13 فبراير 2022
مصر وإيطاليا وبينهما ريجيني
تواجه السلطوية العسكرية الحاكمة في مصر أزمةً دوليةً، وتحديداً أوروبية، على خلفية تعذيب الطالب الإيطالي جوليو ريجيني وقتله، قبل حوالي شهرين. وقد تهاوت الرواية الرسمية المصرية أن ثمة "عصابة متخصصة في سرقة الأجانب وقتلهم"، والتي خرج بها وزير الداخلية قبل أسبوعين، بعد رفض الجانب الإيطالي، الرسمي وعائلة ريجيني، لها وتهديدهم بالكشف عن معلوماتٍ قد تمثل حرجاً وضغطاً على النظام الحاكم، وربما تكشف تورطه في هذه الجريمة الشنعاء. ولعل ذلك ما دفع السلطات المصرية إلى الهرولة لنفي روايتها في مشهد دالٍ على مدى التخبط والفوضى التي تعيشها هذه السلطات، بسبب هذه الأزمة.
تحاول السلطات المصرية، الآن، البحث عن روايةٍ جديدةٍ، يمكن أن يحملها الوفد المصري الذي لم تحَدد ملامحه بعد، ومن المفترض أن يزور إيطاليا خلال ساعات إلى السلطات الإيطالية، وفحوى هذه الرواية أن "أشخاصاً قد تنكّروا في زي الشرطة المصرية هم من اختطفوا ريجيني وقتلوه"، وهي رواية متهافتة، ولا تقل سذاجةً واستخفافاً عن الرواية السابقة.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا تصرّ السلطات المصرية على عدم كشف الحقيقة في قضية مقتل ريجيني؟ هنا يطرح بعضهم عدة تفسيراتٍ، يأتي بعضها من داخل كواليس السياسة المصرية، وتأتي أخرى من باب التخمين، بناءً على سوابق الأجهزة المصرية في هذا الشأن. بالنسبة للتفسير الأول، يشير بعضهم إلى أن ثمّة أفراداً من جهة سيادية (يشار هنا إلى المخابرات الحربية) متورطون في خطف الطالب وتعذيبه وقتله بهدف توريط وزارة الداخلية وأجهزتها، خصوصاً جهاز الأمن الوطني، في القضية، في إطار الصراع الدائر بين الأجهزة التي تدير البلاد الآن. ويستدل مروّجو هذا التفسير على رفض النظام المصري، حتى الآن، الإفصاح عن القاتل الحقيقي لريجيني، خوفاً من توريط هذه الجهة السيادية في مشكلةٍ دوليةٍ، وتلويث سمعتها وصورتها، خصوصاً أنها لا يُفترض أن يكون لها أي دور في إدارة الشأن المدني، بما فيه الخطف والتعذيب والقتل، وأن وظيفتها محصورة فقط داخل المؤسسة العسكرية. أما التفسير الآخر، فهو أن جهاز الأمن الوطني قام بالجريمة لأسباب عديدة، منها أولا، وهو الأرجح، حالة البلطجة والتوحش التي درج هذا الجهاز على التعاطي بها مع المواطنين، والذي تخيّل قادته أنه يمكن أيضا تطبيقها على الأجانب، من دون أن يكون للأمر تداعيات كبيرة. ثانياً، رغبة بعض مراكز القوى داخل هذا الجهاز في توريط النظام الحالي، أو بالأحرى بعض أذرعه المتنفذة، في أزمةٍ دوليةٍ من أجل تحقيق التوازن الداخلي معها، في إطار الصراع الطاحن بين هذه الأجهزة.
وأياً ما كان الأمر، فإن النظام الحالي في ورطة كبيرة ليس فقط مع إيطاليا، أحد حلفائه الرئيسيين، وإنما أيضاً مع بقية بلدان الاتحاد الأوروبي، فقد سلطت واقعة ريجيني الضوء على ملف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ودفعت البرلمان الأوروبي إلى إصدار توصيةٍ بوقف التعاون الأمني مع مصر، وكذلك وقف المساعدات الاقتصادية. كما بدأت دولٌ، مثل هولندا وألمانيا، في رفع حدة الانتقادات التي توجهها إلى النظام المصري. أما إيطاليا، فالتداعيات علي العلاقة مع القاهرة قد بدأت بالفعل، حيث قرّرت جماعة السياحة الإيطالية غير الحكومية، والتي تضم شركات سياحية إيطالية خاصة، وقف وتعليق رحلاتها إلى مصر، حتى يتم كشف حقيقة ما حدث مع ريجيني. ويمثل السياح الإيطاليون نسبة كبيرة من السياحة الأجنبية في مصر، خصوصاً في مدينة شرم الشيخ منذ وقت طويل. ومن شأن خسارتهم إضعاف القطاع السياحي المتداعي أصلاً في مصر منذ حادثة تفجير الطائرة الروسية في شرم الشيخ. كذلك حث مجلس الشيوخ الإيطالي حكومته على تجميد العلاقات مع مصر، إلى حين التحقيق في قضية ريجيني، بعدما أعلن أن مصر دولة غير آمنة. ولعل ذلك ما أربك السلطات المصرية، ودفعها إلى إعادة النظر في روايتها الرسمية بشأن الحادث.
ليس من المتوقع أن تقطع إيطاليا، ولا أوروبا، علاقاتها بنظام الجنرال عبد الفتاح السيسي، خصوصاً في ظل استمرار الحملة الدولية ضد الإرهاب، واعتقادهم الساذج بقدرة نظام السيسي على لعب دورٍ في هذه الحملة. لكن الأزمة الحالية دليل جديد على أن هذا النظام ليس فقط فاشلاً داخلياً (أمنياً واقتصادياً وسياسياً)، لكنه أيضاً يمكن أن يكون عبئاً على حلفائه الأوروبيين. ناهيك عن الإحراج الذي تتعرّض له الحكومات الأوروبية أمام مواطنيها، بسبب استمرار العلاقات مع نظام فاشي، يمارس القمع والقتل ضد المواطنين والأجانب، على حد سواء.
تحاول السلطات المصرية، الآن، البحث عن روايةٍ جديدةٍ، يمكن أن يحملها الوفد المصري الذي لم تحَدد ملامحه بعد، ومن المفترض أن يزور إيطاليا خلال ساعات إلى السلطات الإيطالية، وفحوى هذه الرواية أن "أشخاصاً قد تنكّروا في زي الشرطة المصرية هم من اختطفوا ريجيني وقتلوه"، وهي رواية متهافتة، ولا تقل سذاجةً واستخفافاً عن الرواية السابقة.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا تصرّ السلطات المصرية على عدم كشف الحقيقة في قضية مقتل ريجيني؟ هنا يطرح بعضهم عدة تفسيراتٍ، يأتي بعضها من داخل كواليس السياسة المصرية، وتأتي أخرى من باب التخمين، بناءً على سوابق الأجهزة المصرية في هذا الشأن. بالنسبة للتفسير الأول، يشير بعضهم إلى أن ثمّة أفراداً من جهة سيادية (يشار هنا إلى المخابرات الحربية) متورطون في خطف الطالب وتعذيبه وقتله بهدف توريط وزارة الداخلية وأجهزتها، خصوصاً جهاز الأمن الوطني، في القضية، في إطار الصراع الدائر بين الأجهزة التي تدير البلاد الآن. ويستدل مروّجو هذا التفسير على رفض النظام المصري، حتى الآن، الإفصاح عن القاتل الحقيقي لريجيني، خوفاً من توريط هذه الجهة السيادية في مشكلةٍ دوليةٍ، وتلويث سمعتها وصورتها، خصوصاً أنها لا يُفترض أن يكون لها أي دور في إدارة الشأن المدني، بما فيه الخطف والتعذيب والقتل، وأن وظيفتها محصورة فقط داخل المؤسسة العسكرية. أما التفسير الآخر، فهو أن جهاز الأمن الوطني قام بالجريمة لأسباب عديدة، منها أولا، وهو الأرجح، حالة البلطجة والتوحش التي درج هذا الجهاز على التعاطي بها مع المواطنين، والذي تخيّل قادته أنه يمكن أيضا تطبيقها على الأجانب، من دون أن يكون للأمر تداعيات كبيرة. ثانياً، رغبة بعض مراكز القوى داخل هذا الجهاز في توريط النظام الحالي، أو بالأحرى بعض أذرعه المتنفذة، في أزمةٍ دوليةٍ من أجل تحقيق التوازن الداخلي معها، في إطار الصراع الطاحن بين هذه الأجهزة.
وأياً ما كان الأمر، فإن النظام الحالي في ورطة كبيرة ليس فقط مع إيطاليا، أحد حلفائه الرئيسيين، وإنما أيضاً مع بقية بلدان الاتحاد الأوروبي، فقد سلطت واقعة ريجيني الضوء على ملف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، ودفعت البرلمان الأوروبي إلى إصدار توصيةٍ بوقف التعاون الأمني مع مصر، وكذلك وقف المساعدات الاقتصادية. كما بدأت دولٌ، مثل هولندا وألمانيا، في رفع حدة الانتقادات التي توجهها إلى النظام المصري. أما إيطاليا، فالتداعيات علي العلاقة مع القاهرة قد بدأت بالفعل، حيث قرّرت جماعة السياحة الإيطالية غير الحكومية، والتي تضم شركات سياحية إيطالية خاصة، وقف وتعليق رحلاتها إلى مصر، حتى يتم كشف حقيقة ما حدث مع ريجيني. ويمثل السياح الإيطاليون نسبة كبيرة من السياحة الأجنبية في مصر، خصوصاً في مدينة شرم الشيخ منذ وقت طويل. ومن شأن خسارتهم إضعاف القطاع السياحي المتداعي أصلاً في مصر منذ حادثة تفجير الطائرة الروسية في شرم الشيخ. كذلك حث مجلس الشيوخ الإيطالي حكومته على تجميد العلاقات مع مصر، إلى حين التحقيق في قضية ريجيني، بعدما أعلن أن مصر دولة غير آمنة. ولعل ذلك ما أربك السلطات المصرية، ودفعها إلى إعادة النظر في روايتها الرسمية بشأن الحادث.
ليس من المتوقع أن تقطع إيطاليا، ولا أوروبا، علاقاتها بنظام الجنرال عبد الفتاح السيسي، خصوصاً في ظل استمرار الحملة الدولية ضد الإرهاب، واعتقادهم الساذج بقدرة نظام السيسي على لعب دورٍ في هذه الحملة. لكن الأزمة الحالية دليل جديد على أن هذا النظام ليس فقط فاشلاً داخلياً (أمنياً واقتصادياً وسياسياً)، لكنه أيضاً يمكن أن يكون عبئاً على حلفائه الأوروبيين. ناهيك عن الإحراج الذي تتعرّض له الحكومات الأوروبية أمام مواطنيها، بسبب استمرار العلاقات مع نظام فاشي، يمارس القمع والقتل ضد المواطنين والأجانب، على حد سواء.