يتجه النظام المصري إلى إصدار تشريع ينص على توسيع اختصاصات هيئة الرقابة الإدارية، التي أصبحت منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه، واحدة من أهم الأجهزة التي يعتمد عليها في ترسيخ دعائم حكمه. ويعتزم التشريع العتيد إطلاق يدها للرقابة على كبار رجال الدولة والعاملين فيها ومنشآتها، وزيادة أهمية التحريات التي تجريها على المرشحين للمناصب الوزارية أو للتعيين في الدولة أو للالتحاق ببعض الوظائف ذات الطبيعة الخاصة. وتريد السلطة الاستعانة بالهيئة لأداء أدوار تختص بها الحكومة في الأصل، كالاشتراك مع الجيش والاستخبارات العامة في بيع السلع الغذائية بأسعار أرخص، واشتراكها في إدارة عدد من المشاريع الخدمية.
وترغب دائرة السيسي في منح الهيئة صلاحيات أوسع في ما يتعلق بتفتيش المقار الحكومية من دون إذن مسبق، تحت مظلة اختصاص سيتم تحديده، وهو المتابعة الدورية لمدى كفاءة عمل الجهاز الإداري في الدولة بناءً على قرار من رئيس هيئة الرقابة الإدارية نفسه. وهذا سيسمح لأعضاء الهيئة (وهم يتمتعون بصفة الضبطية القضائية كضباط الشرطة) بدخول الأماكن الحكومية بمختلف أنواعها ودرجاتها من دون اشتراط إذن مسبق من النيابة العامة، سواء لضبط جرائم بعينها أو للتفتيش بهدف الكشف عن أي جرائم، أو للتفتيش العادي بشكل يجسد سيطرة الهيئة على أروقة الحكومة.
أما بالنسبة للقضاة، فتسعى دائرة السيسي إلى إخضاعهم بشكل كامل لرقابة الهيئة، باعتبارهم عاملين عاديين في الدولة. وهنا يوضح المصدر أن سبب الرغبة في إضافة نص يخص القضاة بعينهم، هو أن مجلس القضاء الأعلى اعترض أخيراً بشكل سري لدى وزير العدل، حسام عبدالرحيم، على توسع هيئة الرقابة الإدارية، في الرقابة على تحركات وهواتف واتصالات القضاة بصفة عامة، والقضاة المشبوهين بارتكاب جرائم رشوة بصفة خاصة. ويضيف المصدر أن "مجلس القضاء يعتبر أن هيئة الرقابة الإدارية غير مختصة من الأساس بالرقابة السابقة على صدور إذن النيابة العامة، بالنسبة للقضاة، أياً كانت أوضاعهم، وأياً كانت الجرائم المحتمل ارتكابها، استناداً إلى حكم سابق أصدرته محكمة النقض في تسعينيات القرن الماضي، يؤكد عدم خضوع القضاة وأعضاء الهيئات القضائية بصفة عامة لهيئة الرقابة الإدارية، باعتبارهم ليسوا أفراداً من الجهاز الحكومي للدولة". ويشير إلى أنه بموجب هذا الحكم "أخرج القضاة أنفسهم على أساسه من نطاق تطبيق الحد الأقصى لأجور العاملين في الدولة، وهو تفسير لا يرضي السيسي على الإطلاق، ويعتبره محاولة لعزل السلطة القضائية عن باقي أجهزة الدولة".
ويشير المصدر إلى أن طلبات دائرة السيسي ستصطدم ببعض الإشكاليات التشريعية، أبرزها تراكم الاختصاصات المطلوب إسنادها للرقابة الإدارية مع هيئات قضائية ورقابية أخرى، كالنيابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات، وهو ما ينبئ بحدوث صدام بين مختلف تلك الأجهزة للحفاظ على اختصاصاتها ومكتسباتها من التشريعات والدساتير السابقة. لكن هذا لا يبدو عائقاً أمام رغبة السيسي في توسيع اختصاصات الرقابة الإدارية تحديداً. كما أن بعض الوزارات المتعاملة مع المستثمرين والقطاع الخاص كـ"الاستثمار، وقطاع الأعمال العام، والمالية"، حذّرت من مغبة توسيع رقابة الهيئة على الشركات التي تسهم الدولة فيها، أو الشركات التابعة للشركات القابضة. وهذه المؤسسات هي مساحات تتقاطع فيها مصالح وأعمال القطاع العام بنشاط القطاع الخاص. ويمكن الربط بالتالي بين التحذيرات الموجهة لدائرة السيسي بشأن توسيع رقابة الهيئة، وبين تخوف القطاع الخاص من تعدد الأجهزة الرقابية الحكومية، مما قد يؤدي إلى عزوف المستثمرين المصريين والأجانب عن مشاركة الحكومة في مشاريعها والشركات التي تطرحها للمساهمة.
وأوْلى السيسي منذ وصوله لرئاسة الجمهورية اهتماماً كبيراً بهيئة الرقابة الإدارية. وأجرى تعديلات واسعة على هيكلها، دافعاً بأعداد كبيرة من ضباط الاستخبارات الحربية والاستخبارات العامة للعمل في الهيئة بدلاً من ضباط الشرطة، ثم عيّن أحد أصدقائه خلال فترة خدمته في الجيش، وهو محمد عرفان، رئيساً للهيئة عام 2015. وعيّن السيسي نجله مصطفى، عضواً في المكتب الفني لرئيس الهيئة، ثم بدأت حملة إعلامية مستمرة، لإبراز دور الهيئة وانضباطها ودورها في الرقابة على الأجهزة الحكومية ومشاركتها في بعض الحملات الخدمية والاجتماعية، وصولاً إلى إسناد اختصاص الإشراف على إدارة مشاريع بعيدة تماماً عن اختصاصها المحدد قانوناً، كالمشروع القومي للمعلومات المعروف بـ"بناء ذاكرة الأمة" ومدينة دمياط للأثاث وتطوير ميناء الإسكندرية وميناء سفاجا البحري.
وخلال تلك الفترة، كان لهيئة الرقابة الإدارية النصيب الأكبر في كشف قضايا الفساد ابتداءً من قضية رشوة وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال، ومدير مكتبه محيي قدح، ثم قضية رشوة مجلس الدولة التي تورط فيها الأمين العام السابق للمجلس وائل شلبي، الذي انتحر في حجرة احتجازه داخل مقر الرقابة الإدارية بمدينة نصر، ثم قضية رشوة نائبين سابقين لرئيس محكمة في الزقازيق، وأخيراً قضية الرشوة المتهمة فيها سعاد الخولي نائبة محافظ الإسكندرية.