توفي، صباح اليوم الثلاثاء، الطبيب المصري محمد مشالي، على إثر هبوط حاد في الدورة الدموية، عن عمر يناهز 76 سنة، قضى أغلبها في خدمة المرضى الفقراء، حتى لقّب بـ"طبيب الغلابة" نتيجة أعماله الخيرية، وتقديم الخدمات الطبية في عيادته بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، بأسعار زهيدة أو بالمجان، استجابةً لوصية من والده.
ظل "مشالي" لسنوات طويلة يقدم خدمة الكشف الطبي في عيادته المتواضعة، بقيمة 5 جنيهات، وزادت أخيرا لتصل إلى 10 جنيهات، وكثيراً ما كان يرفض تقاضي قيمة الكشف من المرضى الفقراء، بل كان يشتري لهم العلاج في كثير من الأحيان.
والطبيب الراحل من مواليد محافظة البحيرة عام 1944، لأب يعمل مدرساً، وانتقلت بعدها الأسرة إلى محافظة الغربية، وتخرّج من كلية طب "قصر العيني" بجامعة القاهرة في عام 1967، وتخصص في الأمراض الباطنة وأمراض الأطفال والحميات، ليعمل في عدد من المراكز والوحدات الطبية التابعة لوزارة الصحة في محافظات مختلفة.
وفي عام 1975 افتتح مشالي عيادته الخاصة في مدينة طنطا، وتكفل برعاية إخوته وأبناء أخيه الذي توفي مبكراً، ولذلك تأخر في الزواج، ولديه 3 أولاد تخرجوا جميعاً من كلية الهندسة.
خير الناس انفعهم..
— Mohamed 🤨 (@MoAboNahel) July 28, 2020
وداعاً #طبيب_الغلابه 💔 pic.twitter.com/OHYWJYXb6s
في ظهور إعلامي سابق له، حكى "طبيب الغلابة" عن موقف أثّر فيه كثيراً، وبكى أثناء حديثه حين قال "جاء إليّ طفل صغير مريض بمرض السكر وهو يبكي من الألم ويقول لوالدته أعطيني حقنة الأنسولين، فردت أم الطفل لو اشتريت حقنة الأنسولين لن نستطيع شراء الطعام لباقي إخوتك"، وقال إن هذا الموقف كان سبباً لأن يهَب عمله للكشف على الفقراء بمبالغ رمزية ومساعدتهم قدر المستطاع.
وأطلقت محافظة الغربية اسمه على أحد الشوارع في مدينة طنطا، وذلك بعد أن طالب سكان المحافظة بتكريمه. وانتقلت شهرة مشالي من مصر إلى العالم العربي، بعدما ظهر في برامج تلفزيونية، ورفض مساعدته مالياً أو تجهيز عيادة جديدة من خلال تبرع مالي كبير، متمسكاً بالعطاء للفقراء.
وحظي مشالي، بإعجاب وإشادة ملايين من المتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط مطالبات للحكومة المصرية بتكريمه كنموذج مشرف للطبيب، إلا أنه ثيابه الرثة أثارت حفيظة أطباء آخرين، ممن اعتبروه مبالغاً في زهده، كونه لا يهتم بتحديث عيادته، أو يرتدي ملابس لائقة عند استقبال المرضى.
وطالما اكتظت عيادة مشالي الواقعة في وسط مدينة طنطا بالفقراء من المرضى الذين لا يجدون قوت يومهم، والتي امتازت عن غيرها من عيادات الأطباء في مصر بإجراء التحاليل مجاناً عبر جهاز ميكروسكوب قديم، وعدم وجود بدلاء أو مساعدين للطبيب الراحل الذي ظل يعمل لمدة تصل إلى 12 ساعة يومياً حتى وفاته، من دون عطلات أسبوعية، وكأنها عيادة طوارئ في أحد المستشفيات.
ولمشالي عيادتان إضافيتان في قريتين صغيرتين على أطراف مدينة طنطا، يذهب إليهما بعد أن يغلق عيادته الرئيسية، لأنه خدم فيهما كطبيب شاب، وبعد تقاعده طالبه الناس بأن يتيح خدماته بهما لصعوبة انتقالهم إلى عيادته في طنطا، واللافت أنه جعل قيمة الكشف في العيادتين الصغيرتين خمسة جنيهات فقط، وكان يذهب إليهما بالتبادل يوماً بعد يوم.
حُزن على مواقع التواصل الاجتماعي
— Jaafar Abdul Karim 🍉 (@jaafarAbdulKari) July 28, 2020
لوفاة "طبيب الغلابة"!
تقرير سابق ل#جعفر_توك!
أمضينا يوما كاملا مع "طبيب الغلابة"
د. مشالي وسألناه
لماذا وهب نفسه لخدمة الفقراء؟#جعفر_توك #طبيب_الغلابة pic.twitter.com/s6hJG53189
وتصدر اسم الطبيب محمد مشالي مواقع التواصل الاجتماعي فور الإعلان عن وفاته، وعبّر مغردون عن بالغ حزنهم. واحتل وسم #طبيب_الغلابة الأكثر تداولاً عبر موقع "تويتر".
ونعت النقابة العامة للأطباء المصريين الدكتور محمد مشالي المُلقب بطبيب الغلابة، بعد سنوات طويلة قضاها في خدمة غير القادرين من المرضي، ووجهت العزاء إلى أسرته.
ونعت النقابة العامة لأطباء مصر الطبيب الراحل، قائلة: "تنعي النقابة بمزيد من الحزن والأسي الدكتور محمد مشالي، المُلقب بطبيب الغلابة، بعد سنوات طويلة قضاها في خدمة غير القادرين من المرضى، موجهة خالص العزاء لأسرته الكريمة، وسائلة الله تعالى أن يرحمه برحمته الواسعة، وأن يسكنه فسيح جناته مع الأبرار والشهداء".
وبهذا الرحيل الهادئ الذي يشبه حياته ومسيرة عطائه البعيدة عن الصخب والشهرة، تمت مواراة جثمانه النحيل الثرى بعد عطاء دام على مدار نصف قرن.
أي روح كانت بداخل هذا الإنسان ؟
— مشعل بن شريم (@mesho_999) July 28, 2020
رحم الله روحاً صعدت إلى السماء ولا زالت تلاحقها دعوات الغلابه الذين أوجعهم رحيله .#طبيب_الغلابه pic.twitter.com/XSvQxgEqBy