قال خبراء اقتصاد ومتعاملون في سوق الصرف المصرية "إن حالة عدم الشفافية والضبابية حول حجم الدعم الخليجي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تسببت في حالة إرباك للسوق الصرف، ورغم الإعلان عن حصول مصر رسمياً على ملياري دولار من السعودية لدعم الاحتياطي النقدي، إلا أن ذلك لم يؤثر على السوق السوداء، وما زالت أسعار الدولار تتداول عند 15.60 جنيها".
وأرجع خبراء تأخر الحكومة المصرية عن إعلان الحصول على وديعة بقيمة ملياري دولار من السعودية، إلى أسباب عدة، أهمها أن تكون هذه الوديعة تم الاتفاق عليها ولم تدخل البنك المركزي المصري، أما السبب الثاني فهو الحصول على الوديعة وعدم الإعلان عنها حتى لرفع الأسعار في السوق السوداء، وبالتالي حين يتم التخفيض أو التعويم للجنيه المصري يكون لدى الحكومة مبرر منطقي، أما السبب الثالث، بحسب الخبراء، يعود إلى أن مصر اتفقت مع السعودية، ولم تدخل الأموال حتى الآن، وأن الإعلان عنها في الوقت الحالي يأتي لتهدئة السوق السوداء".
وقال رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل، لـ"رويترز"، يوم الخميس، إن مصر تسلمت وديعة بملياري دولار من السعودية في سبتمبر/أيلول.
غموض كبير
وكانت وسائل إعلام مختلفة قد نقلت عن مسؤولين في البنك المركزي، أمس، أن مصر تسلمت وديعة بملياري دولار من المملكة، ما أثار ارتباكاً لدى مراقبي الشأن المصري والسعودي، إذ تأتي مساعدات كهذه وسط توترات سياسية بين البلدين، لكن التوقيت الذي وصلت فيه الوديعة (سبتمبر/أيلول) يكشف الغموض الحاصل، وهو أنها دخلت مصر قبل الأزمة التي تصاعدت حدتها الأسبوع الحالي فقط.
وقال عضو شعبة الصيرفة بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، محمد رضوان، في تصريحات خاصة:" لم تفلح الوديعة السعودية وقبلها رفع الاحتياطي النقدي إلى 19.5 مليار دولار، في كبح جماح الدولار بالسوق السوداء، وما زال سعر الدولار يتداول عند 15.60 و15.70 جنيها".
وأشار إلى أن حالة الغموض التي تعيشها سوق الصرف تسببت في انتشار التفسيرات والتأويلات التي لا يمكن نفيها ولا تأكيدها في الوقت نفسه.
وأضاف أن "إعلان الحكومة عن تخفيض الجنيه رسمياً تسبب في ارتفاعات كبيرة، وصلت لأكثر من 7 جنيهات فارقاً بين السوق الرسمية والموازية، لافتا إلى أن الإجراء الوحيد الذي من شأنه أن يكسر حدة الارتفاعات بالسوق السوداء، هو الإعلان عن عطاء استثنائي بقيمة ملياري دولار على الأقل لتلبية الطلبات العالقة، خاصة للأدوية ومستلزمات الإنتاج والسلع الغذائية".
وقال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، في تصريحات خاصة: "إن إعلان مصر الحصول على ملياري دولار من السعودية في هذه التوقيت، يثير أكثر من علامة استفهام، مشيراً إلى أنه قد تكون هذه الوديعة لم تصل فعلياً، وأن تعليق شريف إسماعيل لتهدئة السوق السوداء، وتحسين وتهدئة الأجواء بين السعودية ومصر"، إذ وبحسب عبد المطلب، يجب أن يعلن البنك المركزي وصول الوديعة، وليس رئيس الوزراء، لأن البنك المركزي المصري وفقا للقانون والدستور لا يخضع لولاية الحكومة، وبالتالي لا يحق لرئيس الوزراء أن يؤكد أو ينفي دخول ودائع للبنك المركزي".
وتفجّرت الخلافات المكتومة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والسعودية، والتي نشرت "العربي الجديد" تفاصيل عديدة عنها، علناً لأول مرة، السبت الماضي، بعد تصويت مصر لصالح مشروعي قرارين متناقضين بشأن الأحداث الدامية في مدينة حلب السورية؛ أحدهما تبنته فرنسا وإسبانيا، وحظي بقبول السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، والثاني تبنته روسيا، وعارضته جميع الدول المذكورة.
وعلقت السعودية إمداداتها البترولية المتعاقد عليها لمصر لشهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وعزت مصادر سعودية ذلك القرار إلى توجيهات سياسية عليا، مما اضطر مصر إلى التباحث مع دول أخرى، كالكويت والإمارات والجزائر، لتوفير احتياجاتها البترولية.
وأضاف عبد المطلب أن"السبب الثاني في عدم الإعلان، يعود سببه إلى وجود مؤامرة فعلية على الجنيه المصري، وأن التعتيم علي هذه الوديعة هو بغرض استفحال السوق السوداء، وخلق أزمة كبرى في سوق الصرف، وإفلاس عدد غير قليل من صغار التجار وأصحاب المشروعات الصغيرة، بالإضافة إلى اختفاء عدد من السلع من السوق المصرية مثل السكر على سبيل المثال، وبذلك يكون المواطن المصري قابلا لقرار تعويم الجنيه ورفع الدعم كليا عن الوقود، وهما القضيتان اللتان تهددان أو تعطلان حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي".
وحول توتر العلاقات بين مصر والسعودية، قال: "تعاني السعودية من عجز كبير بالموازنة، وطالبت من الشركات العاملة بتقديم خصم 30% لدعم الاقتصاد السعودي، كما أصدرت سندات بالريال للسوق المحلية لتغطية العجز، ودخلت كمستدين لأول مرة في السوق العالمية بسعر فائدة، وهذا يؤكد وجود مشكلة مالية حقيقية لدى السعودية".
وتأتي الوديعة السعودية لمصر، في وقت تسعى المملكة لتسويق أول سندات من المقرر أن تطرحها في الأسواق الدولية، خلال الفترة المقبلة، بهدف اقتراض 10 مليارات دولار.
وحسب مصادر سعودية، فمن المقرر أن يعقد المسؤولون السعوديون لقاءات مع المستثمرين في لندن، اليوم الخميس، تليها اجتماعات لمدة ثلاثة أيام في الولايات المتحدة، تُختتم في 18 أكتوبر/تشرين الأول في نيويورك.
وسيتم خلال هذه الاجتماعات مناقشة خطة السعودية لإصدار سندات مقومة بالدولار بشرائح لأجل 5 أعوام و10 أعوام و30 عاماً.
وأعلن البنك المركزي المصري في وقت سابق من هذا الشهر، عن ارتفاع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 19.582 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول من 16.564 مليار دولار في نهاية أغسطس/آب.
وكانت مصر قد تلقت مليار دولار من البنك الدولي في سبتمبر/أيلول، وهو ما يمثل الشريحة الأولى من قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
وقدمت السعودية ودول خليجية أخرى مليارات الدولارات لمصر بعد الانقلاب العسكري على الرئيس الأسبق محمد مرسي، في يوليو/تموز 2013.
وأرجع الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق، في تصريحات خاصة، غموض موقف مصر حول تأخير الإعلان عن الوديعة السعودية، إلى أنه لم يكن قد تم التحويل، وأن الإعلان الآن في هذا التوقيت يأتي لتهدئة العلاقات المتوترة بين مصر والسعودية، أو أن السعودية قد تكون تلكأت في إرسال الوديعة لعدم حسم جزيرتي تيران وصنافير، وعدم تعاون مصر مع السعودية في الملف السوري".
ولفت إلى أن الحكومة المصرية والبنك المركزي لا يتمتعان بأي شفافية، ولم يعرف الخبراء والمحللون من أين ارتفع الاحتياطي النقدي إلى 19.5 مليار دولار، وهل كانت الوديعة التي تم الإعلان عنها الآن؛ وهي مليارا دولار كانت سبب زيادة الاحتياطي أم لا؟
وقال "ما تم تداوله بعد رفع الاحتياطي الى 19.5 مليار دولار، هو حصول مصر على مليار دولار من الإمارات، ومليار آخر من البنك الأفريقي والثالث لا أحد يعرف مصدره، وإذا كانت مصر حصلت على ملياري دولار من السعودية، فلماذا لم يرتفع الاحتياطي إلى 21.5 مليار دولار"؟ مضيفا أن الحكومة المصرية تتعامل بتكتم شديد.