طغى السجال السياسي والإعلامي في مصر، اليوم الأحد، إثر مقتل 8 شرطيين في اعتداء مسلح عليهم، بمنطقة حلوان، جنوب القاهرة، ما بين متهم للداخلية بالتقصير، والإشارة لاتهام بعض عناصرها بتسريب خط سير الدورية، وبين متهم للجماعات المسلحة، التي أعلن بعضها مسؤوليته عن الحادث، وما بين متخوف من تحميل المسؤولية عن الجريمة للمعارضة السياسية لمزيد من خلط الأوراق الأمنية والسياسية.
وعلى الطرف الآخر، وقفت الأذرع الأمنية والإعلامية تصبّ الزيت على النار، باتهام كل من يعارض نظام السيسي بالمسؤولية عن الحادثة، مستبقة التصريحات والتقارير الأمنية، التي أعلنت أن عمليات المطاردة للعناصر المنفذة مستمرة منذ الصباح.
متهمو الداخلية بوجود وشايات من داخل الأجهزة الأمنية استرجعوا عددا من التصريحات الأمنية الأخيرة بتورط نحو 27 قيادة أمنية بمحافظة القليوبية في العمل مع عصابة أطلق عليها "الدكش" الإجرامية، فقد أفادت تحقيقات الأجهزة المعنية بوزارة الداخلية والنيابة إلى تورط 27 ضابط شرطة، بينهم قيادات برتبة لواء، في التواصل مع العصابات الخطرة في مثلث المخدرات بالقليوبية، ومنها عصابة "الدكش وكوريا" لإمداد هذه العصابات، المتورطة في قتل أفراد وضباط الشرطة في الخانكة، ومقتل رئيس مباحث شبرا، بمعلومات سرية ومواعيد تحركات القوات لمداهمة أوكارها.
ونقلت صحيفة "الوطن"، المقربة من النظام الحاكم، أن دائرة الاشتباه اتسعت لتشمل ضباطًا وقيادات أمنية سابقة بالقليوبية، أرشد عنها زعيم العصابة، محمد حافظ، في تحقيقات النيابة، وذكر أنهم كانوا يتلقون رواتب شهرية من العصابة نظير إمدادهم بالمعلومات.
ولعل ما يعزز تلك الفرضية في حادثة حلوان أن الضحايا، معاون المباحث والأمناء، كانوا يرتدون ملابس مدنية و"الميكروباص" الذي كانوا يستقلونه لا دلالة عليه أنه يتبع الشرطة؛ الأمر الذي يوحي بأن هناك معلومات لدى المهاجمين عن خط سير القوة الأمنية، إما من داخل القسم نفسه، أو تم رصدهم منذ فترة وتحديد مساراتهم.
وارتباطا بالهجوم، أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية"، في بيان نُشر على الإنترنت، مسؤوليته عن الهجوم، الذي أسفر عن مقتل 8 من رجال الشرطة المصرية. كما أعلنت صفحة مجهولة على الإنترنت أسمت نفسها "المقاومة الشعبية" مسؤوليتها عن الحادث، مدعية أن "الهجوم كان ثأرًا للشهداء الذين سقطوا خلال الحملة الدموية ضد الإخوان المسلمين في 2013".
الصحافيون متهمون!
وكانت أبرز الإشارات غير المنطقية التي لا يمكن تفسيرها إلا بـ"الاصطياد في الماء العكر"، أو "تصفية الحسابات السياسية"، ما ذكره عضو مجلس النواب، مصطفى بكري، والذي تحدث عن "خيطا رفيع يربط بين الحادث الإرهابي في حلوان، وأزمة نقابة الصحافيين، وشعار الداخليه بلطجية"، مشيرا إلى أن "الجماعة الصحافية مطالبة بأن تنفض الغبار من جسدها، وتُسقط المجلس الحالي الذي سبب لها أبلغ الضرر".
وأضاف بكري- في تغريدة له على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"- أن نقيب الصحفيين أصدر بيانا، بمشاركة خالد البلشي وخالد داود وجميلة إسماعيل وآخرين، يوم فاتح مايو/ أيار، يعلن فيه عن تضامنه مع عمرو بدر والسقا، ويحذر من القبض عليهما، موضحا أن شهادة حارسي مبنى النقابة، التي كذبا فيها رواية النقابة، "هي أبلغ رد على مجلس النقابة وأكاذيبه".
ومن جانبه توقع الإعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية، عمرو أديب، مساء أمس السبت، "حدوث مصيبة أو عمل إرهابي للتغطية على أزمة الصحافيين"، وذلك قبل حادث حلوان بساعات.
وأضاف أديب، خلال تقديمه برنامج "القاهرة اليوم"، المذاع على فضائية "اليوم"، مساء السبت: "أي أزمة في مصر تاخد 3 أيام وتهدى ولو شديدة، أو تاخد أسبوع، وخدوها مني ومش.. هعمل زي ميدو وأحلق شعري لأني معنديش حاجة، بس هتحصل مصيبة في مصر قريب إيه هي بس معرفش، بس مصر ولادة في المصايب".
بينما ألمح الإعلامي وائل الأبراشي، في تصريح غريب، إلى "تورط" الرئيس محمد مرسي في حادث حلوان، متسائلا: "هل العملية مرتبطة بالحكم الذي حصل عليه الرئيس محمد مرسي؟"، مضيفًا: "الكاميرا الخاصة بنا التقطت له لقطة يشير فيها بعدة إشارات، ولا نعرف ما إذا كانت تعبّر عن حالة نفسية وعصبية أم لا؟ فالرجل فقد كل شيء هو وجماعته، انهزموا شعبيًا وسياسيًا، ويحاكمون قضائيًا الآن"، حسب زعمه.
وذكر الأبراشي: "البعض يتعامل مع هذه الإشارات باعتبارها علامة لتنفيذ عملية إرهابية، وفي كل الأحوال فإن تزامُن العملية الإرهابية مع نفس يوم الحكم على (مرسي) ليس صدفة"، بحسب زعمه.
هل تدفع المعارضة الثمن؟
إلى ذلك، يربط القيادي بحزب "الحرية والعدالة"، أحمد رامي، بين حادثة حلوان وتعاون عدد من ضباط الداخلية مع عصابة القليوبية الإجرامية، ما أدى لموت زملائهم على يد عصابة "الدكش" في القليوبية، وكذا إرسال الداخلية خطة مواجهة تحركات نقابة الصحافيين عن طريق الخطأ للصحافيين، مستدلا بأنه في حادثة حلوان كان أفراد الشرطة في سيارة ميكروباص لا تتبع الشرطة، وكانوا بزي مدني، "مما لا يلفت الانتباه لهم، إلا أنه تم التعرف على خط سيرهم وتوقيت وجودهم في المكان الذي مكّن من استهدافهم".
وتساءل رامي عن كيفية تعرف المسلحين على أن هذه السيارة المدنية خاصة بالشرطة، ومن أخبرهم عن خط سيرها في ظل الأحداث السابقة، "وهو ما يمكن أن يندرج في إطار صراعات الأجنحة الأمنية، في ظل المطالب المتصاعدة بإقالة زير الداخلية، وهو ما يمكن أن يكون دافعا لاتخاذ السيسي قرار الإقالة، في حال رغبة الأجهزة السيادية بالتضحية بالوزير، لدعم نظام السيسي الذي يواجَه مجتمعيا بغضب شعبي واستياء سياسي".
ويخشى سياسيون أن تدفع المعارضة السياسية ثمنا باهظا من التضييق والقمع ردا على حادث حلوان. وفي هذا الإطار، يقول المستشار السياسي لحزب "البناء والتنمية"، أسامة رشدي، إن حادث استهداف عدد من أفراد الشرطة في حلوان أمر مؤسف، "فالنظام يدفع الوضع الأمني في مصر إلى الانهيار الكامل، ويضيف حلقة من حلقات الفشل الأمني والسياسي"، مضيفًا: "إننا نتمنى أن لا يكون لهذه العملية أثر على الحراك الثوري السلمي، فاستغلال هذا الحادث، كما هو متوقع من النظام، بمزيد من القمع ومزيد من التصفية الجسدية، لن يفيد، وينبغي أن يفهم النظام أن القمع لا يولد إلا العنف"، داعيا إلى إطلاق عملية سياسية، "فالوضع أصبح خطيرًا، وبعد ثورة يناير شهدت مصر فترة انسحبت فيها الشرطة، ولكن لم يكن هناك أعمال إرهابية".
أما الباحث المتخصص في الشأن القومي العربي، محمد عصمت سيف الدولة، فأشار إلى أن الحادث يضر الثورة الشعبية الحالية ضد النظام الحالي، وقضية تيران وصنافير، موضحا، في تصريحات صحافية: "حادثة حلوان لم تغتل فقط عناصر الشرطة، وإنما استهدفت أيضًا اغتيال وإجهاض حركة النضال الوطني دفاعًا عن تيران وصنافير، وعن المعتقلين وعن نقابة الصحفيين وعن حرية وكرامة كل المصريين".
وأكد سيف الدولة أن "السلطة دائمًا ما تتذرّع بأي عملية إرهابية لتشديد قبضتها البوليسية وزيادة إجراءتها الاستثنائية وتمرير الانتهاكات والتجاوزات الأمنية، ومصادرة ما تبقّى من حريات، وتكميم المزيد من الأفواه، وإلصاق التهم بالأبرياء، ومعاقبة المعارضة السلمية بجريرة الإرهابيين، وتأليب الرأي العام على الجميع".
وتابع: "سيتم استخدام هذه العملية للدفاع عن الداخلية في مواجهة نقابة الصحافيين، وللدفاع عن الدولة في مواجهة المعارضة الوطنية حول التفريط في تيران وصنافير، كما سيتم دفن ملف اعتداءات أمناء وضباط الشرطة على المواطنين، وربما لتبرير وتمرير وتنفيذ الأحكام بالإعدام".