واصل النظام المصري إجراءاته التصعيدية ضد معارضيه، في محاولة منه لإجهاض أية تحركات شعبية رافضة لقرارات زيادة أسعار المحروقات والكهرباء المقررة في الأول من يوليو/ تموز المقبل، وإسكات أصوات القوى السياسية المناوئة لاتفاقية تنازله عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية، أملاً في عدم دفعها بمرشح في الانتخابات الرئاسية منتصف عام 2018.
في هذا السياق، ارتفعت وتيرة الاعتقالات الأخيرة في مصر، بعد القبض على الناشط اليساري، كمال خليل، واقتحام الشرطة لمنزل مساعد وزير الخارجية السابق، معصوم مرزوق، من دون القبض عليه. فتجاوزت بالتالي حصيلة الحملة الأمنية بحق الرافضين للتنازل عن الجزيرتين 150 ناشطاً من الأحزاب السياسية، والحركات الشبابية، فيما تجنب العشرات منهم التواجد في منازلهم، خوفاً من اعتقالهم.
واستهدفت حملة الاعتقالات الموسعة في صفوف المعارضة بأغلب المحافظات المصرية "قطع الطريق على أي منافسين محتملين للسيسي في الانتخابات المقبلة"، خصوصاً في ظلّ رغبة عضو هيئة الدفاع عن الجزيرتين، الحقوقي خالد علي، في الترشح للاستحقاق الرئاسي، كأحد البدائل المطروحة أمام القوى المدنية للطرح بمرشح توافقي. إلا أن هناك أصواتاً من داخل القوى المعارضة تنادي بضرورة المقاطعة، انطلاقاً من رفض المشاركة في "مسلسل النظام" لفرض السيسي على المصريين، بما يضفي نوعاً من الشرعية على النظام الحالي، وتكرار سيناريو انتخابات 2014، التي شهدت مقاطعة شعبية واسعة من فئة الشباب، بما وضع النظام في حرج إقليمياً ودولياً.
واعتبر الفريق المؤيد للمقاطعة من داخل قوى المعارضة، أنها "تنزع أي شرعية عن السيسي، وتقطع كل سُبل التسويق لانتخابات ديمقراطية أمام دول العالم، خلافاً للواقع، في ظل صعوبة مواجهة السيسي مع وجود دعم أجهزة الدولة، تحديداً الأمنية والاستخباراتية، بما يجعل من نتيجة الانتخابات أمراً محسوماً سلفاً".
ومن المتوقع أن يقرّ مجلس النواب بجلسته المقررة في 2 يوليو/تموز المقبل، قرار السيسي، بمد حالة الطوارئ في جميع أرجاء البلاد، لثلاثة أشهر جديدة، ابتداءً من العاشر من يوليو، حتى العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لتوفير غطاء دستوري لإجراءات النظام الاستثنائية بحق المعارضين.
مد حالة الطوارئ مجدداً يُنذر بتكرار سيناريو استمرار الطوارئ في شمال سيناء إلى أمد غير معلوم، إذ فرضت للمرة الأولى في أكتوبر 2014، عقب مقتل 30 جندياً، إلا أن نظام السيسي يتحايل على الدستور، بإعلانها ومدها على ستة أشهر، بينما يفوت يوماً واحداً، ويفرض الطوارئ في إعلان جديد لستة أشهر أخرى.
وكانت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" وهي منظمة مجتمع مدني مصرية، أصدرت تقريراً، بمناسبة اقتراب الانتخابات الرئاسية العام المقبل، أكدت فيه أنه "مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وزيادة وتيرة النقاشات بين المعارضين السياسيين حول الأمر والبدائل السياسية المطروحة، ومنها إطلاق وثيقة مبادرة الفريق الرئاسي حول ضمانات خوض الانتخابات الرئاسية العتيدة، كان رد فعل السلطات الأمنية هو شن موجتين واسعتين من القبض على النشطاء السياسيين وأعضاء الأحزاب والحركات السياسية".
وذكرت المفوضية أن "موجة الاعتقالات الأولى بدأت في شهر إبريل/نيسان الماضي، وحصدت 39 سياسياً معارضاً، والثانية في شهر يونيو/حزيران الحالي، عند مناقشة مجلس النواب لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية". وبلغت حصيلة حملة الاعتقالات 190 ناشطاً تم القبض عليهم بين 21 إبريل/نيسان و20 يونيو/حزيران، وما زالت الاعتقالات مستمرة، وأكثرهم قيد الاحتجاز ولم يتم إخلاء سبيلهم حتى تاريخ النشر.
التقرير الصادر عن المفوضية تضمّن أهم ما تم رصده من معلومات عن موجتي الاعتقالات اللتين شهدتهما مصر الفترة الأخيرة. وكشف أنه "تم القبض على العشرات من النشطاء من منازلهم أو من مقار عملهم أو من الشارع في فترة وجيزة، وفي ساعات الفجر الأولى وعرضهم على قطاع الأمن الوطني عبر محافظات مصر من شمالها لجنوبها. وشملت الهجمتان ما لا يقل من 21 محافظة". وهو ما دل على أنها كانت حملة ممنهجة للتنكيل بالنشطاء السياسيين، تحديداً الأعضاء التنظيميين الفاعلين في الأحزاب والحركات السياسية المختلفة".
وذكر التقرير أن "نصيب الأحزاب والحركات الذين تمّ القبض عليهم في الموجة الثانية 55 شخصاً من أصل 151، في مقابل 96 حالة لنشطاء مستقلين أو غير معلوم انتماءاتهم السياسية. واحتلت المراتب الثلاثة الأولى حزب الدستور بإجمالي 17 حالة، يليه حركة "شباب 6 أبريل" بإجمالي 12 حالة. وفي المرتبة الثالثة حزب تيار الكرامة بإجمالي 11 حالة".
كما رصدت المفوضية المصرية في ذلك التقرير تشابه أنماط القبض على النشطاء في الموجتين، وتناول بالتحليل أوجه الشبه والاختلاف بين تلك القضايا، والنقاط الأساسية التي تدور حولها الاتهامات وملابسات القضايا. فكانت أهم الاتهامات التي تم توجيهها من النيابات المختلفة "الانضمام لجماعة إرهابية (الفقرة الثانية من المادة 12 من قانون 94 لسنة 2015)، ونشر شائعات وأخبار كاذبة (المادة 188 من قانون العقوبات)، وتكدير السلم العام (تقرر المادة 102 مكرر من قانون العقوبات عقوبة تكدير السلم العام، بالغرامة والحبس)، والترويج لجريمة إرهابية (المادة 28 من قانون 94 لسنة 2015)، وإهانة رئيس الجمهورية والتحريض ضد مؤسسات الدولة (المادة 179 من قانون العقوبات والتي تعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه لإهانة رئيس الجمهورية)، والتحريض على قلب نظام الحكم (أوردتها المادة 174 من قانون العقوبات بالحبس 5 سنوات). والتحريض على التظاهر (قانون التظاهر 107 لسنة 2013)، والتجمهر والبلطجة (قانون رقم 10 لسنة 1914 وقانون العقوبات)، والجهر بالصياح (مواد 161، 171، 172 من الجرائم التي تقع بواسطة الصحف – قانون العقوبات)".
وانتهى التقرير بمجموعة من التوصيات، والتي تضمنت "الإفراج الفوري وغير المشروط عن المقبوض عليهم خلال النصف الأول من 2017 مع إسقاط التهم المنسوبة إليهم وكذلك بالنسبة لجميع سجناء الرأي في مصر، وتعديل القوانين المجحفة التي تُستغل في ملاحقة النشطاء والسياسيين والمعارضين وعلى رأسها قوانين التجمهر والتظاهر وقوانين مكافحة الإرهاب وقانون الجمعيات الأهلية والمواد السالبة لحرية الرأي والتعبير بقانون العقوبات".
كما أوصت المفوضية بـ"الإيفاء بالالتزامات الدولية تجاه حق المواطنين المصريين في المشاركة السياسية وممارسة الحقوق الانتخابية مع الاقتراب من الانتخابات الرئاسية، وفقاً للمادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بما في ذلك اتخاذ التدابير الإيجابية لضمان التمتع الكامل والفعال على قدم المساواة بالحقوق الانتخابية وحرية الرأي والتعبير والحصول على المعلومات والتجمع وتكوين الجمعيات، لكل المواطنين دون تمييز لأي سبب، وإيقاف الهجمة على النشطاء السياسيين والمضايقات التي تتعرض لها الأحزاب السياسية وكوادرها وأعضاؤها والتوقف عن التربص بهم".