وبدأت هذه الإجراءات، بحسب المصادر التي تحدّثت لـ"العربي الجديد"، في محافظات أسيوط وسوهاج والغربية والشرقية، وهي محافظات تتسم بكثافة عدد السكان فيها وبضخامة عدد الموظفين الحكوميين. وتتركز الإجراءات بصفة خاصة في فروع الوزارات والبنوك الحكومية وشركات القطاع العام في المدن والقرى، ما يثير منافسة كبيرة على حشد الأعضاء الجدد بين القيادات الإقليمية لتلك الأحزاب، والوكلاء المحليين لنواب "دعم مصر".
وربطت المصادر بين هذه التعليمات وأمرين أساسيين؛ الأول هو زيادة أعداد الأعضاء في جميع الأحزاب الموالية، استعداداً لتفعيل مشروع إنشاء الظهير السياسي الواسع للنظام والذي يضم الأحزاب الصغيرة الحالية، وذلك في محاولة لاستنساخ تجربة الحزب الوطني الديمقراطي المنحل في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، عندما كان يستخدم السيطرة الحكومية على الوظيفة العامة لزيادة أعداد أعضاء الحزب، بل وقياس مدى قوة قياداته الوسيطة وربط ترفيعهم وترشحهم للانتخابات بمدى تمكّنهم من توسيع العضوية في أقاليمهم أو مناطق نفوذهم.
أمّا الأمر الثاني، فهو محاولة تسهيل تنفيذ البرنامج السري الذي وضعه الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتقليص أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، والذي كان قد بدأ العام الماضي لخفض أعداد الموظفين الحكوميين إلى نحو 4 ملايين في نهاية عام 2021، وذلك بإجراء تحريات أمنية عن الموظفين المشكوك في انتمائهم لأي من مجموعات المعارضة، أو بانتمائهم لجماعة "الإخوان"، أو حتى معارضتهم للتوجهات الحكومية ورفضهم الانخراط في الأحزاب الموالية للسلطة.
وتهدف الحكومة لخفض أعداد الموظفين بواسطة الاستعلام من النيابتين العامة والعسكرية عن القوائم الكاملة بجميع الموظفين الحكوميين المحبوسين احتياطياً والمدانين في قضايا عنف أو تظاهر أو انضمام لجماعة "الإخوان المسلمين" وأي جماعات أخرى، والتي تم توزيعها بصورة مفهرسة ومقسمة جغرافياً على فروع النيابة الإدارية بالمحافظات المختلفة، لتفتح الأخيرة (وهي الهيئة القضائية المنوطة دستورياً بالتحقيق مع الموظفين) تحقيقات صورية في مدى انتظام عمل هؤلاء الموظفين المحبوسين، ومدى حاجة أعمالهم إليهم.
وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في مارس/ آذار الماضي، أن هيئة النيابة الإدارية أسرعت في إجراءات إصدار قرارات بالفصل أو الإحالة للمحاكمة التأديبية الغيابية ضد جميع الموظفين المحبوسين والمدانين، بحجّة أنّ ارتكابهم الجرائم المزعومة في تقارير الاتهام أو الأحكام القضائية، تتنافى مع شروط استمرار أدائهم للخدمة المدنية، وذلك رغم أن القانون الحالي الصادر عام 2016 لا يرتّب عقوبة الفصل على الموظف المتهم في جناية غير مرتبطة بأدائه لعمله، بل يرتّب إجراءات تأديبية محددة على المتهمين في القضايا الجنائية المرتبطة بالوظيفة، كالاختلاس والرشوة والاعتداء على المال العام. وبدأت الأجهزة الأمنية والرقابية في إجراء تحريات عن المسار الوظيفي للمعارين والمنتدبين خارج مصر، والدواعي التي اضطرتهم لذلك، والتي ساهمت في تحديد الدولة التي يعملون بها حالياً، تمهيداً لتخييرهم بين الاستمرار في الخارج مع الاستقالة، أو العودة لمصر والاستغناء عن المزايا المالية التي يتقاضونها في الخارج.