لاقت تصريحات وزير الأوقاف في مصر الدكتور محمد مختار جمعة القائلة بضرورة تنظيم النسل في البلاد لمواجهة الظروف الاقتصادية السيئة، اعتراضات من قبل بعض المصريين. وقد شدد هؤلاء على أنّ الوزارة غير معنية بهذا الموضوع وأنّ تنظيم النسل هو من اختصاصات وزارة الصحة وليس الأوقاف، في حين أشاروا إلى أنّ الوزير يُقحم نفسه في قضايا سياسية ودينية أحدثت بلبلة في الشارع المصري بهدف ضمان استمراريته في المنصب وتأكيد وجوده في الساحة للقيادة المصرية.
وتستعد وزارة الأوقاف لتنظيم ندوات دينية في المساجد بعدد من المحافظات، خصوصاً محافظات الصعيد، داعية إلى تحديد النسل، وكذلك في أندية رياضية بالتعاون مع وزارة الشباب. يأتي ذلك إلى جانب خطب الجمعة، خصوصاً في القرى، ولقاءات تلفزيونية يشارك فيها علماء دين تابعون للوزارة بهدف حثّ الناس على تحديد النسل وتوعيتهم حول خطورة كثرة الإنجاب.
ويأتي موقف وزير الأوقاف استكمالاً لتصريحات مماثلة تحمّل الزيادة السكانية مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. فرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي انتقد في أكثر من مرة المصريين بسبب زيادة عددهم، مشدداً على مخاطر الزيادة السكانية وانعكاساتها على النموّ الاقتصادي، في حين رأت تقارير صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهاز حكومي) أنّ زيادة السكان صارت عبئاً على الدولة التي تمرّ بظروف صعبة مؤكدة أنّ ولادة جديدة تسجّل كلّ 5.23 ثوانٍ بعدما كانت ولادة جديدة تسجّل كلّ 6.24 ثوانٍ في العام السابق.
في السياق، يطالب أعضاء في مجلس النواب بمشروع قانون حول تنظيم الأسرة يهدف إلى مكافحة الزيادة السكانية، وينصّ على عدم استفادة الطفل الثالث من الدعم من مجالات التعليم والصحة والتموين وغيرها. وهو الأمر الذي يرفضه عدد من النواب ومن علماء الدين الذين يعدّون هذا القانون مخالفة للدستور، إذ إنّه سوف يحرم الطفل الثالث من حقوق كفلها له ذلك الدستور. كذلك، يرى هؤلاء أنّ الأسر الفقيرة فقط هي التي سوف تلتزم به نظراً إلى حاجتها إلى الدعم، في حين أنّ الأسر الغنية سوف تضرب به عرض الحائط.
الداعية سامح عبد الحميد من بين الذين انتقدوا تصريحات وزير الأوقاف بشأن تحديد النسل، مؤكداً أنّ زيادة النسل ليست بالضرورة سبباً في الفقر أو زيادة العبء الاقتصادي على الدولة. ويشرح أنّ ثمّة دولاً تضمّ أعداداً سكانية هائلة وعلى الرغم من تلك الكثافة فهي من أغنى دول العالم وتعيش رخاءً اقتصادياً، في حين أنّ أخرى ذات كثافة سكانية أقلّ تواجه شبح المجاعة والفقر. وتوجّه إلى جمعة قائلاً إنّ "الأرزاق بيد الله يا وزير الأوقاف"، مشيراً إلى الصين التي تجاوز عدد سكانها المليار نسمة والتي تُعدّ من أغنى دول العالم، فضلاً عن دول كثيرة في أفريقيا وغيرها. وإذ شدّد عبد الحميد على أنّ الفقر والغنى غير مرتبطَين بعدد السكان، رأى أن "تحديد النسل خوفاً من ضيق الرزق لا يجوز، لأنّ الرزق بيد الله عز وجل، فهو الذي قدّر الآجال والأرزاق، وما من مولود يولد إلا وقد قدّر له رزقه كما قدّر له أجله".
من جهته، يقول أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر الدكتور إبراهيم عبد الشافي إنّ "هذه الدعوات مخالفة للشريعة الإسلامية"، مشدداً على أنّه "لا يجوز وفقاً لنصوص الدستور إجبار أحد على تحديد النسل، وأنّه لا يجوز من الناحية الشرعية والفقهية سنّ أيّ قوانين أو تشريعات لتحديد النسل، ولا يجوز إجبار أسرة بعينها على عدد محدد من الأفراد، لأنّ إنجاب الذرية يحدث بمشيئة الله". وشدّد لـ"العربي الجديد" على أنّ "الحكومة في حال إصدارها قرارات بتحديد النسل أو قوانين لمعاقبة المخالفين، سوف تكون كمن يتدخل في إرادة الله سبحانه وتعالى، ولا يصحّ أن يصدر قانون يحدّد النسل أو حتى يفرض عقوبة على الممتنعين عن الالتزام بهذه الأمور".
إلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي وائل النحاس إنّ "النموّ السكاني ليس سبباً للتدهور الاقتصادي الذي تعيشه مصر في الفترة الأخيرة وإنّ عدد السكان لا يمثّل مشكلة على الإطلاق في مصر"، لافتاً إلى أنّ "المشكلة الأساسية هي في هدر الموارد البشرية الهائلة وعدم الاستفادة منها بطريقة صحيحة عبر توظيفها في قطاعات اقتصادية مناسبة مثلما فعلت دول عدّة حول العالم". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "الأنظمة الفاشلة تتذرع دائماً بالزيادة السكانية لتبرير التدهور الاقتصادي. ولو أنّ أنظمة الحكم المتعاقبة وضعت خططاً طويلة الأمد منذ عشرات السنين لإعادة توزيع السكان بشكل مناسب على المساحة الجغرافية للدولة، لما اشتكينا من التكدس والزيادة السكانية مثلما يحدث اليوم".