01 أكتوبر 2022
مصر تجرّب سيناريو الهاوية
صباح يوم الثلاثاء الماضي، استوقفت سيارات مدنية في القاهرة موكب الرئيس الأسبق لأركان الجيش المصري، الفريق سامي عنان، واختطفته إلى جهة مجهولة، قبل أن يصدر بيانٌ من القيادة العامة للجيش، يتوعّد باتخاذ إجراءات قانونية ضده. وفي مساء اليوم نفسه، داهمت قوات أخرى منزل عنان، وقامت بتفتيشه، واستولت على متعلقاتٍ منه، وإلى الآن لم يُعرف شيءٌ عن مصير الرجل، إلى حد أن متحدث حملته لانتخابات الرئاسة في الخارج قال إنه مختفٍ قسرياً.
يعد هذا المشهد بحق نهاية حقبة كاملة في السياسة المصرية وبداية عصر آخر. فور ترشح عنان، حدث نقاش بيني وبين زملاء في حملة المرشح خالد علي، عن السيناريو الذي سنتخذه لو تم استبعاد عنان؟ كان أقصى الخيال وقتها أنه سيتم استبعاده بأي ذريعة قانونية هادئة وما أكثرها، مثلاً ألا يحصل على الورقة الخاصة بوقف استدعائه للجيش، فترفضه الهيئة الوطنية لعدم الاستيفاء، أو أن يصدر ضده حكم في القضية الخاصة بمنع ترشح من تجاوز السبعين عاماً. كان انحيازي وقتها لاستكمال مسارنا الذي يهدف بشكل رئيسي، لتنظيم المتطوعين، واجتذاب المصريين لخطابنا، ثم محاولة حماية الصناديق بمندوبينا المقاتلين. لكن ما حدث مع عنان أعلمنا على الفور أن القصة انتهت هنا، وهو ما تأكد أكثر في بداية التلاعب بتوكيلاتنا.
لم يكن النظام يحتاج أبداً أن يكون التعامل مع رئيس أركان القوات المسلحة، والذي حارب في أكتوبر 73 بهذا الشكل. حين عاد الفريق سعد الدين الشاذلي في عهد حسني مبارك ليواجه حكماً بالسجن تم استقباله في المطار بالتحية العسكرية، على الرغم من أن تهمته كانت إفشاء أسرار عسكرية، وهي التهمة الأخطر بمراحل من تهمة عنان، وكان قبلها معارضاً سياسياً تحالف مع معمر القذافي وغيره.
كما لم يكن النظام أيضاً بحاجة لتدمير مصداقية الهيئة الوطنية للانتخابات، بإصدارها أمر استبعاد عنان من قواعد الناخبين خلال ساعات، على الرغم من أن عنان والمشير حسين طنطاوي وغيرهما أدلوا بالفعل بأصواتهم في انتخابات 2014 أمام كل التغطية الإعلامية. تدمير كامل لقواعد النظام المصري العريق الذي حافظ على حدٍ أدنى من الشكل السياسي وهامش التنوع داخله قبل خارجه.
هكذا خلال فترة قصيرة جداً، اختبرنا عملياً سيناريوهات مختلفة للتغيير، كنا نتجادل بشأنها. جربنا وجود تحالف يضم قوىً من الدولة القديمة، مثّلها تيار عنان في الجيش وتيار المستشار هشام جنينة في القضاء، وجرّبنا المرشح المدني مع حملة شبابية ثورية خالصة، وانتهى كلاهما إلى ما نراه. والآن، أصبحنا نجرّب خيار المقاطعة الشاملة، وإعلان موت السياسة في مصر خلال فترة مقبلة، وهو ما كان يدفع له أصحاب نظرية إحراج النظام دولياً، أو دفع جهات عاقلة في مؤسسات الدولة داخلياً إلى التدخل.
يحمل هذا الطرح إشكاليات عديدة، فهو أولاً يراهن على الانتظار لا أكثر، بعد تأزيم الوضع، وهو ما يرفع من احتمالات مفاجئة عديدة، لكنه لا يضمنها. تظل الاحتمالات احتمالات.
وهو ثانياً يراهن على تكرار لحظات تاريخية، بغض النظر عن سياقها. مراراً تم الحديث عن قيام الثورة في 2011 بعد انسحاب المعارضة من انتخابات 2010 المزوّرة بالكامل، لكن المشكلة أن الوضعين، الداخلي والخارجي، تغيرا تماماً. داخلياً، تعرّض المجتمع للإنهاك والترويع، كما أن القوى الأمنية موحدة كما لم تكن من قبل، ومستعدة مادياً ومعنوياً كما لم تكن من قبل. وخارجياً يُهملنا العالم كما لم يكن من قبل، إلى حد تجاهل وزارة الدفاع الأميركية التعليق، ولو ببيان، اختطاف صديقها المقرّب حتى سنوات قليلة.
لكن، في النهاية، هذا هو المسار الذي حُسم وأصبح (للمفارقة) موضع إجماعٍ من المعارضة المصرية، وهي التي ربما لم تجتمع على شيء منذ سنوات كاجتماعها اليوم. ومن يدري، فلمصر تجارب عديدة في إبهار نفسها قبل غيرها. ومن كان يتخيل مساء يوم 24 يناير ما سيحمله اليوم التالي؟
يعد هذا المشهد بحق نهاية حقبة كاملة في السياسة المصرية وبداية عصر آخر. فور ترشح عنان، حدث نقاش بيني وبين زملاء في حملة المرشح خالد علي، عن السيناريو الذي سنتخذه لو تم استبعاد عنان؟ كان أقصى الخيال وقتها أنه سيتم استبعاده بأي ذريعة قانونية هادئة وما أكثرها، مثلاً ألا يحصل على الورقة الخاصة بوقف استدعائه للجيش، فترفضه الهيئة الوطنية لعدم الاستيفاء، أو أن يصدر ضده حكم في القضية الخاصة بمنع ترشح من تجاوز السبعين عاماً. كان انحيازي وقتها لاستكمال مسارنا الذي يهدف بشكل رئيسي، لتنظيم المتطوعين، واجتذاب المصريين لخطابنا، ثم محاولة حماية الصناديق بمندوبينا المقاتلين. لكن ما حدث مع عنان أعلمنا على الفور أن القصة انتهت هنا، وهو ما تأكد أكثر في بداية التلاعب بتوكيلاتنا.
لم يكن النظام يحتاج أبداً أن يكون التعامل مع رئيس أركان القوات المسلحة، والذي حارب في أكتوبر 73 بهذا الشكل. حين عاد الفريق سعد الدين الشاذلي في عهد حسني مبارك ليواجه حكماً بالسجن تم استقباله في المطار بالتحية العسكرية، على الرغم من أن تهمته كانت إفشاء أسرار عسكرية، وهي التهمة الأخطر بمراحل من تهمة عنان، وكان قبلها معارضاً سياسياً تحالف مع معمر القذافي وغيره.
كما لم يكن النظام أيضاً بحاجة لتدمير مصداقية الهيئة الوطنية للانتخابات، بإصدارها أمر استبعاد عنان من قواعد الناخبين خلال ساعات، على الرغم من أن عنان والمشير حسين طنطاوي وغيرهما أدلوا بالفعل بأصواتهم في انتخابات 2014 أمام كل التغطية الإعلامية. تدمير كامل لقواعد النظام المصري العريق الذي حافظ على حدٍ أدنى من الشكل السياسي وهامش التنوع داخله قبل خارجه.
هكذا خلال فترة قصيرة جداً، اختبرنا عملياً سيناريوهات مختلفة للتغيير، كنا نتجادل بشأنها. جربنا وجود تحالف يضم قوىً من الدولة القديمة، مثّلها تيار عنان في الجيش وتيار المستشار هشام جنينة في القضاء، وجرّبنا المرشح المدني مع حملة شبابية ثورية خالصة، وانتهى كلاهما إلى ما نراه. والآن، أصبحنا نجرّب خيار المقاطعة الشاملة، وإعلان موت السياسة في مصر خلال فترة مقبلة، وهو ما كان يدفع له أصحاب نظرية إحراج النظام دولياً، أو دفع جهات عاقلة في مؤسسات الدولة داخلياً إلى التدخل.
يحمل هذا الطرح إشكاليات عديدة، فهو أولاً يراهن على الانتظار لا أكثر، بعد تأزيم الوضع، وهو ما يرفع من احتمالات مفاجئة عديدة، لكنه لا يضمنها. تظل الاحتمالات احتمالات.
وهو ثانياً يراهن على تكرار لحظات تاريخية، بغض النظر عن سياقها. مراراً تم الحديث عن قيام الثورة في 2011 بعد انسحاب المعارضة من انتخابات 2010 المزوّرة بالكامل، لكن المشكلة أن الوضعين، الداخلي والخارجي، تغيرا تماماً. داخلياً، تعرّض المجتمع للإنهاك والترويع، كما أن القوى الأمنية موحدة كما لم تكن من قبل، ومستعدة مادياً ومعنوياً كما لم تكن من قبل. وخارجياً يُهملنا العالم كما لم يكن من قبل، إلى حد تجاهل وزارة الدفاع الأميركية التعليق، ولو ببيان، اختطاف صديقها المقرّب حتى سنوات قليلة.
لكن، في النهاية، هذا هو المسار الذي حُسم وأصبح (للمفارقة) موضع إجماعٍ من المعارضة المصرية، وهي التي ربما لم تجتمع على شيء منذ سنوات كاجتماعها اليوم. ومن يدري، فلمصر تجارب عديدة في إبهار نفسها قبل غيرها. ومن كان يتخيل مساء يوم 24 يناير ما سيحمله اليوم التالي؟