على الرغم من مرور سنوات على تغيير السلطات المصرية لاسم ميدان رابعة العدوية في القاهرة، ومحاولة النظام الحاكم جاهداً محو اسم "رابعة" من المكان الذي شهد أكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديثة، فإنه فشل في مهمته أمام جموع الشعب المصري الذي لا يعبأ بتغيير الاسم. إذ لا يزال المصريون يطلقون اسم "رابعة" على الميدان الشهير الذي شهد اعتصام أنصار الرئيس المصري الراحل محمد مرسي في صيف 2013، قبل الانقلاب العسكري عليه والإطاحة به، وقتل أعداد كبيرة من المعتصمين. ولا يزال حاضراً غضب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من سماع كلمة ميدان رابعة العدوية على لسان لواء في الجيش كان يستعرض مراحل تطوير الميدان، وقد صحح له الاسم مرتين بعد تغييره إلى "ميدان الشهيد هشام بركات".
"رابعة. أول عباس. أول مكرم"، عبارات يسمعها مئات المصريين يومياً على ألسنة سائقي الميكروباصات لخط سيرهم في نواحي حي مدينة نصر شرقي القاهرة. كما أنّ المسجد الشهير في الميدان، لا يزال يحتفظ باسمه القديم "مسجد رابعة العدوية"، على الرغم من تغيير الاسم عام 2015. كذلك فإنّ المقيمين في مدينة نصر لا يزالون يذكرون اسم "ميدان رابعة" في أحاديثهم العابرة.
وكان مجلس الوزراء المصري قد وافق في 15 يوليو/تموز 2015، على إطلاق اسم النائب العام المصري الراحل هشام بركات، على ميدان رابعة العدوية في القاهرة. ويُنسب لبركات، أنه أصدر قراراً بتنفيذ عمليتي فضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، في 14 أغسطس/آب 2013. وقُتل بركات في عملية اغتيال يوم 29 يونيو/حزيران 2015، فيما نجا جميع طاقم حراسته.
ومذبحتا رابعة العدوية والنهضة وقعتا أثناء فضّ اعتصام مؤيدي مرسي في ميداني رابعة العدوية في القاهرة، والنهضة في الجيزة، على يد قوات الأمن والجيش. وقد أسفرت عملية الفض عن مقتل حوالي ألفي شخص بطلقات نارية مباشرة، كما أوقعت أكثر من خمسة آلاف مصاب، وما يقارب الـ300 مفقود، إلى جانب العثور على 50 جثة متفحمة، فضلاً عن اعتقال 790 شخصاً، وذلك بحسب التقارير الحقوقية الدولية.
أما لجنة تقصي الحقائق المصرية التي شكّلها "المجلس القومي لحقوق الإنسان" المصري، فقد أعلنت في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أنّ "عدد الضحايا في فضّ رابعة هم 8 قتلى و156 مصاباً من جانب الشرطة، و607 قتلى بعضهم من المواطنين غير المتجمعين الذين قتلوا برصاص مسلحي التجمع".
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أصدرت تقريراً حمل عنوان "مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر"، قالت فيه إنّ "عمليات القتل لم تشكل فقط انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، لكنها بلغت على الأرجح مستوى جرائم ضدّ الإنسانية"، مشددة على أنه "يجب التحقيق فيها ومقاضاة المتورطين دولياً".
ووجّهت المنظمة اتهامات لمسؤولين مصريين كبار في هذا الملف، مرجحة ارتكابهم "جرائم ضد الإنسانية" أثناء حملة القمع الممنهج التي استهدفت متظاهرين مؤيدين لمرسي وأسقطت مئات القتلى، بحسب المنظمة. ومن بين هؤلاء المسؤولين وزير الداخلية آنذاك محمد إبراهيم، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي كان حينها وزيراً للدفاع، ومدحت المنشاوي قائد القوات الخاصة وقائد عملية رابعة، وغيرهم.
وبعد خمسة أعوام على المذبحة، وتحديداً في 8 سبتمبر/أيلول 2018، حكمت محكمة جنايات القاهرة في القضية رقم 34150 لسنة 2015 جنايات مدينة نصر أول والمقيدة برقم 2985 لسنة 2015 كلي شرق القاهرة، والمعروفة إعلامياً باسم "فض اعتصام رابعة"، بالإعدام على 75 متهماً بينهم قيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين، وبالسجن المؤبد على 47 متهماً آخرين، وبالسجن المشدد 15 سنة على 374 متهماً، وبالسجن عشر سنوات لـ22 طفلاً، و5 سنوات على 215 متهماً من بينهم المصور محمود أبو زيد، المعروف باسم شوكان والذي كان أفرج عنه في مارس من العام الماضي. كما قضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية عن خمسة متهمين لوفاتهم. هذا بالإضافة إلى وضع جميع المحكوم عليهم، عدا الصادر بحقهم حكم بالإعدام والمؤبد، رهن المراقبة الشرطية لمدة 5 سنوات بعد انقضاء مدة حبسهم في عقوبة تبعية، ومصادرة أموال جميع المتهمين، عدا الأطفال، وحرمانهم من وظائفهم الحكومية.