لا تني مصر القديمة تكشف كنوزها، من حين لآخر، بفضل أبحاث عميقة واكتشافات مذهلة، امتدّت لسنوات، وأنجزها فريق المعهد الأوروبي للآثار المغمورة، تحت إدارة فرانك جوديو في خلجان الإسكندرية وأبي قير في البحر الأبيض المتوسط. وبالطبع ساهم المصريون، أهل المكان، فيها من خلال الإدارة العامة للآثار الغارقة التي يترأسها الدكتور، محمّد مصطفى عبد المجيد ،مدير عام آثار الإسكندرية.
هي ليست المرة الأولى التي يحضر الفرنسيون معرضًا مصريًا ضخمًا في عاصمة الأنوار، إذ لطالما عُرف الفرنسيون، بشغفهم غير المحدود بمصر القديمة؛ نابليون بونابرت، وفرانسوا ميتران وجاك لانغ رئيس معهد العالم العربي بالطبع، ومن جهة أخرى الإقبال الجماهيري الكبير الذي أمكن لمسه في معرض "كليوباترا الأسطورة" (2014).
وللتعرّف عن كثب على المعرض التقى "ملحق الثقافة" الشخصيات الثلاث الرئيسية الذي أدّت دورًا كبيرًا في جلب لا القطع الأثرية المكتشفة فحسب، بل في إقامة معرض تفاعلي وفقًا لأحدث ما توصلت إليه تقنيات العرض والمتاحف.
توجه الملحق إلى الجانب المصري أولًا، وسأل الدكتور عبد المجيد عن القطع الأثرية، فقال: "تعرض هنا حوالى 250 قطعة أثرية عُثر عليها في الاكتشافات الأخيرة التي أنجزت خلال السنوات العشر الأخيرة، إضافة إلى أربعين تحفة فنية من مقتنيات المتاحف المصرية تخرج من مصر لأوّل مرة، إضافة إلى إضفاء أجواء خيالية ساحرة بفضل الاستعانة بأفلام وصُوَر ثلاثية الأبعاد وفق أحدث التكنولوجيات في عملية محاكاة سيطلع عليها الجمهور الفرنسي لأوّل مرة".
ومما لا شك فيه أن حماسة رئيس المعهد للمعرض واضحة وجلية، هذا ما ظهر من حديثه مع"ملحق الثقافة" :"حين يكون المرء رئيسًا لمؤسسة يتوجب عليه الانخراط في أنشطتها، بشكل حقيقي. وهي إرادة فريقنا في منح معهد العالم العربي كلّ قوته وإشعاعه وكلّ ألوانه، وهي رغبة تمّ التعبيرُ عنها في سلسلة من المعارض الكبرى، كـ(قطار الشرق السريع) و(الحج) و(المغرب المعاصر) وموسيقى الهيب هوب والبينالي الأوّل للصورة الفوتوغرافية في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، وأخيرًا معرض (أوزيريس- مصر وكنوزها المغمورة)". ويتابع شارحًا الشغف الفرنسي بمصر القديمة :"لا تزال الحضارة المصرية القديمة تثير افتتان العالم بأسره، ولا تزال في فرنسا تثير هَوَسًا قويًا بالمصريات égyptomania. وفي بعض الأوساط الشعبية الفرنسية يوجد بعض التعلّق بمصر القرن العشرين والواحد والعشرين (مصر الحديثة والمعاصرة)". وانتهز جاك لانغ الفرصة ليعبّر عن أسفه لما يحصل للحضارات العربية القديمة من تهديم وتدمير ممنهجين، مؤخرًا :"بينما يستمتع الزائر الفرنسي والعربي والأوروبي بكنوز مصرية موغلة في القدم في باريس، تقوم عصابات إرهابية بتدمير كنوز إنسانية أخرى، لا تقل أهمية وقيمة، في العراق وسورية، وسط عجز دولي عن تجييش قوات على الأرض للتخلّص من هذه العصابات".
لقاء مع المكتشف
توجه "ملحق الثقافة" بالطبع إلى "مهندس" المعرض وصاحب الاكتشافات الكبرى، عالم الآثار الفرنسي، فرانك جوديو، مؤسس ورئيس المعهد الأوروبي للآثار المغمورة، وسأله عن أهمية المعرض، فأجاب :"سيكون الزائر الفرنسي والأوروبي والعربي على موعد مع حدث استثنائي، إذ لأول مرة تخرُجُ من مصر كمية كبيرة من التحف الأثرية، ما يقرب من 260 قطعة، وهو ثمرة عمل أنجزه علماء آثار فرنسيون تحت الماء، بالقرب من شواطئ أبي قير، واكتشفوا مكانًا باهرًا". وسأل الملحق جوديو عن المفهوم الذي يتمحور حوله المعرض، فقال : "سيكون هذا المعرض الأفضل والأكبر، لأنها المرّة الأولى التي يقام فيها معرض متمحور حول أسرار أوزيريس. كانت ثمة مَعارض عن أوزيريس والموت وغير ذلك، لكن أسطورة أوزيريس وولادته الجديدة وغيرها، التي تعدّ من الأساطير المُؤسّسة لمصر القديمة، تعرض لأوّل مرّة على هذا النحو، فضلًا عن إحضار 250 قطعة من تحت الماء، من (هيراكليون)، التي بدأنا العمل فيها سنة 1996 بالتعاون مع وزارة الآثار، إضافة إلى قطع أثرية تسافر من مصر لأول مرة، وكذلك 43 قطعة أثرية من متاحف مصرية منها قطعة (أوزيريس على سريره)". ويتابع كاشفًا عن المزيد: "الموضوع قوي جدًا، والقطع الأثرية مهمة وذات نوعية عالية. كما أنه من الرائع وضع الزوج أوزيريس وإزيس جنبًا إلى جنب، وهما ضمن القطع الرمزية في متحف القاهرة، وأنا سعيد جدًا لأن المصريين سمحوا بعرضهما في باريس، لأنهما يشكلان جزءًا من أسطورة اللغز".
اقرأ أيضاً: القس ألفونس.. حامل أقدم مصحف للغرب
وفي ما يخص استعمال التقنيات الحديثة لخلق جو تفاعلي مع الجمهور، قال جوديو :"إنه ليس معرضًا عاديًا مألوفًا، نحاول خلق عالمٍ بمناخ بحري، وثمة أفلام وثائقية تؤرشف العثور على هذه القطع وتبين الحالة التي كانت عليها، وأتمنى أن يروق هذا كله للجمهور من مختلف الأعمار".
يبدو من كلام جاك لانغ ومحمّد مصطفى عبد المجيد وفرانك جوديو، أن المعرض سيستقطب ولا شكّ كثيرًا من الزوّار، لذا سأل "ملحق الثقافة" جوديو عن الأمر، فأجاب :" المرة الأولى التي نجيء فيها إلى معهد العالم العربي. لا نعرف قدرات المعهد، وسوف نرى ما سيحصل. ولكننا نحس اهتمامًا حقيقيًا بهذا المعرض، كما أن الجمهور الفرنسي لم يرَ، مؤخرًا أيّ معرض مماثل عن مصر. فآخر معرض أقيم سنة 2007 في (القصر الكبير) Grand Palais، وهو معرض(كنوز مصر المغمورة)، الذي جذب ما يزيد عن 800 ألف زائر، وفيه قدّمنا نظرة تقريبية لما كان عليه تاريخ مصر القديمة، بالاعتماد على أبحاث وتنقيبات فرانك جوديو وفريقه. يجب الإقرار بوجود اهتمام وهوىً فرنسيين حقيقيين بالحضارة المصرية القديمة".
وتابع أن المعرض الجديد، يكشف ويَعد بكشف الجديد المغمور في مصر: "قبل أربعة أشهر فقط، كنا في مصر، واكتشفنا أشياء رائعة. في 2001 اكتشفنا مدينة (هيراكليون) في مصر بعد خمسين سنة من البحث، والآن يمكننا المراهنة على 300 سنة من البحث لاكتشاف الجديد. يتعلق الأمر بمدينة بأكملها، ومعابد فرعونية. سنعرض في هذا المعرض بقايا سفينة محطمة، هي على الأرجح، سفينة دينية، لأنها كانت محاطة بوسائل متعلقة بالنُّذُور، وتمّ إغراقها بصفة متعمدة".
أسطورة أوزيريس
وقال الدكتور محمّد مصطفى عبد المجيد إن دخول المعرض سيبدأ "من أسطورة أوزيريس وتوجد عدة صُوَر مختلفة له، إذ هو دائمًا في الصورة الآدمية، وعندما أصبح في العصر البطلمي ثم العصر الروماني أصبح اسمه سيرابيس، وأصبحت له صورة آدمية أو صورة حيوانية، على شكل العجل. ونضع أوزيريس مع إيزيس، زوجته، مع ابنهما حورس. وبفضل هذه المجموعة نقصّ الأسطورة، ثم ندخل فنجد حابي، إله النيل عند المصريين، وهو غير موجود عند المنبع ولكن عند المصبّ، لأنه عثر عليه في مدينة (هيراكليون). المكان هو آخر نقطة موجودة على النيل في مصب النهر. وهذه هي أكبر التمثيلات للإله حابي، فهو غالبًا لا يتوفر على تماثيل كبيرة، وجلّها صغير، وهذا هو الوحيد في حجم خمسة أمتار و15 سنتمترًا".
ووفقًا لما جاء في النصوص المرافقة للمعرض، والخاصّة بأشكال أوزيريس الكثيرة وأسمائه، فإنه في العصر البطلمي، أي اليوناني بالنسبة لمصر، والعصر الروماني، بدأت تظهر لأوزيريس أشكال كثيرة وأسماء جديدة ومشابهة، وأحيانًا يوجد اسمان معاً كـ أوزيريس / كانوب، وهو إلهٌ عُثر عليه في مدينة كانوب، أي أبو قير شرق الاسكندرية. وكانت الحيوانات حاضرة عند الإنسان المصري، إما لأنه يحبّها أو لأنه يخاف منها، فإذا أحبّها جعل منها آلهة وإذا خاف منها، جعل منها، أيضًا، آلهة اتقاءً لشرّها.
المرحلة الثانية للمعرض تتعلّق بالقطع الأثرية، التي استخرجها المصريون من خليج أبي قير ومدينة هيراكليون، وغيرهما، ويصفها عبد المجيد قائلًا :"ننتقل إلى المستوى الثاني من المعرض، 250 قطعة من حفرياتنا تحت الماء سواء من خليج أبي قير ومدينة هيراكليون، أو من البحيرة الشرقية، أو من خليج الميناء الشرقي في مدينة الإسكندرية، حيث كانت هناك مقصورة لعبادة أوزيريس. ثم نصل إلى نتائج أعمال البحث وكلها مرتبطة بـ(العبادة الأوزيرية)، منها لوحة نسميها لوحة كراتيون وتتضمن 14 سطرًا عموديًا من الكتابة الهيروغليفية، وفيها تصوير للآلهة وعلى رأسها تيجان الشمال، وهي تقدم القرابين، وقد عثر على أخت لها في نقراطيس سنة 1899، تتضمن الكلمات ذاتها باستثناء جملة واحدة، ونقراطيس هي من أولى المستعمرات اليونانية في مصر، من حوالى 600 قبل الميلاد، وكانت على فرع النيل الكانوبي الذي اندثر. واللوحة تتحدّث عن الموكب الجنائزي والاحتفالات الدينية التي تتم أثناء خروج أوزيريس من معبده الموجود في هيراكليون إلى معبده في كانوب، وهما لا يزالان معًا مغمورَيْن تحت الماء، لحدّ الساعة. وكانت تتم في 21 يوم في شهر من شهور السنة لا يزال موجودًا لحد الساعة، وهو شهر كيهك، الشهر الرابع عند الأقباط". وأضاف أن "كل ما تحكيه لوحة 1899 تحقق الآن، أمرًا وراء آخر، وعندما تعلّمنا الربط بدأنا نتوقع اكتشاف أشياء جديدة وهي فُرَص جيدة بالنسبة لنا".
ونظرًا إلى أهمية مدينة "هيراكليون" ومركزيتها في البحث والاكتشاف، استفسر "ملحق الثقافة" عنها، فأجاب الدكتور عبد المجيد :"إنها مدينة مصرية قديمة من الأسرة 18 من العصر الفرعوني. وكان فيها معبد آمون وابنه خونسو، إله القمر. آمون شُبّه بزيوس الإله اليوناني، وخونسو شُبّه بهرقل، فأصبح المعبد بدل أن يكون معبد خونسو معبد هرقل، والمدينة سميت هيراكليون. وكانت في العصر البطلمي تشبيهات من أجل تقريب الفكرة من الديانة بين اليونانيين والمصريين وجاء الرومان من بعدهم وأخذوا كل شيء وتعاملوا وكأنه مِلْكٌ لهم".
هي ليست المرة الأولى التي يحضر الفرنسيون معرضًا مصريًا ضخمًا في عاصمة الأنوار، إذ لطالما عُرف الفرنسيون، بشغفهم غير المحدود بمصر القديمة؛ نابليون بونابرت، وفرانسوا ميتران وجاك لانغ رئيس معهد العالم العربي بالطبع، ومن جهة أخرى الإقبال الجماهيري الكبير الذي أمكن لمسه في معرض "كليوباترا الأسطورة" (2014).
وللتعرّف عن كثب على المعرض التقى "ملحق الثقافة" الشخصيات الثلاث الرئيسية الذي أدّت دورًا كبيرًا في جلب لا القطع الأثرية المكتشفة فحسب، بل في إقامة معرض تفاعلي وفقًا لأحدث ما توصلت إليه تقنيات العرض والمتاحف.
توجه الملحق إلى الجانب المصري أولًا، وسأل الدكتور عبد المجيد عن القطع الأثرية، فقال: "تعرض هنا حوالى 250 قطعة أثرية عُثر عليها في الاكتشافات الأخيرة التي أنجزت خلال السنوات العشر الأخيرة، إضافة إلى أربعين تحفة فنية من مقتنيات المتاحف المصرية تخرج من مصر لأوّل مرة، إضافة إلى إضفاء أجواء خيالية ساحرة بفضل الاستعانة بأفلام وصُوَر ثلاثية الأبعاد وفق أحدث التكنولوجيات في عملية محاكاة سيطلع عليها الجمهور الفرنسي لأوّل مرة".
ومما لا شك فيه أن حماسة رئيس المعهد للمعرض واضحة وجلية، هذا ما ظهر من حديثه مع"ملحق الثقافة" :"حين يكون المرء رئيسًا لمؤسسة يتوجب عليه الانخراط في أنشطتها، بشكل حقيقي. وهي إرادة فريقنا في منح معهد العالم العربي كلّ قوته وإشعاعه وكلّ ألوانه، وهي رغبة تمّ التعبيرُ عنها في سلسلة من المعارض الكبرى، كـ(قطار الشرق السريع) و(الحج) و(المغرب المعاصر) وموسيقى الهيب هوب والبينالي الأوّل للصورة الفوتوغرافية في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، وأخيرًا معرض (أوزيريس- مصر وكنوزها المغمورة)". ويتابع شارحًا الشغف الفرنسي بمصر القديمة :"لا تزال الحضارة المصرية القديمة تثير افتتان العالم بأسره، ولا تزال في فرنسا تثير هَوَسًا قويًا بالمصريات égyptomania. وفي بعض الأوساط الشعبية الفرنسية يوجد بعض التعلّق بمصر القرن العشرين والواحد والعشرين (مصر الحديثة والمعاصرة)". وانتهز جاك لانغ الفرصة ليعبّر عن أسفه لما يحصل للحضارات العربية القديمة من تهديم وتدمير ممنهجين، مؤخرًا :"بينما يستمتع الزائر الفرنسي والعربي والأوروبي بكنوز مصرية موغلة في القدم في باريس، تقوم عصابات إرهابية بتدمير كنوز إنسانية أخرى، لا تقل أهمية وقيمة، في العراق وسورية، وسط عجز دولي عن تجييش قوات على الأرض للتخلّص من هذه العصابات".
لقاء مع المكتشف
توجه "ملحق الثقافة" بالطبع إلى "مهندس" المعرض وصاحب الاكتشافات الكبرى، عالم الآثار الفرنسي، فرانك جوديو، مؤسس ورئيس المعهد الأوروبي للآثار المغمورة، وسأله عن أهمية المعرض، فأجاب :"سيكون الزائر الفرنسي والأوروبي والعربي على موعد مع حدث استثنائي، إذ لأول مرة تخرُجُ من مصر كمية كبيرة من التحف الأثرية، ما يقرب من 260 قطعة، وهو ثمرة عمل أنجزه علماء آثار فرنسيون تحت الماء، بالقرب من شواطئ أبي قير، واكتشفوا مكانًا باهرًا". وسأل الملحق جوديو عن المفهوم الذي يتمحور حوله المعرض، فقال : "سيكون هذا المعرض الأفضل والأكبر، لأنها المرّة الأولى التي يقام فيها معرض متمحور حول أسرار أوزيريس. كانت ثمة مَعارض عن أوزيريس والموت وغير ذلك، لكن أسطورة أوزيريس وولادته الجديدة وغيرها، التي تعدّ من الأساطير المُؤسّسة لمصر القديمة، تعرض لأوّل مرّة على هذا النحو، فضلًا عن إحضار 250 قطعة من تحت الماء، من (هيراكليون)، التي بدأنا العمل فيها سنة 1996 بالتعاون مع وزارة الآثار، إضافة إلى قطع أثرية تسافر من مصر لأول مرة، وكذلك 43 قطعة أثرية من متاحف مصرية منها قطعة (أوزيريس على سريره)". ويتابع كاشفًا عن المزيد: "الموضوع قوي جدًا، والقطع الأثرية مهمة وذات نوعية عالية. كما أنه من الرائع وضع الزوج أوزيريس وإزيس جنبًا إلى جنب، وهما ضمن القطع الرمزية في متحف القاهرة، وأنا سعيد جدًا لأن المصريين سمحوا بعرضهما في باريس، لأنهما يشكلان جزءًا من أسطورة اللغز".
اقرأ أيضاً: القس ألفونس.. حامل أقدم مصحف للغرب
وفي ما يخص استعمال التقنيات الحديثة لخلق جو تفاعلي مع الجمهور، قال جوديو :"إنه ليس معرضًا عاديًا مألوفًا، نحاول خلق عالمٍ بمناخ بحري، وثمة أفلام وثائقية تؤرشف العثور على هذه القطع وتبين الحالة التي كانت عليها، وأتمنى أن يروق هذا كله للجمهور من مختلف الأعمار".
يبدو من كلام جاك لانغ ومحمّد مصطفى عبد المجيد وفرانك جوديو، أن المعرض سيستقطب ولا شكّ كثيرًا من الزوّار، لذا سأل "ملحق الثقافة" جوديو عن الأمر، فأجاب :" المرة الأولى التي نجيء فيها إلى معهد العالم العربي. لا نعرف قدرات المعهد، وسوف نرى ما سيحصل. ولكننا نحس اهتمامًا حقيقيًا بهذا المعرض، كما أن الجمهور الفرنسي لم يرَ، مؤخرًا أيّ معرض مماثل عن مصر. فآخر معرض أقيم سنة 2007 في (القصر الكبير) Grand Palais، وهو معرض(كنوز مصر المغمورة)، الذي جذب ما يزيد عن 800 ألف زائر، وفيه قدّمنا نظرة تقريبية لما كان عليه تاريخ مصر القديمة، بالاعتماد على أبحاث وتنقيبات فرانك جوديو وفريقه. يجب الإقرار بوجود اهتمام وهوىً فرنسيين حقيقيين بالحضارة المصرية القديمة".
وتابع أن المعرض الجديد، يكشف ويَعد بكشف الجديد المغمور في مصر: "قبل أربعة أشهر فقط، كنا في مصر، واكتشفنا أشياء رائعة. في 2001 اكتشفنا مدينة (هيراكليون) في مصر بعد خمسين سنة من البحث، والآن يمكننا المراهنة على 300 سنة من البحث لاكتشاف الجديد. يتعلق الأمر بمدينة بأكملها، ومعابد فرعونية. سنعرض في هذا المعرض بقايا سفينة محطمة، هي على الأرجح، سفينة دينية، لأنها كانت محاطة بوسائل متعلقة بالنُّذُور، وتمّ إغراقها بصفة متعمدة".
أسطورة أوزيريس
وقال الدكتور محمّد مصطفى عبد المجيد إن دخول المعرض سيبدأ "من أسطورة أوزيريس وتوجد عدة صُوَر مختلفة له، إذ هو دائمًا في الصورة الآدمية، وعندما أصبح في العصر البطلمي ثم العصر الروماني أصبح اسمه سيرابيس، وأصبحت له صورة آدمية أو صورة حيوانية، على شكل العجل. ونضع أوزيريس مع إيزيس، زوجته، مع ابنهما حورس. وبفضل هذه المجموعة نقصّ الأسطورة، ثم ندخل فنجد حابي، إله النيل عند المصريين، وهو غير موجود عند المنبع ولكن عند المصبّ، لأنه عثر عليه في مدينة (هيراكليون). المكان هو آخر نقطة موجودة على النيل في مصب النهر. وهذه هي أكبر التمثيلات للإله حابي، فهو غالبًا لا يتوفر على تماثيل كبيرة، وجلّها صغير، وهذا هو الوحيد في حجم خمسة أمتار و15 سنتمترًا".
ووفقًا لما جاء في النصوص المرافقة للمعرض، والخاصّة بأشكال أوزيريس الكثيرة وأسمائه، فإنه في العصر البطلمي، أي اليوناني بالنسبة لمصر، والعصر الروماني، بدأت تظهر لأوزيريس أشكال كثيرة وأسماء جديدة ومشابهة، وأحيانًا يوجد اسمان معاً كـ أوزيريس / كانوب، وهو إلهٌ عُثر عليه في مدينة كانوب، أي أبو قير شرق الاسكندرية. وكانت الحيوانات حاضرة عند الإنسان المصري، إما لأنه يحبّها أو لأنه يخاف منها، فإذا أحبّها جعل منها آلهة وإذا خاف منها، جعل منها، أيضًا، آلهة اتقاءً لشرّها.
المرحلة الثانية للمعرض تتعلّق بالقطع الأثرية، التي استخرجها المصريون من خليج أبي قير ومدينة هيراكليون، وغيرهما، ويصفها عبد المجيد قائلًا :"ننتقل إلى المستوى الثاني من المعرض، 250 قطعة من حفرياتنا تحت الماء سواء من خليج أبي قير ومدينة هيراكليون، أو من البحيرة الشرقية، أو من خليج الميناء الشرقي في مدينة الإسكندرية، حيث كانت هناك مقصورة لعبادة أوزيريس. ثم نصل إلى نتائج أعمال البحث وكلها مرتبطة بـ(العبادة الأوزيرية)، منها لوحة نسميها لوحة كراتيون وتتضمن 14 سطرًا عموديًا من الكتابة الهيروغليفية، وفيها تصوير للآلهة وعلى رأسها تيجان الشمال، وهي تقدم القرابين، وقد عثر على أخت لها في نقراطيس سنة 1899، تتضمن الكلمات ذاتها باستثناء جملة واحدة، ونقراطيس هي من أولى المستعمرات اليونانية في مصر، من حوالى 600 قبل الميلاد، وكانت على فرع النيل الكانوبي الذي اندثر. واللوحة تتحدّث عن الموكب الجنائزي والاحتفالات الدينية التي تتم أثناء خروج أوزيريس من معبده الموجود في هيراكليون إلى معبده في كانوب، وهما لا يزالان معًا مغمورَيْن تحت الماء، لحدّ الساعة. وكانت تتم في 21 يوم في شهر من شهور السنة لا يزال موجودًا لحد الساعة، وهو شهر كيهك، الشهر الرابع عند الأقباط". وأضاف أن "كل ما تحكيه لوحة 1899 تحقق الآن، أمرًا وراء آخر، وعندما تعلّمنا الربط بدأنا نتوقع اكتشاف أشياء جديدة وهي فُرَص جيدة بالنسبة لنا".
ونظرًا إلى أهمية مدينة "هيراكليون" ومركزيتها في البحث والاكتشاف، استفسر "ملحق الثقافة" عنها، فأجاب الدكتور عبد المجيد :"إنها مدينة مصرية قديمة من الأسرة 18 من العصر الفرعوني. وكان فيها معبد آمون وابنه خونسو، إله القمر. آمون شُبّه بزيوس الإله اليوناني، وخونسو شُبّه بهرقل، فأصبح المعبد بدل أن يكون معبد خونسو معبد هرقل، والمدينة سميت هيراكليون. وكانت في العصر البطلمي تشبيهات من أجل تقريب الفكرة من الديانة بين اليونانيين والمصريين وجاء الرومان من بعدهم وأخذوا كل شيء وتعاملوا وكأنه مِلْكٌ لهم".