04 نوفمبر 2024
مصر جديدة بعد الاستفتاء
تنتهي اليوم عملية التصويت على التعديلات الدستورية في مصر. وبعد ساعات قليلة، ستغلق صناديق التصويت، وتدخل مصر عهداً جديداً يختلف مضموناً وشكلاً عن المراحل السابقة، خصوصاً تلك التي تلت ثورة يناير 2011، فالتغيير الذي سيحدث في مصر أعمق وأوسع كثيراً من نطاقه الدستوري والقانوني المباشر.
لم تشهد السنوات الثلاث التي تلت ثورة يناير أي عملية انتقالية حقيقية، وإنما كانت سنوات احتضار ومقاومة من نظام قديم، واستباق وإجهاض لثورة وليدة، ثم بدأت المرحلة الانتقالية الحقيقية منذ 2014، حيث شهدت السنوات الخمس الماضية حزمة إجراءاتٍ تكتيكيةٍ وخيوطٍ متوازية، بدأت تتجمع أخيرا لتدشن العهدة السياسية الجديدة.
وبدا واضحاً أن نظام الحكم وإدارة الدولة في مصر يخضع لتحول جوهري، خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة بين مؤسساته. ويبدو أن عملية التحول نضجت بما يكفي لتأطيرها وتثبيتها دستورياً.
المعنى أن التعديلات الدستورية الجديدة في مصر هي مجرد تقنين و"دسترة" لمنظومةٍ لها سماتها وميكانيزماتها الخاصة بها. وأياً ما كانت الانتقادات التي وجهت لطريقة إعداد التعديلات وإخراجها برلمانياً، وترويجها إعلامياً، فإنها تظل نتاج بيئتها وموازين القوة في المجتمع الذي أفرزها.
حملت التعديلات الدستورية جديداً في ثلاثة جوانب شديدة الأهمية والخطورة، فهي تضرب مبدأ الفصل بين السلطات، وتعيد صياغة العلاقات بين مؤسسات الدولة وأركانها الرئيسة، بحيث يتغير ميزان القوة فيما بينها، وتصبح السيطرة شبه الكاملة للسلطة التنفيذية، وتحديداً مؤسسة الرئاسة، على ما عداها من سلطات.
ولا يقف الأمر عند هيمنة مؤسسة الرئاسة، واحتكارها النفوذ على بقية السلطات، لكنه يمتد إلى التدخل في تشكيل عمل كل منها وآلياته، باكتساب الحق في اختيار رؤساء الهيئات والجهات
القضائية، من بين خمسةٍ لكل منها، يرشحهم مجلس أعلى للهيئات القضائية، هو نفسه يتبع مباشرة لرئيس السلطة التنفيذية.
وفي السياق ذاته، تضمّنت التعديلات استحداث غرفة برلمانية ثانية، تحمل اسم "مجلس الشيوخ"، لم تتحدد خصائصها ولا صلاحياتها ولا كيفية تشكيلها أو أي ضوابط تتعلق بها. وتقرر أيضاً إعادة تشكيل الغرفة الأولى "مجلس النواب"، وتغيير تركيبة العضوية فيها، بتوسيع نطاق التمييز العمدي، وفرض نسب تمثيلية معينة لطوائف وفئات اجتماعية بعينها. ولا يخفى الأثر المجتمعي السلبي والدلالة السياسية الخطيرة لاعتماد مبدأ المحاصصة على حساب المواطنة.
على المسار الثاني، تضع التعديلات أساساً دستورياً لدور سياسي جوهري وحاسم، تلعبه المؤسسة العسكرية إذا اقتضت الضرورة، وهو دور الضامن لاستمرار النظام السياسي وفق القواعد الحالية، والمحافظ على ملامح شبه ثابتة لنظام الحكم وتوجهاته وتركيبته.
أخيراً، بإقرار تلك التعديلات، تم كسر قاعدة "حرمة" الدستور و"حصانته"، فقد نص الدستور صراحة على تحصين مواد معينة ضد التعديل "إلا بمزيد من الضمانات"، فإذا بالتعديلات تخالف هذا النص الذي يُفترض أنه الأصل والملزم. ومكمن الخطورة هنا أن المخالفة الدستورية لا تتعلق بالمحتوى، وإنما بمبدأ قبول التراجع عما سبق إقراره، وتعديل ما حرص واضعو الدستور على تحصينه، فهذا وحده يسقط عن الدستور فكرة الحصانة، ويخلع عنه الحرمة القانونية التي يفترض أنها السمة الجوهرية فيه، والخصيصة المميزة له عن بقية القوانين والأطر المنظمة لحياة المجتمع.
الخلاصة أن التعديلات الدستورية تؤذن بمرحلةٍ لم تعرفها مصر من قبل، والتداعيات المستقبلية التي ستترتب على تلك التعديلات، أهم وأخطر من كونها تعبيرا عن الوضع الحالي الذي تمت في سياقه، فهي ليست فقط عملية كاشفة لما هو قائم، بل أيضاً مُنشئة لأوضاع جديدة في الحياة السياسية المصرية. لا تتشابه مع ما درجت عليه سابقاً، سوى في تأكيد استبعاد المجتمع من عملية إدارة الدولة، وتهميشه في العلاقة بين المؤسسات الحاكمة.
وبدا واضحاً أن نظام الحكم وإدارة الدولة في مصر يخضع لتحول جوهري، خصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة بين مؤسساته. ويبدو أن عملية التحول نضجت بما يكفي لتأطيرها وتثبيتها دستورياً.
المعنى أن التعديلات الدستورية الجديدة في مصر هي مجرد تقنين و"دسترة" لمنظومةٍ لها سماتها وميكانيزماتها الخاصة بها. وأياً ما كانت الانتقادات التي وجهت لطريقة إعداد التعديلات وإخراجها برلمانياً، وترويجها إعلامياً، فإنها تظل نتاج بيئتها وموازين القوة في المجتمع الذي أفرزها.
حملت التعديلات الدستورية جديداً في ثلاثة جوانب شديدة الأهمية والخطورة، فهي تضرب مبدأ الفصل بين السلطات، وتعيد صياغة العلاقات بين مؤسسات الدولة وأركانها الرئيسة، بحيث يتغير ميزان القوة فيما بينها، وتصبح السيطرة شبه الكاملة للسلطة التنفيذية، وتحديداً مؤسسة الرئاسة، على ما عداها من سلطات.
ولا يقف الأمر عند هيمنة مؤسسة الرئاسة، واحتكارها النفوذ على بقية السلطات، لكنه يمتد إلى التدخل في تشكيل عمل كل منها وآلياته، باكتساب الحق في اختيار رؤساء الهيئات والجهات
القضائية، من بين خمسةٍ لكل منها، يرشحهم مجلس أعلى للهيئات القضائية، هو نفسه يتبع مباشرة لرئيس السلطة التنفيذية.
وفي السياق ذاته، تضمّنت التعديلات استحداث غرفة برلمانية ثانية، تحمل اسم "مجلس الشيوخ"، لم تتحدد خصائصها ولا صلاحياتها ولا كيفية تشكيلها أو أي ضوابط تتعلق بها. وتقرر أيضاً إعادة تشكيل الغرفة الأولى "مجلس النواب"، وتغيير تركيبة العضوية فيها، بتوسيع نطاق التمييز العمدي، وفرض نسب تمثيلية معينة لطوائف وفئات اجتماعية بعينها. ولا يخفى الأثر المجتمعي السلبي والدلالة السياسية الخطيرة لاعتماد مبدأ المحاصصة على حساب المواطنة.
على المسار الثاني، تضع التعديلات أساساً دستورياً لدور سياسي جوهري وحاسم، تلعبه المؤسسة العسكرية إذا اقتضت الضرورة، وهو دور الضامن لاستمرار النظام السياسي وفق القواعد الحالية، والمحافظ على ملامح شبه ثابتة لنظام الحكم وتوجهاته وتركيبته.
أخيراً، بإقرار تلك التعديلات، تم كسر قاعدة "حرمة" الدستور و"حصانته"، فقد نص الدستور صراحة على تحصين مواد معينة ضد التعديل "إلا بمزيد من الضمانات"، فإذا بالتعديلات تخالف هذا النص الذي يُفترض أنه الأصل والملزم. ومكمن الخطورة هنا أن المخالفة الدستورية لا تتعلق بالمحتوى، وإنما بمبدأ قبول التراجع عما سبق إقراره، وتعديل ما حرص واضعو الدستور على تحصينه، فهذا وحده يسقط عن الدستور فكرة الحصانة، ويخلع عنه الحرمة القانونية التي يفترض أنها السمة الجوهرية فيه، والخصيصة المميزة له عن بقية القوانين والأطر المنظمة لحياة المجتمع.
الخلاصة أن التعديلات الدستورية تؤذن بمرحلةٍ لم تعرفها مصر من قبل، والتداعيات المستقبلية التي ستترتب على تلك التعديلات، أهم وأخطر من كونها تعبيرا عن الوضع الحالي الذي تمت في سياقه، فهي ليست فقط عملية كاشفة لما هو قائم، بل أيضاً مُنشئة لأوضاع جديدة في الحياة السياسية المصرية. لا تتشابه مع ما درجت عليه سابقاً، سوى في تأكيد استبعاد المجتمع من عملية إدارة الدولة، وتهميشه في العلاقة بين المؤسسات الحاكمة.