أصدرت 19 منظمة حقوقية، بياناً مشتركاً، أمس الأربعاء، أعربت فيه عن بالغ قلقها إزاء بدء إجراءات التحقيق مع القاضيين عاصم عبدالجبار وهشام رؤوف، واستدعاء الحقوقي نجاد البرعي للاستجواب في ثلاث جلسات كانت آخرها الاثنين 1 يونيو/حزيران، وذلك على خلفية تقديمهم مشروعا لمكافحة جريمة التعذيب.
واعتبرت المنظمات أنّ "مثل تلك الاتهامات تستهدف ملاحقة قضاة مستقلّين، يتبنّون رؤى لإصلاحات تشريعية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وتنبئ بأن الجهود الإصلاحية داخل منظومة العدالة قد تواجه بالإحالة الجبرية إلى المعاش. كما ترى المنظمات أن اعتبار المجموعة المتحدة كيانا غير شرعي، يأتي في إطار الهجوم غير المسبوق، الذي تقوده الإدارة الحالية، لمحاصرة الكيانات المدنية، التي تستهدف إصلاح الوضع الحقوقي والقانوني المتدهور في مصر، بما في ذلك مكاتب المحاماة العريقة التي تجاوز عمرها 74 عامًا".
وكانت المجموعة المتحدة قد عقدت ورشة خبراء في 11 مارس/آذار الماضي، لعرض ومناقشة مشروع قانون، تم إعداده بمشاركة خبراء قانونيين ومستشارين، من بينهم القاضيان هشام رؤوف وعاصم عبدالجبار المشرفان على صياغة المشروع، لمكافحة جريمة التعذيب في القانون المصري، بما يتفق مع نصوص الدستور، ويتماشى مع المعايير الدولية، ويتوافق مع التوصيات التي أقرت مصر بقبولها أثناء جلسة الاستعراض الدوري الشامل لملفها الحقوقي أمام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
وبعد أن أرسلت المجموعة المتحدة نص مشروع القانون إلى وزارات الدولة المعنية، ومنها وزارة العدل، فضلاً عن إرساله إلى رئاسة الجمهورية، للنظر فى إصداره، فوجئ القاضيان عاصم عبدالجبار وهشام رؤوف، المشاركان في إعداد القانون بأخبار صحافية، تؤكد، نقلاً عن مصادر قضائية، ندب قاض للتحقيق معهما، على خلفية مشاركتهما في إعداد مشروع القانون، وفي ورشة الخبراء التي نظمتها المجموعة المتحدة.
على إثره، تلقى المحامي نجاد الرعي، مدير المجموعة المتحدة، طلبا من محكمة شمال الجيزة بالحضور يوم 16 مايو/أيار 2015 لسماع أقواله ضمن التحقيقات الجارية مع القاضيين هشام رؤوف وعاصم عبدالجبار، والمتهمين بالتعامل مع منظمة غير شرعية، إشارة إلى المجموعة المتحدة التي يديرها المحامي نجاد البرعي.
وكانت المجموعة المتحدة قد قدمت، خلال العام ونصف العام المنصرم، حوالى 163 بلاغًا حول 465 ادعاء بالتعذيب داخل أماكن الاحتجاز، إلا أنّ النيابة العامة لم تتعاط مع تلك البلاغات على النحو والسرعة المطلوبة، الأمر الذي دفع بالمجموعة المتحدة إلى تقديم عدد من الشكاوى لإدارة التفتيش القضائي، لضمان سرعة إجراء التحقيقات.
في المقابل، فإن التحقيقات السريعة والجدية الوحيدة التي تم اتخاذها في هذا الأمر، هي التحقيقات التي يجريها قاضي التحقيق مع القاضيين ومع نجاد البرعي، وكأن الرسالة غير المباشرة من هذا الأمر، هي أن التحقيقات تتم فقط وعلى وجه السرعة مع كافة المتطلعين إلى تحسين البيئة التشريعية المصرية، في حين يظل مرتكبو جرائم التعذيب بمنأى عن العقاب،
فالدولة، وعلى رأسها المؤسسة القضائية، لا ترى جريمة في قيام الموظفين المعنيين بإنفاذ القانون بالتعذيب، بينما تعتبر الجريمة التي تستوجب التحقيق هي تقديم البلاغات ضدهم أو تقديم معالجات قانونية لإنهاء جرائم التعذيب التي لا تسقط بالتقادم، بموجب الدستور.
اقرأ أيضا:التحقيق مع حقوقي مصري جهز قانونًا لـ"مكافحة التعذيب"
ورأت المنظمات الموقعة على البيان "أن بدء إجراءات التحقيق مع القاضيين عاصم عبدالجبار وهشام رؤوف، هو تنكيل بهما، بسبب مواقفهما المعلنة بشأن استقلال السلطة القضائية، ومطالبهما المستمرة بوقف عملية تسييس القضاء على نحو يقوض العدالة، بما في ذلك مساعيهما وغيرهما، في وقت سابق، من أجل إصدار قانون جديد للسلطة القضائية يضمن استقلاليتها"، كما اعتبرت المنظمات أن "اتهامهما بالتعاون مع منظمة غير شرعية، هو اتهام هزلي يخفي رغبة مضمرة بالتنكيل بهما".
تمثل المجموعة المتحدة مكتب محاماة عريقا، يمتد تاريخه لنحو 74 عامًا، ويعتبر أحد أهم بيوت الخبرة القانونية في مصر، إذ يقوم، بجانب عمل المحاماة، بأنشطة قانونية عدة، تشمل الأبحاث القانونية والمقترحات القانونية لتحسين البيئة التشريعية في مصر، شأنه شأن غيره من مكاتب المحاماة في مصر والعالم. فضلاً عن أنه من الطبيعي أن يتعاون القضاة والمحامون سويا من أجل خدمة القانون والدستور، وبحث سبل تفعيل الضمانات الدستورية التي تحمي حقوق الإنسان. لكن الغريب هو اعتبار مكتب محاماة مؤسسة غير شرعية، يحظر على القضاة التعامل معها. إذ نعتبر أن مثل هذا الاتهام يأتي في إطار المحاولات الحثيثة بتجريم وحظر وملاحقة أي مؤسسة تقوم بنشاط له صلة بحقوق الإنسان.
وأكدت المنظمات الموقعة أن مشاركة القضاة في الحياة العامة ليست جريمة تستوجب العقاب، لا سيما إذا جاءت مشاركتهم في أمر وثيق الصلة بعملهم، باعتبارهم خبراء قانونيين، ولكن الجريمة الحقيقية هي هذا التقويض المنهجي لمنظومة العدالة. وكأن ثمة اتفاقا شبه معلن على غض الطرف عن الأحكام الجماعية بالإعدام أو بالمؤبد، بل أصبح مألوفاً أن يعلن القضاة عن آرائهم ومواقفهم السياسية، التي تتصل بقضايا ينظرونها، من على منصة المحكمة، أو عبر وسائل الإعلام، طالما كان في هذا الرأي أو الموقف تأييد للإدارة الحاكمة في مصر الآن.
كذلك، دعت، الحكومة المصرية، إلى احترام الدستور، واحترام تعهداتها الدولية، والعمل على تعديل التشريعات، بما يضمن ملاحقة سريعة وحاسمة لمرتكبي جرائم التعذيب. كما تحثها على الإيقاف الفوري للتحقيقات مع القاضيين هشام رؤوف وعاصم عبدالجبار، وإظهار التزامها الصارم باحترام حرية القضاة فى التعبير، وضمان استقلال السلطة القضائية ورجالها، والتعاون الإيجابي والفعال مع المؤسسات التى تعمل من أجل اتساق البيئة التشريعية المصرية مع المواد أرقام 51، 52، 55، 99، من الدستور المصري، والتي تعتبر التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم وتحظره بكافة أشكاله، بل وتعطي الحق للمجني عليه فى اللجوء مباشرة إلى القضاء بدعواه، مع التزام الدولة بتعويض عادل له.
كما دعت المنظمات الموقعة، الدولة إلى الالتزام بنص المادة 93 من الدستور، والتي تجعلها ملتزمة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتجعل لتلك المواثيق قوة القانون.
اقرأ أيضا:مصر: إضراب نقابة المحامين ضد اعتداءات "الداخلية"