ويعتبر مراقبون أنّ الدعاوى التي قُدّمت إلى القضاء بشكل مفاجئ، تكرر ما حدث في أوائل العام الحالي، بتأجيل المحكمة الدستورية الانتخابات، لعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر. ويشير المراقبون أنفسهم إلى أنّ النظام الحالي يسعى إلى تفخيخ مجلس النواب المقبل، إذا اضطر إلى إجراء الانتخابات، لافتين إلى أنّ كل الأدلّة تشير إلى عدم وجود رغبة حقيقية في إتمام الانتخابات، خوفاً من شكل المجلس المقبل، وأن تكون أغلبيته غير متوافقة مع الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في ظل العجز عن دمج القوائم الانتخابية القوية مع لائحة "في حب مصر" المحسوبة على الرئيس.
ويسعى السيسي إلى تشكيل قائمة وتحالف انتخابي موسّع، يضم مؤيديه، لضمان تأليف كتلة مؤيدة له في مجلس النواب، نظراً لصلاحيات مجلس النواب الكبيرة في الدستور، بعد تعديله، عقب الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي. ويوضح خبراء قانونيون، أنّ اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات تلقّت ضربة جديدة بشأن الكشوف الطبية على المرشحين، بعد تعدد الدعاوى القضائية ضد قرارها بسريان نتائج الكشوف القديمة التي أجراها المرشحون في فبراير/شباط الماضي (قبل تأجيل العملية الانتخابية).
واعترضت محكمة القضاء الإداري على قرار اللجنة، نظراً لإمكانية تعرّض المرشحين إلى أمراض تمنعهم من أداء واجبهم النيابي خلال هذه الفترة، فضلاً عن إمكانية ظهور آثار للمخدرات والكحول في العيّنات المأخوذة منهم بعد مرور 7 أشهر.
اقرأ أيضاً مصر: الدعاوى القضائيّة تهدّد الانتخابات ومرشحان جديدان لرئاسة البرلمان
ولجأت اللجنة العليا للانتخابات، إلى التفكير في مدّ أجل تقديم أوراق الترشح، حتى الانتهاء من عمل الكشوف الطبية مرة أخرى لكل المرشحين. أما الدعوى المقامة ضد تدخل محلب في تعديل تقسيم دوائر قنا، اعتبرتها "اللجنة"، التفافاً على القانون وخروجاً عنه. ويرى مراقبون أنّ هذا الأمر سيهدّد بوقف الانتخابات مؤقتاً، إلى حين تعديل الوضع تشريعياً، ليس في محافظة قنا وحدها، بل في محافظات الصعيد المرتبطة بها في انتخابات القوائم المغلقة.
ويقول الخبير القانوني، عصام الإسلامبولي، إنه "سيتم تأجيل الانتخابات بالتأكيد، إلى حين البتّ في التعديلات التي طلبتها محكمة القضاء الإداري". ويضيف الإسلامبولي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من الممكن الطعن على حكم القضاء الإداري أمام الإدارية العليا، وهو أمر سيحتاج إلى وقت، لذلك سنبقى في دوامة المحاكم أسبوعين أو ربما شهراً"، لافتاً إلى أنّه "إذا قضت الإدارية العليا بتأييد حكم القضاء الإداري، يبقى على الحكومة تعديل التقسيم ومراجعته مرة أخرى، وهو ما يستغرق وقتاً أطول يتجاوز المدة المحددة في إجراء الانتخابات".
ويؤكد أنّه "في حال رفضت الإدارية العليا الحكم الصادر، يتم إجراء الانتخابات، ولكن يظلّ مجلس النواب مهدداً بالحل في أي وقت، مع رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية. ويستغرب الخبير القانوني العجز التشريعي التي تعاني منه الحكومة، "لأنها غير قادرة على إصدار قانون لا ثغرات فيه"، مطالباً بإصدار قانون بنفس درجة قانون الإرهاب.
بدوره، يرفض الخبير السياسي، محمد عز، في حديث لـ"العربي الجديد"، "الفصل بين الأحكام والمناخ السياسي الحالي"، مضيفاً أنّ "هناك تعمّداً لتفخيخ مجلس النواب، إمّا بتعطيل إجراء الانتخابات لخوف النظام الحالي من أغلبية تقف أمامه وتحاسبه، أو تغلب عليها فلول نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وبالتالي يؤجل قدر الإمكان إلى حين التمكن من الوضع تماماً، وتوزيع الحصص بما يضمن له السيطرة".
ويشير عز إلى أنّه "في ظلّ القانون الحالي، يمكن حلّ مجلس النواب في أي وقت بعد تعديلات السيسي لأحكام المحكمة الدستورية، لافتاً إلى أنّ السيسي لم يطمئن إلى تشكيل أغلبية مؤيدة له، ولم يتمكّن من التحالفات والمرشحين لغاية اليوم"، مطالباً "بضرورة وقف هذا الهزل، والبدء من جديد بوضع قوانين دستورية تراعي توصيات الأحزاب، والاستعانة بخبراء قانون ودستوريين للانتهاء من هذا الفراغ التشريعي الكبير".
وسادت اﻷوساط السياسية والحكومية حالة من اﻻرتباك أمس بعد صدور أحكام بطلان اﻻعتداد بالكشوف الطبية وتعديل قانون تقسيم الدوائر في محافظتي قنا والقاهرة. وتفاقمت حالة اﻻرتباك بتداول وسائل اﻹعلام ودوائر السلطة أنباء عن إجراء تعديل وزاري وشيك يشمل عدداً من الحقائب يتراوح بين 6 و10 خاصة بعد إقالة وزير الزراعة صلاح هلال والقبض عليه على خلفية اتهامه في قضية فساد وزارة الزراعة التي حظر فيها القائم بأعمال النائب العام، النشر منذ اﻷسبوع الماضي.
ويتقاطع المساران الانتخابي والحكومي في مصر بصورة غير مسبوقة، مما يجعل المشهد في القاهرة ضبابياً، فالسيسي لم يكن يرغب في إجراء تعديﻻت وزارية قبل انتخابات البرلمان، وكان هذا هو اﻻتجاه حتى ما قبل زيارته اﻷخيرة إلى آسيا، إﻻ أن تغير سياسة الدولة وتوجهها نحو إجراء تعديل وزاري هذه اﻷيام، وتعرض الانتخابات البرلمانية لعراقيل قضائية، بات يرجح احتمال تأجيل اﻻنتخابات إلى العام المقبل.
وكانت الدائرة المقربة من السيسي ترفض إجراء تعديلات وزارية أو المساس بشخص رئيس الوزراء لحين إجراء اﻻنتخابات وتشكيل البرلمان ومن ثم تشكيل حكومة جديدة يعتبر الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس هو المرشح اﻷبرز لرئاستها. غير أن تصعيد الجهات اﻷمنية والرقابية وعلى رأسها هيئة الرقابة اﻹدارية التي يشرف عليها السيسي شخصياً ويعمل فيها نجله، أدى إلى تغير الخطة، في إطار تصعيد الحرب التي قال السيسي إنه سيشنها ضد الفساد.
وترى مصادر حكومية أن تصعيد الحرب بصورة رسمية على الفساد وتقديم الوزراء والمسؤولين محل الشكوك للتحقيقات والمحاكمة "أمر يسهم في زيادة شعبية السيسي، وكذلك يضمن مساندة واسعة للتيار المؤيد للسيسي والمساند لقراراته سواء في مرحلة اﻻنتخابات أو تحت قبة البرلمان". وفي سياق اﻻنتخابات، فإن اللجنة العليا المشرفة على اﻻنتخابات حاولت تدارك المشكلة الخاصة بالكشوف الطبية فقررت مد أجل تسلم أوراق الفحوص الطبية من المرشحين 3 أيام بعد غلق باب الترشح، وذلك في 13 و14 و15 سبتمبر/أيلول الحالي.
وقالت مصادر قضائية إن اللجنة سترفع طلبا إلى السيسي لإصدار قانون جديد بأقصى سرعة بتقنين وضع الدوائر الثلاث التي أبطلها حكم القضاء اﻹداري، وذلك لتفادي إعادة فتح باب الترشح في هذه الدوائر بعد غلق الباب مما قد يؤدي لتعطيل اﻻنتخابات فترة طويلة.
وأكدت المصادر القضائية أن هذين الحكمين قد يؤديان في حالة عدم تدارك آثارهما لتعثر إجراء اﻻنتخابات وتغييرات محدودة في جدول المواعيد، إﻻ أن احتمال تأجيل اﻻنتخابات بأكملها بقرار قضائي مازال رهن الدعوى المقامة من ضابط في القوات المسلحة للسماح بترشح أفراد وضباط الشرطة والجيش، والتي أصدر القضاء اﻹداري حكم أول درجة، أمس الاثنين برفضها، ويجوز لمقيم الدعوى إقامة طعن أمام المحكمة اﻹدارية العليا لينظر اﻷسبوع المقبل.
وبين هذه اﻻعتبارات القانونية والسياسية تبقى اﻻنتخابات التشريعية في مهب الريح، وستبقى مهددة بأن توقف أو تؤجل حتى بدء اﻻقتراع في 17 أكتوب/ تشرين الأول المقبل، خاصة أن هناك العديد من اﻹجراءات التي سيصطدم فيها المرشحون باللجنة العليا وستحال إلى المحاكم لحسمها.
اقرأ أيضاً مصر: نجل السيسي يدير غرفة عمليات الانتخابات البرلمانية