تأخرت موجات الهجرة المصرية الكبيرة إلى الولايات المتحدة عن نظيراتها العربية المشرقية، وخاصة تلك القادمة من بلاد الشام مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، لتبدأ في الثلث الأخير من القرن العشرين وتحديدا في سنوات السبعينيات والثمانينيات.
وآخر موجات الهجرة الكبرى كانت بين الأعوام 2010-2012، حيث يقدر عدد المصرين الذين هاجروا إلى أميركا في تلك السنوات بـ 35 ألف مصري، بحسب دراسة صادرة عام 2015 عن "معهد سياسات الهجرة" الأميركي في واشنطن. وأجريت لحساب مركز روكفلر وحملت عنوان "الدياسبورا المصرية في الولايات المتحدة".
تأخر موجات الهجرة المصرية، مقارنة ببلاد الشام، لم يمنع أن تكون للجالية المصرية في الولايات المتحدة بصماتها الخاصة. كما برز عدد كبير من بناتها وأبنائها، أو أطفالهم، في مجالات عديدة من بينها الأكاديمي والاقتصادي والثقافي. ويتوزع المصريون على جميع أنحاء الولايات المتحدة لكنهم موجودون بأعداد كبيرة في ولايات كاليفورنيا ونيويورك ونيوجيرسي وفي مدن كنيويورك ولوس أنجليس.
تشابه واختلاف
وتتشابه أوضاع المصريين الذين يعيشون في الولايات المتحدة بأقرانهمالعرب، بحسب المؤسسة العربية الأميركية في واشنطن، من حيث التعليم والأوضاع الاقتصادية. فبينهم نسبة عالية من حملة الشهادات العليا، ومعدلات مداخيلهم أعلى من المعدل القومي الأميركي. وعلى الرغم من ذلك فإنه في التفاصيل، بحسب الدراسة آنفة الذكر، تظهر فجوة واسعة داخل الجالية المصرية بين ذوي الدخل المرتفع والمحدود.
أسس بنات وأبناء الجالية المصرية في الولايات المتحدة عشرات المنظمات المعنية بشؤونهم وفي مجالات أخرى كالخدمات الصحية، والثقافة ومنظمات سياسية، وخاصة في مجال حقوق الإنسان. وتلك الجمعيات تفتح أبوابها أيضا للعرب والأميركيين.
ليست الوجهة الأولى
ليست الولايات المتحدة وجهة المصريين الأولى للهجرة، ولأسباب عديدة، من بينها قوانين الهجرة الأميركية وتأشيرات الدخول للمصريين، والتي تغيرت عبر السنوات. بعض تلك القوانين شجع زيادة تلك الهجرة، وبعضها الآخر، بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001، أدى إلى انخفاضها، لتعود السلطات الأميركية وتسهل الإجراءات مجددا خلال الأعوام الأخيرة.
و بالرغم من أن أعداد الجاليات المصرية صغيرة نسبيا، إلا أنهم يحولون مئات الملايين من الدولارات سنويا لبلدهم الأم، ويحتلون المرتبة السادسة من حيث نسبة الأموال التي يتم تحويلها لمصر من قبل الجاليات المصرية في الخارج. وعلى سبيل المثال، وبحسب معهد سياسات الهجرة، فإن المصريين الذين يعيشون في الولايات المتحدة قاموا بتحويل حوالي 880 مليون دولار لمصر عام 2012 وحده.
مصر الصغيرة
في العديد من المدن الأميركية هناك أحياء عربية ومناطق عربية يأتي سكانها من كل أقطار العالم العربي، ولكن بعضها يطغى عليها طابع هذا البلد أو ذاك، كما هو الحال في الحي النيويوركي الصغير والمعروف بـ "ليتيل إيجيبت"، والواقع في شارع أستوريا بمنطقة كوينز.
يكتظ الشارع بالمارة من خلفيات كثيرة. إضافة إلى محلات البقالة والحلويات والملابس والمطاعم الصغيرة ومحلات الشيشة والصيدليات ومكاتب المحاماة والمحاسبة والجامع، والتي زُيّنت أغلبها بيافطات كتب عليها بالعربية والإنكليزية.
وعدد لا بأس به من أصحاب تلك المحلات ورواده من المصريين والجاليات العربية الأخرى، ناهيك عن الأميركيين والأجانب الذين يأتون للتسوق أو الأكل وتدخين الشيشة. ولا بد عند المرور في الحي من سماع لهجات عربية عديدة ومن بينها المصرية كذلك. عرف المكان موجات عديدة من الهجرة بعد استعمار البلاد من قبل الأوروبيين البيض وقتل وتهجير السكان الأصليين. قطع هذا الحي، الذي أسس في القرن السابع عشر، مهاجرون ألمان وهولنديون وإيرلنديون وطليان ويونان قبارصة.
وفي العقود الأخيرة استقرت أعداد كبيرة من المهاجرين العرب فيه، ومن بينها أعداد كبيرة من المصريين في نيويورك والذين تفوق أعدادهم العشرين ألفاً.
كندا: تجمع واهتمامات
وفي كندا تبرز الجالية المصرية بين العرب تميزا وتأثيرا في مجتمعها. ويرد الباحثون في هذا المجال هذا التميز إلى الاهتمام بالتأهيل العلمي.
وفقا للبروفيسور في جامعة جورج براون وجامعة دانييل كولج، شريف السبعاوي، فإن اختيار أغلبية المصريين لمقاطعة أونتاريو "يعود إلى اللغة الإنكليزية التي تعتبر الثانية بالنسبة للمصريين. والاختيار الثاني هو مقاطعة كيبك". ويضيف بأن "المصريين في كندا من كل المحافظات المصرية، لكن غالبيتهم من القاهرة والإسكندرية".
وفي ما يتعلق بأنشطة الجالية المصرية في كندا، يقول مدير "نادي النيل الاجتماعي"، الباحث في التخصص الزراعي بشركة باينير، الدكتور محمد الحلوجي: "بادرنا كأسر مصرية في نهاية السبعينيات في تورنتو لتأسيس ناد يهتم بالنواحي الاجتماعية والتعليمية والثقافية. وأسسنا في عام 1978 " نادي النيل" من 12 أسرة مصرية، واليوم يبلغ عدد العائلات المسجلة في النادي 1600 عائلة تقريبا".
اهتمام بالتعليم
ويبدو أن الجالية المصرية في مجتمع كندي يهتم كثيرا بالتعليم أدركت تلك الأهمية، فاهتم النادي الذي أسسوه بتوفير المنح الجامعية لأبناء الكنديين المصريين "وهذا الأمر انعكس على واقع المصريين الكنديين، حيث إن أغلب المصريين الكنديين هم من المتعلمين والحاصلين على شهادات في مجالات مختلفة من الطب والهندسة والمحاماة والصيدلة ونحرص على جمع التبرعات لأجل هذه المنح الدراسية من أعضاء النادي ورجال الأعمال والأكاديميين".
كما يضيف الدكتور الحلوجي بأن "أعضاء كثيرين في النادي لديهم بصمة في المجتمع الكندي، فمنهم الدكتور ممدوح شكري، رئيس جامعة يورك في تورنتو، وعميدة كلية الهندسة في جامعة ويندسور هدى المراغي وزوجها في الجامعة نفسها، ورجل الأعمال الدكتور مدحت كريمة ومختص في صناعة قطع غيار السيارات، والدكتور فريد متولي مختص في علوم الكومبيوتر، ودكتور عصمت دسوقي، أستاذ وجراح في جامعة تورنتو، والكثير من الشخصيات المصرية الكندية التي لا يمكن حصرها".
ويؤكد السبعاوي، وهو مرشح حزب المحافظين في مدينة مسساغا، بأن "نسبة الصيادلة المصريين في أونتاريو هي 42% هم من الجالية و37% على مستوى كندا. والأطباء المصريون يشكلون نسبة 17% في أونتاريو".
ويضيف السبعاوي بأنه "لو قسنا النسبة إلى عدد 400 ألف من عدد سكان كندا البالغ 35 مليوناً، فسيتأكد مستوى التعليم العالي، والوظائف المهمة التي يحتلها المصريون في كندا، ولا تكاد تخلو جامعة في كندا من الأساتذة المصريين، إضافة إلى أن الشركات تضم الكثير من المهندسين المصريين العاملين في مجالات مختلفة".
مصاعب... وقواسم مشتركة
يرى مصريو كندا أن اختلاف الآراء والتوجهات السياسية والدينية، يبرز أحيانا كمشكلة "نحرص دائما على التركيز على الصيغ الثقافية والاجتماعية لتجنبها ولتبقى نقاط قوة تجمعنا ولا تفرقنا"، بحسب ما يذهب إليه دكتور محمد الحلوجي.
ويقول مصريون في كندا إن "المصاعب التي تواجهنا في كندا هي نفس المصاعب التي تواجه أي قادم أو مهاجر جديد، منها التأقلم مع الحياة والتعرف على سوق العمل و معادلة الشهادة والحصول على فرصة عمل مناسبة واكتساب الخبرات الكندية والتغلب على عوائق اللغة".
قدرت أعداد المصريين في أميركا بأكثر من 248 ألف شخص في عام 2013. وتشمل تلك التقديرات والإحصائيات أولئك المولودين في الولايات المتحدة من والدين أحدهما ولد في مصر.
ولا تشمل هذه الإحصائيات طلاب الجامعات الذين يأتون للدراسة فقط. ووصلت أعداد القادمين للدراسة فقط في السنة الدراسية الأكاديمية 2012 ، حوالي 2600 طالب وطالبة جامعية. وتخرج في نفس العام حوالي 124 شخصا بشهادات الدكتوراه. الكثير من هؤلاء يحاولون البقاء في الولايات المتحدة بعد التخرج. واحتلت مصر عام 2012 المرتبة الـ 16 عالميا للخريجين الأجانب من الجامعات الأميركية من حملة شهادات الدكتوراه، بحسب الدراسة.
وفي كندا، وفقا للبروفيسور، شريف السبعاوي، في حديثه مع "العربي الجديد" "فإنه رغم غياب الإحصاءات الدقيقة عن السنوات الأخيرة فإن تقديراتهم اليوم لا تقل عن 400 ألف". ويتركز نسبة كبرى منهم في مقاطعة أونتاريو كأكبر مقاطعة تضم 15 مليون إنسان.
اقــرأ أيضاً
ولا تشمل هذه الإحصائيات طلاب الجامعات الذين يأتون للدراسة فقط. ووصلت أعداد القادمين للدراسة فقط في السنة الدراسية الأكاديمية 2012 ، حوالي 2600 طالب وطالبة جامعية. وتخرج في نفس العام حوالي 124 شخصا بشهادات الدكتوراه. الكثير من هؤلاء يحاولون البقاء في الولايات المتحدة بعد التخرج. واحتلت مصر عام 2012 المرتبة الـ 16 عالميا للخريجين الأجانب من الجامعات الأميركية من حملة شهادات الدكتوراه، بحسب الدراسة.
وفي كندا، وفقا للبروفيسور، شريف السبعاوي، في حديثه مع "العربي الجديد" "فإنه رغم غياب الإحصاءات الدقيقة عن السنوات الأخيرة فإن تقديراتهم اليوم لا تقل عن 400 ألف". ويتركز نسبة كبرى منهم في مقاطعة أونتاريو كأكبر مقاطعة تضم 15 مليون إنسان.