يثير عدم تنفيذ المجموعات المسلحة، في شبه جزيرة سيناء، شرقي مصر، وفي مقدمتها تنظيم "ولاية سيناء" هجمات أو عمليات خلال أحداث كبيرة مثل المؤتمر الاقتصادي أو القمة العربية، الشهر الماضي، علامات استفهام كثيرة دفعت ببعضهم إلى حد التشكّيك "في وجود تنسيق بين جهات رسمية وأجهزة سيادية في الدولة مع تلك المجموعات"، بل ذهب آخرون إلى حد القول إنه "قد يكون هناك تنسيق مع جهات، أو دول أخرى، خارج الحدود المصرية".
لكن خبراء في "الجماعات المسلحة"، يؤكدون أن تنظيم "ولاية سيناء" يعتمد في الأساس على استراتيجية محددة في مواجهة الحملة العسكرية الموجهة ضده في سيناء، منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، وهي انتظار حالة الارتخاء الأمني.
وترتكز استراتيجية التنظيم، وفقاً للخبراء، على" الصمود في مواجهة الحملات العسكرية والتشديد الأمني، فضلاً عن امتصاص ضربات قوات الجيش التي تستهدف أماكن تمركزهم أو حتى خلال المواجهات بين الطرفين".
اقرأ أيضاً: مقتل 14 جندياً في هجمات مسلحة على الجيش بسيناء
وفي أعقاب العمليات الكبرى التي يقوم بها التنظيم، على مدار ما يزيد على عام ونصف العام تقريباً، تشهد ساحة المواجهات بين الطرفين حالة من الهدوء الشديد، وهي مقصودة من قِبل التنظيم بانتظار حالة من ضعف التشديد الأمني للقيام بعمليات كبيرة مجدداً. ولا يقوم التنظيم بعمليات كبرى، أو تحركات بصورة واضحة إلا عقب مرور فترة على آخر عملية كبيرة قام بها، باستثناء اشتباكات مع قوات الجيش خلال بعض الحملات العسكرية على مناطق الشيخ زويد ورفح.
وتعتمد استراتيجية التنظيم منذ تأسيسه على فكرة تنفيذ ضربة كبيرة خاطفة ومفاجئة ومن ثم التواري تماماً عن الأنظار.
ويقول باحث في شؤون الحركات الجهادية، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إن "استراتيجية التنظيم هذه ليست اعتباطاً أو خوفاً من مواجهات مع قوات الجيش أو الشرطة، ولكنها أساساً بهدف تقليل خسائره من المقاتلين أو منعاً لإهدار الأموال والعتاد".
أمر آخر يحدد تباعد الفترات بين العمليات الكبرى للتنظيم، هو الدراسة والتخطيط للعملية، ففي كل العمليات التي قام بها عناصر التنظيم، كان التنفيذ على درجة كبيرة من الاحترافية والتعامل بشكل دقيق.
وتُظهر تسجيلات مصورة سابقة أصدرها التنظيم لتوضيح كيفية سير وتخطيط بعض العمليات، اتساع مدة هذا التخطيط المسبق، فضلاً عن رصد المكان المراد استهدافه بشكل دقيق على فترة طويلة من خلال عناصر استطلاع.
ولم يكسر التنظيم استراتيجيته إلا في محاولة تفجير قسم الشيخ زويد، التي تم إحباطها من قبل قوات تأمين القسم، في منتصف شهر فبراير/شباط الماضي، أي بعد مرور 15 يوماً تقريباً على ما يُسمى "هجمات سيناء"، التي استهدف خلالها عناصر التنظيم سلسلة مقرات عسكرية وأمنية. وهو ما يعني أنه تعمّد القيام بعملية كبيرة لتفجير قسم شرطة، في ظل حالة التشديد الأمني وعدم انتظار ما يسمى الارتخاء الأمني.
واستهدف التنظيم خلال تلك الهجمات مقرات عسكرية وشرطة، من أهمها الكتيبة 101 ومجمعاً أمنياً يضم مديرية الأمن واستراحة ضباط، فضلاً عن استهداف كمائن من العريش وحتى الشيخ زويد ورفح.
ويستغل التنظيم فترة الإنهاك التي يمرّ بها جنود الجيش في الكمائن لتنفيذ عملياته، فضلاً عن ضمان عدم وجود مدنيين بشكل كبير بجانب تلك الكمائن المشار إليها. ويعتمد التنظيم على عاملين حاسمين في عملياته، الأول عنصر المفاجأة في عملياته ضد قوات الجيش أو الشرطة، من حيث اختيار أهداف أو توقيت غير متوقع، وهو ما يتسبب في خسائر كبيرة في صفوف قوات الجيش والشرطة.
كما يعتمد في تأهيل عناصره، على تدريبات شاقّة، أقرب إلى نظام وحدات الصاعقة في الجيوش. وأظهرت تسجيلات مصورة بثّها التنظيم قبل بضعة أشهر، كيفية تدريب عناصرها في مناطق صحراوية غير معروفة، وتشمل التدريبات مهاجمة المباني والسيارات، واقتحام الحواجز الأمنية.
وتعتبر عمليات تدريب الجماعات الجهادية، أحد أهم عناصر قوّتها، نظراً لأن أعداد الجماعات صغيرة، مقارنة بالجيوش النظامية. ويعمد التنظيم إلى اختيار عناصره بشكل دقيق، بينما يتمّ اختيار أفراد وقوات الجيش بحسب الحاجة العددية، لا القدرة البدنية والكفاءات القتالية. كما أن التدريب الذي يحصل عليه الجيش، خصوصاً من يؤدون الخدمة العسكرية، بسيط، مقارنة مع تدريبات "ولاية سيناء".
ويقول الخبير الأمني العميد حسين حمودة، "إن تباعد فترة العمليات الخاصة بـ"ولاية سيناء"، يعود لانتظار التنظيم فترة الارتخاء الأمني عقب تنفيذه عمليات كبرى". ويشير، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن "التنظيم حينما يقوم بعملية كبرى على مقرات عسكرية أو أمنية، يعقبها تشديد أمني كبير، سواء في سيناء أو خارجها، ويبدأ هذا التشديد في التفكك مع مرور الوقت بطبيعة الحال"، معتبراً أن "التنظيم يعتمد في استراتيجيته على هذا الارتخاء، فمن غير المعقول أن ينفذ عملية في ظل تشديد أمني، وإلا سيتم الإيقاع بعناصره وفشل العملية". ويلفت إلى أن "قوات الجيش والشرطة لا يتنبهون إلى خطورة هذا الأمر، ولا بد من معالجته بشكل سريع".