وافتتح عدد من النشطاء في المدينة المطعم منذ أكثر من عام بمساعدة من ميسوري الحال، ومن مغتربي المحافظة، وخاصة في دول الخليج العربي، لتقديم الطعام للمحتاجين والمعوزين من أبناء المحافظة والنازحين إليها من مختلف أرجاء سورية.
ينظر أبو أحمد إلى جموع المنتظرين، ثم يطلق زفرة تحسّر وحزن على الوضع الذي آل إليه حال عدد كبير من الناس، حيث تزداد معاناتهم كل يوم، بحيث لا يجدون ما يأكلون لولا هذا المطعم الذي أخذ على عاتقه مهمة إغاثة من لا غوث له، ثم يستجمع قواه مرة أخرى، ويقول: "هذه حال طارئة، وستنجلي الغمة عن العباد قريباً بإذن الله".
ينتظر في بيت أبو أحمد عدد من أحفاده الصغار، ينتظرون الوجبة التي يحضرها جدهم كل يوم، حيث بات معيلهم الوحيد بعد مغادرة ابنيه المدينة هرباً من عناصر التنظيم، حيث كانا في صفوف الجيش السوري الحر، وتركا خلفهما أولاداً وجدوا في الجد السند لهم.
يتبرع عدد من السوريين في الخارج بمبالغ مالية، ويقوم القائمون على المطبخ بشراء ما يلزم لإطعام آلاف المحتاجين في المدينة التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة، حيث تنعدم فرص العمل ما أدى إلى مغادرة عدد كبير من السكان إلى خارج البلاد، وخاصة بعد سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الرقة في بدايات 2014، حيث قام باستهداف ناشطي المحافظة في كل المجالات، وفرض سياساته المتشددة على كل القطاعات ما أدى إلى شلل شبه كامل للوضع الاقتصادي في محافظة كانت من محافظات سورية الزراعية، وتضم أكبر عدد من ثروتها الحيوانية.
يجد المعوزون، ومنهم أبو أحمد، في المطبخ الإغاثي في المدينة ملاذاً أخيراً لهم عندما يعز عليهم شراء الطعام لعائلاتهم. وقام المطبخ بتقديم عشرات الأضاحي في عيد الأضحى للفقراء، حيث يقوم بتوثيق أسماء المتبرعين وفاعلي الخير، ومقدار ما تبرعوا على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وهناك عدد من المتبرعين يرفضون ذكر أسمائهم.
يقدم المطبخ مختلف أنواع الوجبات الغذائية ويفتح أبوابه طيلة أيام الأسبوع باستثناء يوم الجمعة. ويقوم بنشر فيديوهات تتضمن وجبة كل يوم داعياً الفقراء للإقبال، وعدم التردد في طلب الطعام.
يرقّ أحد الشبان لحال (أبو أحمد) فيأخذ منه الوعاء ليعود بعد قليل حاملاً إليه وجبة دسمة من أرز ولحم، ليعود إلى بيته في أطراف المدينة وهو يتذكر أيام كانت المدينة لا تعاني العوز، وكانت أرضها تطرح الخيرات لتوزع على كل السوريين.
ينظر أبو أحمد إلى سماء مدينته التي باتت اليوم تزدحم بالطائرات من مختلف الجنسيات، لتقصف مدينة كانت تنام على كتف الفرات الأيسر، فتغيرت "من حال إلى حال"، بعدما بات الخوف والجوع والترقب المؤلم هم أسيادها الجدد.
اقرأ أيضاً:38 قتيلاً بقصف على حلب والرقة وانفجاران في الحسكة