في الفترة ما بين الخامس عشر من أبريل، حيث انطلقت أولى التظاهرات المنددة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الدولة المصرية والسعودية، وصولاً إلى تظاهرات الخامس والعشرين من الشهر ذاته، والموافق لذكرى تحرير سيناء، ثم ليومين بعدها، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على 1277 فرداً، بتنوع جندري 1170 من الذكور و107 أنثى، بحسب الأرقام التي أعلنتها جبهة الدفاع عن متظاهري مصر، 81 منهم غير معلوم مكان استيقافه، و619 أخلي سبيلهم، بينما وجّهت الاتهامات لعدد أفراد بلغ 577 معتقلاً.
عدد ليس بقليل من هذه الحالات تم اعتقاله في حملات مداهمة عشوائية على المقاهي بمنطقة وسط البلد بالقاهرة وعدد آخر من باقي المحافظات قبيل تظاهرات 25 أبريل، فيما اعتبره إعلاميون وحقوقيون جنوناً مستعراً من الدولة لترهيب المواطنين من النزول للشارع.
المحامي سيد صبحي واحد ممن قبض عليهم في هذه الحملة من أحد مقاهي وسط العاصمة المصرية، يحكي لـ "جيل العربي الجديد" أنه أثناء تواجده بأحد مقاهي وسط البلد فوجئ بقوات أمن تقتحم المكان، ويرتدي أفرادها زياً مدنياً ويستقلون سيارتي مباحث وتصحبهما عربة شرطة وأخرى للترحيلات.
يضيف "اعتدت قوات الأمن على المتواجدين وقامت بتمزيق ملابس البعض، ولما اعترضْت وأبرزت لهم كارنيه نقابة المحامين الخاص بي تم اقتيادي مع باقي المعتقلين لعربة الشرطة".
صبحي قال إن قوات الأمن أخذت الهواتف المحمولة لجميع المعتقلين وتفحصتها ملياً واعتدت عليهم بالضرب والسب ثم نقلت جميع المقتادين لعربة الترحيلات الأكبر بعد أن طافوا بهم على عدد من الشوارع في منطقة وسط البلد، "لتبدأ جولة أخرى من القبض العشوائي على آخرين"، بحسبه.
"بعد حوالي الثلاث ساعات توقفت عربة الترحيلات في شارع 26 يوليو وطلبت قوات الأمن من خمسة أفراد، صحفي وسيناريست ومخلوف رسام الكاريكاتير المعروف بجريدة المصري اليوم وآخر مذيع بالتليفزيون المصري وأنا، أن يرحلوا، وأعادوا إلينا هواتفنا"، يضيف صبحي، وهو يؤكد أن عدد المعتقلين كان قريباً من عشرين شخص، وأن إطلاق سراح الخمسة أشخاص تم بسبب ضغط نقابي أو "لأنهم معروفين" كما قال.
التهمة: شباب
رسام الكاريكاتير مخلوف أكد على الفكرة الأخيرة التي طرحها صبحي "كنت محظوظاً في التعبير عن رأيي من خلال منصة معروفة متمثلة في مساحتي للرسم بجريدة المصري اليوم، هناك آخرين كانوا معي في عربة الترحيلات لازالوا محبوسين للآن في أماكن مجهولة ولا أحد يعرفهم أو يعلم عنهم شيئاً".
مخلوف الذي قبض عليه أيضاً من إحدى المقاهي بمنطقة وسط البلد كان كلامه مليئاً بالمرارة، وأشار في جانب منه إلى ما بات يبدو توجها للنظام الأمني الراهن في مصر "من المحزن أن يُقاد للسجن من ليس له صلة بأي نشاط سياسي، كنت أعرف عدداً من هؤلاء تم القبض عليهم معي. تهمتهم فقط أنهم شباب".
حملات القبض العشوائي صاحبها أيضاً تفتيش عشوائي لأجهزة الهواتف المحمولة للمارة في شوارع القاهرة، والشباب منهم تحديدا، والبحث في ذاكرة الهواتف أو الحسابات الشخصية لأصحابها على مواقع التواصل الاجتماعي عما يمكن أن يدينهم بمعاداة نظام السيسي.
أحمد نور الدين، الطلب في كلية الإعلام جامعة الأزهر، والذي يعمل في المرصد الطلابي لأحد المؤسسات الحقوقية، يوضح أن الحملة ليست جديدة، لكنها هذه المرة اتسعت بشكل كبير.
قبيل ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير، تعرضت منطقة وسط البلد التي يقطن بها نور لحملة مداهمات للمنازل، وكان من بينها بطبيعة الحال البناية التي يسكنها، "ضابط الأمن الوطني الذي افتحم الشقة مع قوة امنية طلب مني أن أفتح له هاتفي المحمول، وتصفح حسابي الشخصي على فيس بوك وصندوق الرسائل وقرأ رسائل الواتساب وتصفح صوري الخاصة صورة صورة، ثم ألقى القبض علي"، يُفصّل نور.
وفقاً للدستور المصري فإن المادة 57 منه تنص على أنه "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون. كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وينظم القانون ذلك". يضحك نور وهو يعلل عدم اعتراضه على تفتيش هاتفه فيما يعد مخالفة للدستور بأن ذلك كان سيعرضه لمهانة أكبر.
الإحصائيات التي صدرت عن مراكز حقوقية عديدة في القاهرة تقول إن عدد من اعتقلوا صبيحة تظاهرات يوم الخامس والعشرين من أبريل وحده قارب 400 معتقل من الجنسين، وتحولت أحياء وسط العاصمة المصرية (التحرير، الدقي، العجوزة) لساحات لملاحقة ومطاردة المتظاهرين.
السيناريست شاب والطالب بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة، بيشوي حنا، قبض عليه بعد أن تحرك من تظاهرة شارك فيها بالقرب من دار القضاء العالي، لكنه استطاع أن يسرّب هاتفه المحمول لأحد أصدقائه الذي فر هاربا قبل القبض عليه هو الآخر. يقول "تم احتجازي في عربة ترحيلات لما يقارب الساعتين كنت طوالها أُسأل عن ميولي السياسية، ثم طلبوا هاتفي المحمول، لفحصه طبعا، وحين أجبتهم بأني تركته بالمنزل شرع اثنان من العساكر بتفتيشي ذاتيا".
يحكي بيشوي أنه تم احتجازه مع شخصين آخرين وُوجها بذات الأسئلة من قوات الأمن "أحدهما أُخذ منه هاتفه المحمول بعد أن هدّده الضابط، والثاني استطاع أن يرمي سرا بطارية هاتفه إلا أن قوات الأمن أخذت هاتفه أيضا".
بيشوي تعرض للاستجواب مرة ثانية من ضابط آخر، بعد أن تحركت عربة الترحيلات بهم في محيط وسط البلد. "الضابط سألني هو الآخر عن هاتفي، فأخرجت له بطاقة هويتي وكارنيه الكلية وبطاقة عضوية في أحد نوادي الكتاب. أظن أن الأمر كان له مردوده الإيجابي؛ لأنهم أطلقوا سراحنا نحن الثلاثة بعد قليل" يقول بيشوي.
لم تكن مثل هذه المداهمات وحالات القبض والتفتيش العشوائي حكرًا على القاهرة وحدها، فوفقا لجبهة الدفاع عن متظاهري مصر، فإن عدد من ألقي القبض عليهم في الفترة ما بين 15 إلى 27 أبريل خارج محافظتي القاهرة والجيزة بلغ 228 معتقلاً، 52 معتقلاً في الشرقية، و53 معتقلا في البحيرة، فيما بلغ مجموع من ألقي القبض عليهم في محافظة الإسكندرية 123 فرداً.
عبد المجيد محمد، طالب في كلية الآداب قسم إعلام في جامعة الإسكندرية، اعترضه أحد أفراد الأمن في شوارعها بينما كان ينتظر وسيلة مواصلات. تفحص فرد الأمن بطاقة عبد المجيد وحقيبته الشخصية التي كانت تحوي كاميرا ثم اقتاده للضابط المسئول.
"في أول الأمر سألني عن سبب حملي لكاميرا وأكدت له أن ذلك بحكم دراستي، ثم طلب مني تاليا هاتفي المحمول"، يقول عبد المجيد الذي احتاط لأمر المداهمات العشوائية حين سمع بالأمر وأخفي تطبيق الفيس بوك الموجود على هاتفه النقّال. "الضابط لم يستطع العثور على التطبيق وسألني لأكثر من مرة مندهشا كيف لا يكون لدى شاب مثلي حسابا شخصيا على الفيس بوك!" يواصل عبد المجيد كلامه "في الحقيقة كنت خائفا جدا وحاولت التأكيد للضابط مرارا أنني لا أعرف شيئا عما يدور في مصر لأني قضيت معظم عمري بإحدى دول الخليج. كنت خائفاً على أهلي كذلك".