في منزله الذي كان يعيش فيه مع إخوته الأحد عشر لم تكن لدى محمد عبد الحميد غرفة يبدأ فيها حياته الزوجية، وفي عام 2016 بدأ بناء منزل جديد في حقل عائلته القريب، لكنه دفع منذ ذلك الحين 80 ألف جنيه مصري (4500 دولار) غرامات بسبب البناء على أرض زراعية.
وقال عبد الحميد (30 عاماً)، وهو يقف أمام منزله المطلي باللون الوردي في قرية أكياد دجوي بدلتا النيل في محافظة القليوبية إلى الشمال من القاهرة، "مفيش (لا يوجد) بديل. هأجر (سوف أستأجر) شقة في القاهرة؟ أنا مش (لن) هتحمل (أتحمل) إيجار شقة".
وينمو سكان مصر البالغ عددهم حوالي 100 مليون نسمة بسرعة ويعيش نحو 38 مليوناً منهم في مناطق عشوائية، وعلى مدى عشرات السنين تآكلت الأراضي الزراعية المحدودة نتيجة النمو السكاني والزحف العمراني الخارج عن السيطرة، غير أن وتيرة البناء المخالف تزايدت منذ عام 2011.
وتشنّ السلطات الآن حملة على من يبنون على الأرض الزراعية، لكنها لا تقدم بدائل تذكر لمن يحتاجون إلى مساكن في متناول اليد.
وأجرت مصر تعديلا قانونيا دخل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني، يمكن بمقتضاه الحكم على من يبني على الأرض الزراعية بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى خمسة ملايين جنيه مصري (280 ألف دولار). وكانت الغرامة القصوى من قبل 50 ألف جنيه مصري (2800 دولار) ولم تكن عقوبة السجن محددة قبل التعديل.
وتقول السلطات إنها تريد إنهاء البناء غير المرخص على الأراضي الزراعية والحدّ من الزحام وتوفير المسكن للفقراء، لكن محللين يقولون إن كثيراً من الوحدات في مشاريع الإسكان الحكومية الجديدة غالية الثمن وإن الخدمات فيها غير كافية.
ونتيجة لذلك يظل عدد كبير من الوحدات السكنية الجديدة خالياً، بينما يواصل الناس إقامة مبانٍ غير مرخصة على الأرض الزراعية.
اقــرأ أيضاً
وقالت ميشيل دنّ، الباحثة الأولى في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، وهي مؤسسة أبحاث عالمية، "هذا يبيّن لك أن سوق الإسكان مشوهة، ولم تفلح حوافز الأسعار وسهولة التعامل".
وقالت "يبدو أن إحدى هذه الطرق هو التحكم في التطوير العقاري وتوجيه الناس نحو التجمعات السكنية التي تبنيها الحكومة بدلاً من التجمعات التي تنمو بشكل طبيعي في الأماكن التي يرغب الناس في العيش فيها".
زيادة البناء غير القانوني
وفقا لبيانات وزارة الزراعة أتى البناء بالمخالفة للقانون على ما يقرب من 85 ألف فدان من الأراضي الزراعية منذ ثورة 2011. وهذا يمثل زيادة بنسبة 40 في المائة في المتوسط سنوياً، مقارنة بفترة ما قبل الثورة، وفقا لحسابات وكالة "رويترز" استناداً إلى بيانات تعود إلى عام 1983.
وأضافت الوزارة في البيان أنه تمت استعادة 28 ألف فدان من هذه المساحة، لكن معظم هذه الأراضي لم تتم زراعتها مرة أخرى.
وبدأت الحكومة المصرية أمس الإثنين حمله لإزالة التعديات على 19 ألف فدان من الأراضي الزراعية، وعلّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إحدى المناسبات في سبتمبر/ أيلول الماضي على صورة تظهر المنازل في الأراضي الزراعية قائلاً "بص (انظر) على عمق الأراضي الزراعية وحجم التعديات الموجودة عليها".
وأضاف "إذا كان الأمر هيمشي كده (سيستمر هكذا).. إحنا رايحين (نحن باتجاه) لنمو عشوائي عايز (أريد) صرف صحي مش (غير) موجود ومية (مياه) نقية مش موجودة وشبكة طرق وكهرباء مش موجودة، ده مش هينفع احنا نعيش كده".
ومنطقة دلتا النيل واحدة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في البلاد، وهي أيضاً واحدة من أكثر المناطق تضرراً من البناء غير المرخص.
وقالت سحر (40 عاما) شقيقة عبد الحميد التي بنت أيضاً منزلاً على أرض العائلة الزراعية في القرية "غصب عننا (مضطرون) إننا بنبني في أرض زراعية. ساكنه في بيت عيلة (عائلي) وكل واحد متجوز (متزوج) في أوضة (غرفة) وفي عيال (أطفال) اتولدوا (أُنجبوا). هنوديهم فين (أين سنذهب بهم)؟".
وأضافت "الأولاد كبروا في الكليات وعايزين (يريدون) يتجوزوا ومفيش هنا شقق بتتأجر. الأرض ملكنا، هنبني فين؟".
وقال حامد عبد الدايم، المتحدث باسم وزارة الزراعة، إن الافتقار إلى السكن ليس مبرراً للتعدي على الأراضي الزراعية، مضيفاً لـ"رويترز" إن "ده (هذا) مش (ليس) مبرر، إذا كان عندي أزمة إسكان فهي أزمة في الريف وكذلك في المدينة".
وقال إن الحكومة لديها مشاريع إسكان كبيرة، وأضاف "في بعض الأماكن مش لاقيين حد يسكن".
اقــرأ أيضاً
وفي محاولة لمعالجة الاحتياجات السكنية المتزايدة أطلقت مصر سلسلة من مشاريع الإسكان وتقوم بتطوير 42 مدينة جديدة، لكن كثيراً منها لم يشغل وحداته السكنية سوى عدد قليل من السكان.
وقالت ليلاني فرحة، مقررة الأمم المتحدة للحق في السكن الملائم، إن معدل شغل الوحدات السكنية في القاهرة الجديدة والشيخ زايد والشروق يبلغ 65 في المائة و50 في المائة و55 في المائة على التوالي.
وأضافت فرحة أن واحدة من أقدم المدن الجديدة، 6 أكتوبر، يبلغ معدل الإشغال فيها 75 في المائة.
وقالت إن معدلات الإسكان المنخفضة تعني أن الناس في بعض المدن الجديدة يعانون من نقص خدمات التعليم والصحة وخدمات الطوارئ والنقل ومصادر الأغذية.
وقالت فرحة، في بيان عقب زيارة إلى مصر في الشهر الماضي، إن "هناك تفاوتاً في الدخل في المناطق السكنية وميلاً نحو مجتمعات مسورة لإسكان أصحاب الدخل المرتفع".
وأضافت أن لدى الحكومة برنامجاً للإسكان الاجتماعي للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، لكن المصريين من أصحاب أقل الدخول لا يستفيدون سوى من 2.2 في المائة فقط من السكن الاجتماعي.
وقال جمال السيد الذي كان يمتلك جراراً زراعياً إنه ترك الزراعة بعدما أصبحت أسعار الوقود باهظة، مشيراً إلى أنه لم ير بديلاً للبناء على أرضه الزراعية.
وأضاف السيد البالغ من العمر 53 عاماً ويعمل الآن في مخبز "عندي أرض بنيت (قمت ببناء) حتة (جزء) ولسه مجوز (زوجت) ابني".
وأضاف أن المنازل في القرية صغيرة ويضطر الناس للبناء عندما تكبر عائلاتهم، مشيراً إلى أنه دفع غرامة قدرها 60 ألف جنيه مصري (3000 دولار) منذ أن قام ببناء المنزل في عام 2013.
وقال كيفن جراهام، مدير تحرير مجموعة أكسفورد للأعمال في مصر، إن الأرض المخصصة للإسكان باهظة الثمن في العادة، مضيفاً أن شركات التطوير العقاري "تقتنص هذه الأراضي، لكن ينتهي بها الأمر في كثير من الأحيان إلى بناء منازل باهظة الثمن، بدلاً من بناء منازل بأسعار معقولة".
اقــرأ أيضاً
وقال جراهام إن العقوبات الجديدة الأكثر صرامة للبناء على الأرض الزراعية هي جزء من جهد أوسع من جانب الحكومة من أجل تعزيز الإيرادات من خلال الضرائب، متابعاً أنه "لكي يكون هذا الحل حلاً حقيقياً يجب إتاحة خيارات لأولئك الذين يدفعون للبناء خارج النطاق الرسمي".
وتعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتقول السلطات إنها تريد إنهاء البناء على الأراضي الزراعية وزيادة محصول القمح المحلي.
وقال اللواء أركان حرب محمد حلمي عبد الحميد، المدير التنفيذي للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، إن الحكومة تحاول زيادة الرقعة الزراعية من خلال استصلاح الأراضي في الصحراء.
وأضاف حلمي لـ"رويترز" إننا "بنشتغل ونعمر في الصحراء علشان (كي) نزود الرقعة الزراعية. مش (غير) ممكن وأنا بعمر في الصحراء أضيع الأرض الطينية المصرية الجميلة".
وقال إنه بالإضافة إلى تشديد العقوبات، تعمل الحكومة على التوسع في هدم المنازل المخالفة على الأراضي الزراعية، مؤكداً أن "الأرض الزراعية خط أحمر لا يجوز الاقتراب منها أو التعدي عليها".
(رويترز)
وينمو سكان مصر البالغ عددهم حوالي 100 مليون نسمة بسرعة ويعيش نحو 38 مليوناً منهم في مناطق عشوائية، وعلى مدى عشرات السنين تآكلت الأراضي الزراعية المحدودة نتيجة النمو السكاني والزحف العمراني الخارج عن السيطرة، غير أن وتيرة البناء المخالف تزايدت منذ عام 2011.
وتشنّ السلطات الآن حملة على من يبنون على الأرض الزراعية، لكنها لا تقدم بدائل تذكر لمن يحتاجون إلى مساكن في متناول اليد.
وأجرت مصر تعديلا قانونيا دخل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني، يمكن بمقتضاه الحكم على من يبني على الأرض الزراعية بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى خمسة ملايين جنيه مصري (280 ألف دولار). وكانت الغرامة القصوى من قبل 50 ألف جنيه مصري (2800 دولار) ولم تكن عقوبة السجن محددة قبل التعديل.
وتقول السلطات إنها تريد إنهاء البناء غير المرخص على الأراضي الزراعية والحدّ من الزحام وتوفير المسكن للفقراء، لكن محللين يقولون إن كثيراً من الوحدات في مشاريع الإسكان الحكومية الجديدة غالية الثمن وإن الخدمات فيها غير كافية.
ونتيجة لذلك يظل عدد كبير من الوحدات السكنية الجديدة خالياً، بينما يواصل الناس إقامة مبانٍ غير مرخصة على الأرض الزراعية.
وقالت "يبدو أن إحدى هذه الطرق هو التحكم في التطوير العقاري وتوجيه الناس نحو التجمعات السكنية التي تبنيها الحكومة بدلاً من التجمعات التي تنمو بشكل طبيعي في الأماكن التي يرغب الناس في العيش فيها".
زيادة البناء غير القانوني
وفقا لبيانات وزارة الزراعة أتى البناء بالمخالفة للقانون على ما يقرب من 85 ألف فدان من الأراضي الزراعية منذ ثورة 2011. وهذا يمثل زيادة بنسبة 40 في المائة في المتوسط سنوياً، مقارنة بفترة ما قبل الثورة، وفقا لحسابات وكالة "رويترز" استناداً إلى بيانات تعود إلى عام 1983.
وأضافت الوزارة في البيان أنه تمت استعادة 28 ألف فدان من هذه المساحة، لكن معظم هذه الأراضي لم تتم زراعتها مرة أخرى.
وبدأت الحكومة المصرية أمس الإثنين حمله لإزالة التعديات على 19 ألف فدان من الأراضي الزراعية، وعلّق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في إحدى المناسبات في سبتمبر/ أيلول الماضي على صورة تظهر المنازل في الأراضي الزراعية قائلاً "بص (انظر) على عمق الأراضي الزراعية وحجم التعديات الموجودة عليها".
وأضاف "إذا كان الأمر هيمشي كده (سيستمر هكذا).. إحنا رايحين (نحن باتجاه) لنمو عشوائي عايز (أريد) صرف صحي مش (غير) موجود ومية (مياه) نقية مش موجودة وشبكة طرق وكهرباء مش موجودة، ده مش هينفع احنا نعيش كده".
ومنطقة دلتا النيل واحدة من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان في البلاد، وهي أيضاً واحدة من أكثر المناطق تضرراً من البناء غير المرخص.
وقالت سحر (40 عاما) شقيقة عبد الحميد التي بنت أيضاً منزلاً على أرض العائلة الزراعية في القرية "غصب عننا (مضطرون) إننا بنبني في أرض زراعية. ساكنه في بيت عيلة (عائلي) وكل واحد متجوز (متزوج) في أوضة (غرفة) وفي عيال (أطفال) اتولدوا (أُنجبوا). هنوديهم فين (أين سنذهب بهم)؟".
وأضافت "الأولاد كبروا في الكليات وعايزين (يريدون) يتجوزوا ومفيش هنا شقق بتتأجر. الأرض ملكنا، هنبني فين؟".
وقال حامد عبد الدايم، المتحدث باسم وزارة الزراعة، إن الافتقار إلى السكن ليس مبرراً للتعدي على الأراضي الزراعية، مضيفاً لـ"رويترز" إن "ده (هذا) مش (ليس) مبرر، إذا كان عندي أزمة إسكان فهي أزمة في الريف وكذلك في المدينة".
وقال إن الحكومة لديها مشاريع إسكان كبيرة، وأضاف "في بعض الأماكن مش لاقيين حد يسكن".
وفي محاولة لمعالجة الاحتياجات السكنية المتزايدة أطلقت مصر سلسلة من مشاريع الإسكان وتقوم بتطوير 42 مدينة جديدة، لكن كثيراً منها لم يشغل وحداته السكنية سوى عدد قليل من السكان.
وأضافت فرحة أن واحدة من أقدم المدن الجديدة، 6 أكتوبر، يبلغ معدل الإشغال فيها 75 في المائة.
وقالت إن معدلات الإسكان المنخفضة تعني أن الناس في بعض المدن الجديدة يعانون من نقص خدمات التعليم والصحة وخدمات الطوارئ والنقل ومصادر الأغذية.
وقالت فرحة، في بيان عقب زيارة إلى مصر في الشهر الماضي، إن "هناك تفاوتاً في الدخل في المناطق السكنية وميلاً نحو مجتمعات مسورة لإسكان أصحاب الدخل المرتفع".
وأضافت أن لدى الحكومة برنامجاً للإسكان الاجتماعي للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، لكن المصريين من أصحاب أقل الدخول لا يستفيدون سوى من 2.2 في المائة فقط من السكن الاجتماعي.
وقال جمال السيد الذي كان يمتلك جراراً زراعياً إنه ترك الزراعة بعدما أصبحت أسعار الوقود باهظة، مشيراً إلى أنه لم ير بديلاً للبناء على أرضه الزراعية.
وأضاف السيد البالغ من العمر 53 عاماً ويعمل الآن في مخبز "عندي أرض بنيت (قمت ببناء) حتة (جزء) ولسه مجوز (زوجت) ابني".
وأضاف أن المنازل في القرية صغيرة ويضطر الناس للبناء عندما تكبر عائلاتهم، مشيراً إلى أنه دفع غرامة قدرها 60 ألف جنيه مصري (3000 دولار) منذ أن قام ببناء المنزل في عام 2013.
وقال كيفن جراهام، مدير تحرير مجموعة أكسفورد للأعمال في مصر، إن الأرض المخصصة للإسكان باهظة الثمن في العادة، مضيفاً أن شركات التطوير العقاري "تقتنص هذه الأراضي، لكن ينتهي بها الأمر في كثير من الأحيان إلى بناء منازل باهظة الثمن، بدلاً من بناء منازل بأسعار معقولة".
وقال جراهام إن العقوبات الجديدة الأكثر صرامة للبناء على الأرض الزراعية هي جزء من جهد أوسع من جانب الحكومة من أجل تعزيز الإيرادات من خلال الضرائب، متابعاً أنه "لكي يكون هذا الحل حلاً حقيقياً يجب إتاحة خيارات لأولئك الذين يدفعون للبناء خارج النطاق الرسمي".
وتعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتقول السلطات إنها تريد إنهاء البناء على الأراضي الزراعية وزيادة محصول القمح المحلي.
وقال اللواء أركان حرب محمد حلمي عبد الحميد، المدير التنفيذي للهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، إن الحكومة تحاول زيادة الرقعة الزراعية من خلال استصلاح الأراضي في الصحراء.
وأضاف حلمي لـ"رويترز" إننا "بنشتغل ونعمر في الصحراء علشان (كي) نزود الرقعة الزراعية. مش (غير) ممكن وأنا بعمر في الصحراء أضيع الأرض الطينية المصرية الجميلة".
وقال إنه بالإضافة إلى تشديد العقوبات، تعمل الحكومة على التوسع في هدم المنازل المخالفة على الأراضي الزراعية، مؤكداً أن "الأرض الزراعية خط أحمر لا يجوز الاقتراب منها أو التعدي عليها".
(رويترز)