يحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فرض سيطرته التامة على كل مفاصل ومؤسسات الدولة، عبْر التوسع في اختصاصاته، بتعيين وعزْل رؤساء المؤسسات المهمة في الدولة، مثل رؤساء الهيئات القضائية أو الرقابية.
ووافق مجلس النواب، الاثنين الماضي، على تعديل ضوابط تعيين رؤساء الهيئات القضائية، بحيث يكون الاختيار من بين ثلاثة نواب لرئيس الهيئة بناء على الترشيح، وهو ما يناقض عُرف "الأقدمية" الذي كانت تعتمده تلك الهيئات في اختيار رئيسها.
البرلمان وافق على التعديلات المقترحة، على الرغم من إعلان الهيئات القضائية رفضها لهذه التعديلات تماماً، وسط حالة من الغضب في صفوف القضاة.
واعتبر مراقبون، أنّ هذه المحاولات تقضي على استقلالية القضاء، وتُظهر رغبة السيسي في الهيمنة، واختيار الشخصيات التي تكنّ للنظام الحالي الولاء واستبعاد ما دون ذلك.
وكشفت مصادر قريبة من دوائر اتخاذ القرار، لـ"العربي الجديد"، عن موافقة جهات سيادية في الدولة، على المُضي قدماً في تمرير تعديلات تعيين رؤساء الهيئات القضائية.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إنّه "عقب رفْض الهيئات القضائية لهذه التعديلات، رأت تلك الأجهزة إرجاء تمريرها بشكل مؤقت، ثم خرجت فجأة موافقة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب برئاسة بهاء أبو شقة".
وأوضحت أنّه تمّ تمرير التعديلات بشكل سريع للغاية، عما هو متوقّع في قانون يتعلّق بالقضاء، والأساس تأكيد الاستقلالية وليس التبعية للنظام الحاكم.
وتوقعت المصادر إمكانية إلغاء هذه التعديلات، بناء على طلب بعض النواب إعادة المناقشة مرة أخرى، مشيرة إلى أنّ التصويت قد يخرج برفضها، ومتسائلة عما إذا كان كل هذا يتوقف على موقف القضاة، واحتمال اتخاذهم خطوات تصعيدية، خلال الأيام المقبلة.
وفي السياق ذاته، قالت مصادر سياسية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أبو شقة لعب دوراً كبيراً في إقناع أعضاء لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، بضرورة تمرير تعديل ضوابط اختيار رؤساء الهيئات القضائية".
وكشفت المصادر، أنّ أغلب أعضاء لجنة الشؤون الدستورية، كانوا "أكثر ميلاً لإغلاق ملف التعديلات بعد رفْض الهيئات القضائية لها، إلا أنّ أبو شقة ضغط لتمرير الموافقة عليها، بدعوى إصلاح المنظومة القضائية".
ولم تستبعد المصادر، أن يكون مقترح تعديل طريقة تعيين رؤساء الهيئات القضائية صادراً عن أبو شقة، بينما أوكل لوكيل اللجنة أحمد حلمي الشريف تقديمه إلى مجلس النواب باسمه.
وكشفت أنّ أبو شقة، في جلساته الخاصة مع عدد من النواب والشخصيات العامة، كان دائم الحديث عن ضرورة تعديل ضوابط اختيار رؤساء الهيئات، حتى قبل تقديم المقترح من الشريف.
ولفتت إلى أنّ رؤية أبو شقة، تلاقت مع موافقة أجهزة سيادية في الدولة عبر ائتلاف "دعم مصر" لتمرير هذه التعديلات، لمنع وصول بعض القضاة إلى رئاسة الهيئات، مثل يحيى دكروري وهو أحد نواب رئيس مجلس الدولة، وأحد المرشحين لتولي رئاسة مجلس الدولة، وبرز اسمه بعد الحكم التاريخي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتي تقضي بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير.
وأشارت إلى أنّ نواب رئيس محكمة النقض، يُعتبرون من الشخصيات المشهود لهم بالنزاهة، ورفض أي تدخلات خارجية على القضايا التي تنظرها المحكمة، هو أمر لا يريده السيسي مطلقاً.
وقال الخبير السياسي محمد عز، إنّ محاولات السيسي للهيمنة على كل مؤسسات الدولة لا تتوقف، وسط الانصياع التام لكل أوامره.
وأوضح عز لـ"العربي الجديد"، أنّ أحد العوامل في مسألة تعديل ضوابط تعيين رؤساء الهيئات القضائية؛ هو حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وما ترتّب عليه من توتر العلاقات بشدة بين البلدين.
ولفت إلى أنّ حديث السيسي، خلال لقائه بالشخصيات العامة والنواب والإعلاميين في القصر الجمهوري، وقوله إنّه لا يريد الحديث في هذا الأمر مرة أخرى، يمكن أن يتوقع معه أنّ تعديل ضوابط تعيين رؤساء الهيئات القضائية، تم بموافقة السيسي نفسه.
ولفت إلى أنّ النظام الحالي، لديه أزمة أيضاً مع محكمة النقض، بسبب إعادة المحاكمات الخاصة بـ"جماعة الإخوان المسلمين"، بعد إلغاء أحكام كثيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو أمر لا يرضى به السيسي، وعبّر عنه في أكثر من مناسبة تحت شعار "بطء الإجراءات".
ورأى عز، أنّ "السيسي لا يريد أن ينازعه أحد حكمه، والقضاء أحد أضلاع الحكم في مصر، وبالتالي يريد النظام الحالي ضمان السيطرة التامة".
ودخلت على خط أزمة تعيين رؤساء الهيئات القضائية، رغبة النظام الحالي عبر ائتلاف "دعم مصر" بإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات، بحسب عز، وهو ما ينذر بوجود رغبة في التلاعب بأيّ انتخابات، وفق قوله.