تسلم مجلس النواب المصري، أول من أمس، مشروع قانون أعدته وزارة العدل لتنظيم عمل شركات النقل عبر التطبيقات الإلكترونية، للتغلب على آثار حكم من محكمة القضاء الإداري، الثلاثاء الماضي، بحظر نشاط شركتي "أوبر" و"كريم" العالميتين، وغيرهما من شركات التشغيل المركزي للسيارات الخاصة بنظام الأجرة، وحماية الاستثمارات التي ضختها الشركتان في السوق المصرية، مع ضمان سدادهما الضرائب والرسوم والتأمينات المقررة.
واحتفظ مشروع القانون بالخطوط العريضة للنسخة الأولى التي ظهرت في إبريل/نيسان الماضي، من حيث منح وزراء الداخلية والنقل والاتصالات سلطة تحديد شروط الترخيص للشركات والسائقين المتعاونين معها، وإلزام الشركات بسداد الضرائب والرسوم، وإلزامها بدمج سائقي الأجرة، وتحديد ضوابط لمزاولة السائقين نشاطهم بسياراتهم الخاصة، مع وضع علامات معينة لتمييزها عن باقي السيارات الخاصة أثناء السير.
لكن المشروع يتضمن مادتين مثيرتين للجدل، الأولى تلزم الشركات المرخص لها بأداء الخدمة بإجراء الربط الإلكتروني لقواعد البيانات والمعلومات الخاصة بها مع الجهات المختصة، وذلك على النحو الذي يحدده قرار وزير النقل بالتنسيق مع باقي الجهات المعنية، من دون تحديد ماهية تلك "الجهات المختصة" وكذلك "الجهات المعنية" التي سيتم ربط قواعد بيانات ومعلومات المتعاملين مع الشركة، من سائقين وأصحاب سيارات ومستفيدين من الخدمة. أما المادة الثانية فتلزم الشركات المرخص لها بأداء الخدمة بحماية قواعد البيانات والمعلومات طبقاً للتعليمات والضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير المختص بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ووفقاً لمقتضيات الأمن القومي. كما تلتزم هذه الشركات بأن تكون الخوادم الخاصة بقواعد البيانات والمعلومات داخل حدود جمهورية مصر العربية، وذلك من دون أن تحدد المادة أيضاً ماهية "مقتضيات الأمن القومي" المقصودة.
وكشف مصدر قضائي رفيع المستوى أن المادتين سبق واعترض عليهما الممثلون القانونيون لشركتي "أوبر" و"كريم"، بسبب غموضهما وسماحهما بإمكانية "معرفة البيانات والمعلومات الخاصة بتحركات مستخدمي برامج الاتصال الخاصة بكل شركة". كما تسمح المادتان بـ"رصد التحركات الفردية أو الجماعية، وإمكانية تعقبها"، وذلك كله من دون أن يحدد القانون أوضاعاً معينة يجوز فيها هذا التعقب أو الرصد، ومن دون أن يشترط الحصول على أمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفقاً للدستور. وأضاف أن "الربط الإلكتروني الكامل بين قواعد البيانات الخاصة بالشركتين والأجهزة الأمنية أو الاستخباراتية سيؤدي بالضرورة للمساس بحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، لا سيما أن الدستور الحالي يشترط ظروفاً وإجراءات معينة لإصدار قرارات بالتعقب والمراقبة، بهدف ضمان الحق في خصوصية الأفراد وعدم الاعتداء عليهم". وأشار المصدر إلى أن مجلس الدولة نبه الحكومة خلال مراجعته للمشروع لوجود "شبهة عدم دستورية واضحة" في إلزام الشركات بربط قواعد بياناتها ومعلوماتها مع ما يسمى "الجهات المختصة"، وذلك لأن الحق في الخصوصية، المنصوص عليه في المادة 57 من الدستور، يشمل كل ما يدور في فلكها كالتحركات والتنقلات.
وبالنسبة إلى إجراء حماية قواعد البيانات، قال مصدر آخر في وزارة الاستثمار إن النص بهذه الصورة يجعل وزارة الاتصالات، عملياً، المتحكمة في قواعد البيانات الخاصة بالشركات، الأمر الذي كانت "أوبر" و"كريم" تحاولان تلافيه خلال المفاوضات المطولة التي جمعت الشركتين بممثلي الحكومة، العام الماضي، حفاظاً على خصوصية ممثليها القانونيين وقائدي المناطق وأصحاب السيارات. وسبق أن قال المصدر نفسه، لـ"العربي الجديد"، إن حكم القضاء الإداري يمثل رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب، وإن الحكومة جادة في قوننة أوضاع الشركتين وفتح سوق المنافسة أمام غيرهما.