بالطين، والبرد القارس ينهش أجساد الأطفال والنساء وكبار السن". يضيف: "بسبب عدم توفر الملابس الشتوية والبطانيات، وخصوصاً أن المنظمات العاملة هناك لا تقوم بتوزيعها بالشكل المطلوب، يلجأ هؤلاء إلى إشعال النار".
تجدر الإشارة إلى أن تقارير صحافية نقلت عن مسؤول الشؤون الإنسانية في معسكر شنقل طوباي للنازحين في ولاية شمال دارفور، محمد أحمد عبد الرحمن، وفاة عشرة نازحين بسبب البرد، غالبيتهم من الأطفال، خلال محاولتهم تأمين خيم. ومع اشتداد موجات البرد، علقت الولاية الشمالية الدراسة في جميع المدراس لتجنب خروج الأطفال في البرد. وفي الخرطوم، أخر المسؤولون التربويون بدء الصفوف الدراسية إلى الساعة التاسعة صباحاً بدلاً من الثامنة، مع إيقاف جميع النشاطات المعتادة، منها طابور الصباح. والتزمت غالبية الأسر المنازل، مما أثر سلباً على حركة البيع والشراء، التي شهدت ركوداً نسبياً.
في السياق نفسه، يقول محمد، وهو سائق سيارة أجرة، لـ "العربي الجديد" إن "موسم الشتاء هذا العام أثر سلباً على دخلنا. الناس لا تغادر منازلها إلا للضرورة"، مضيفاً "أجوب الطرقات لساعات بحثاً عن راكب من دون فائدة".