معادلات الصراع تتغيّر في إدلب: تصعيد النظام السوري يُسقط التفاهمات

11 يناير 2018
آلاف المدنيين نزحوا هرباً من القتال(عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -


يهدد خرق النظام السوري، بدعم من حلفائه، تفاهمات أستانة المفترض أن تؤدي إلى "خفض التوتر"، عبر استمرار تقدّمه في ريف إدلب الشرقي في محاولة للسيطرة على مطار أبو الظهور العسكري، بإسقاط كل التفاهمات القائمة، خصوصاً مع اتهام تركي مباشر لروسيا وإيران بالمسؤولية عن انتهاكات النظام، وهو ما يثير تساؤلات عن جدوى عقد مؤتمر سوتشي للحوار إذا كانت موسكو لا تضغط على النظام السوري لاحترام التفاهمات المتفق عليها. ويدفع تقدّم النظام الأوضاع العسكرية في شمال غربي سورية إلى المزيد من التعقيد والتأزيم، بما قد يؤدي إلى تغيير معادلات الصراع، خصوصاً أن سقوط مطار أبو الظهور بيد قوات النظام سيكون له تداعيات كبرى على المشهد، مع عودة مشاهد آلاف السوريين النازحين جراء تقدّم قوات النظام.

ولم يعد يفصل قوات النظام السوري والمليشيات التي تساندها إلا بضعة كيلومترات عن مطار أبو الظهور العسكري في ريف إدلب الشرقي، بعد أن سيطرت على العشرات من القرى والبلدات في سياق حملة عسكرية بدأتها منذ نحو شهر في مسعى للوصول إلى المطار الاستراتيجي.
ومع هذا التصعيد، شدّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، على ضرورة أن تتحمّل إيران وروسيا مسؤولياتهما إزاء هجمات النظام على محافظة إدلب المشمولة باتفاق مناطق "خفض التوتر". ولفت الوزير التركي خلال استضافته أمس من وكالة "الأناضول"، إلى أنّ وزارته استدعت سفيري روسيا وإيران لديها، للتعبير عن انزعاجها جراء هجمات النظام على مناطق "خفض التوتر" في محافظة إدلب.

ودعا جاويش أوغلو موسكو وطهران إلى لجم هجمات النظام على مناطق خفض التوتر المتفق عليها، معتبراً أنه "لولا الدعم الإيراني والروسي، لما تجرّأ النظام السوري وقام بهذه الانتهاكات، فهو لا يستطيع التحرك بمعزل عن إيران وروسيا". وإذ لفت إلى أن "الأوضاع على الساحة السورية معقدة، لذا من المتوقع أن تحدث بعض الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار"، لكنه شدد على أن "ما يحصل في الفترة الأخيرة من اعتداءات على مناطق خفض التوتر، تجاوز حد الانتهاكات المتوقعة". وأردف قائلاً "هناك العديد من المناطق المحاصرة في سورية، وتم فتح معابر من تلك المناطق نحو محافظة إدلب من أجل انتقال المدنيين، لكن بعض المجموعات الإرهابية دخلت إدلب من خلال تلك المعابر". وأكّد جاويش أوغلو أنّ قوات بلاده المسلحة تواصل إنشاء نقاط مراقبة وقف إطلاق النار داخل حدود محافظة إدلب، مشيراً إلى أنّ 95 في المائة من الانتهاكات تأتي من قِبل قوات النظام السوري والداعمين لها.

أما عن مؤتمر سوتشي للحوار الذي تعتزم روسيا تنظيمه أواخر الشهر الحالي، فأوضح الوزير التركي أن بلاده ستتشاور مع موسكو وطهران بشأن الجهات التي ستشارك في المؤتمر، معلناً أنه لن يشارك أحد في المؤتمر من دون إجماع الدول الثلاث على قبول مشاركته. وجدد التأكيد أن بلاده لن تقبل بمشاركة حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الذي تعتبره ذراع حزب العمال الكردستاني) في سوتشي. وأعلن أن أنقرة تواصل لقاءاتها مع المعارضة السورية، مشدداً في هذا السياق على "أهمية توسيع نطاق المعارضة والتمييز بين المعارضة الحقيقية والمزيفة". وأعلن أنّ أنقرة ستستضيف اجتماع وزراء خارجية الدول ذات الرؤى المشتركة حول القضية السورية، وذلك عقب انعقاد مؤتمر سوتشي.

في المقابل، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أنّ عقد اجتماع ثلاثي بين رؤساء تركيا وإيران وتركيا، قبل مؤتمر سوتشي، غير مطروح حالياً. وأوضح بيسكوف في مؤتمر صحافي في موسكو، أن بلاده تواصل مشاوراتها مع أنقرة وطهران لتحديد الجهات التي ستشارك في سوتشي. ترافق ذلك مع لقاء جمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف في موسكو أمس.

في التطورات الميدانية، باتت قوات النظام على بُعد أقل من ثلاثة كيلومترات من البوابة الجنوبية لمطار أبو الظهور العسكري إثر تقدم جديد أحرزته أمس الأربعاء. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن قوات النظام سيطرت على قرية بياعة صغيرة جنوب المطار. كما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن قوات النظام تواصل تقدّمها في ريف حلب الجنوبي إلى ريف حماة الشمالي الشرقي وصولاً إلى ريف إدلب الشرقي، مشيراً إلى أن "هيئة تحرير الشام" نفذت انسحابات متتالية أمام قوات النظام بسبب قصف جوي ومدفعي وصاروخي مكثف. وكانت المعارضة المسلحة سيطرت على مطار أبو الظهور الاستراتيجي في سبتمبر/أيلول من عام 2015 إبان اندفاعتها الكبرى التي كادت تطيح بالنظام لولا التدخل الروسي العسكري المباشر. وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد" أن المطار بات مرصوداً نارياً من قبل قوات النظام بعد تقدّمها الكبير باتجاهه إذ تفصلها بضعة كيلومترات عنه، مشيرة إلى أن سقوط المطار بيد قوات النظام ستكون له تبعات سلبية على المعارضة المسلحة وعلى بلدات وقرى تقع بالقرب منه.
وقدّرت مصادر في المعارضة المساحة التي سيطرت عليها قوات النظام حتى عصر أمس الأربعاء، بنحو ألف كيلومتر مربع، مشيرة إلى أن النظام يسعى إلى ربط هذه المناطق بمناطق أخرى في ريف حلب الجنوبي، من خلال دفع المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام" للانسحاب منها خشية ضرب حصار عليها من قبل قوات النظام في ريف حلب الجنوبي إثر السيطرة على مطار أبو الظهور.

كما أشارت مصادر مطلعة إلى أن الطبيعة الجغرافية السهلية للمنطقة التي تتحرك فيها قوات النظام لا تساعد المعارضة و"هيئة تحرير الشام" على الصمود والتشبث بالمواقع، لافتة إلى أن الخلافات في قيادة "هيئة تحرير الشام" تحول دون اتخاذ قرار واضح بالتصدي. وتوقعت المصادر أن يكون لسقوط مطار أبو الظهور بيد قوات النظام تداعيات كبرى على المشهد العسكري في شمال غربي سورية، مرجحة تصاعد التململ الشعبي إزاء التقصير الواضح من قبل فصائل المعارضة والهيئة في وضع حد لقوات النظام.


ونزح عشرات آلاف المدنيين مع تقدّم قوات النظام، آخرهم سكان منطقة الحص في ريف حلب الجنوبي الغربي المقدّرين بالآلاف، وهو ما أدى إلى توجيه اتهامات واضحة لفصائل المعارضة المسلحة بـ"التقاعس" عن صدّ قوات النظام تطبيقاً لاتفاقات مسار أستانة التي أعطت قوات النظام الحق في حرية التحرك شرقي سكة القطار الذي يربط شمال البلاد بجنوبها. لكن رئيس اللجنة العسكرية في وفد قوى الثورة السورية إلى مفاوضات أستانة العقيد فاتح حسون، أوضح أنه لم يتم تبادل خرائط أو الاتفاق على مناطق خفض التوتر الأربع بشكل نهائي، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "بالنسبة لمنطقة إدلب كان الطرح الذي تم تداوله أن يكون كل ما هو غرب سكة القطار تحت سيطرة الثوار مع انتشار لنقاط مراقبة للجيش التركي، وكل ما هو شرق السكة لا توجد فيه قوات النظام ومليشياته وتتم إدارة المنطقة من قبل أهاليها، على أن يتم نشر نقاط شرطة عسكرية روسية شيشانية وبأعداد محدودة".

وكشف حسون أن الإيرانيين "طلبوا أن يكون لهم مراقب واحد ضمن نقاط الشرطة الروسية وتم رفض هذا الطلب من قبل وفد قوى الثورة"، متابعاً: "أكدنا أن أي إيراني في المنطقة هو هدف مشروع، وكان الموقف التركي منسجماً مع موقفنا وتجاوب الروس حينها لذلك". وأضاف: "لكن بعد فشل الاتفاق بسبب قوى رفضت استكمال الدخول التركي إلى 12 نقطة متفقاً على السيطرة عليها مبدئياً، يقول الروس إنه لا يوجد أي التزام به"، معتبراً أن "ما يجري من معارك وقصف ومجازر هي نتائج إفشال الاتفاق، ولا يمكن لأي اتفاق أن تكون نتائجه التنازل عن أرض حررناها بدماء شهدائنا".

وأشار حسون إلى أن "الوفد الإيراني في أستانة أكد أنه سيُفشل الاتفاق في محافظة إدلب بسبب رفضنا الوجود الإيراني"، مؤكداً أن "من أعطى أوامر المعارك في ريف إدلب وحماة  هم الإيرانيون ليتقدّموا بهذه الطريقة إلى المنطقة". وشدد على أن القوى العسكرية المعارضة الموجودة في وفد أستانة "هي من القوى التي حاربت النظام وأعوانه في هذه المنطقة وما زالت، وستقوم بواجبها العسكري المفروض عليها، فاتفاق خفض التصعيد يعطي حق الرد، وهذا حق لا نتنازل عنه". كما أكد أن وفد أستانة التابع للمعارضة "تواصَل مع الضامن التركي الذي كان موقفه واضحاً ومن كافة المستويات القيادية"، معرباً عن اعتقاده بأن روسيا "بدأت تجد نفسها محرجة أمام تركيا بضمانتها للنظام، ولا بد أن تخطو خطوات جادة للتراجع عما حدث وعدم الاستمرار به"، مضيفاً: "أما إيران فلا ضمان ولا عهد ولا ذمة، وهذا ديدنها دوماً".

من جهته، أوضح الباحث في مركز "جسور" للدراسات عبد الوهاب عاصي، أن سيطرة قوات النظام على مطار أبو الظهور "تعني ازدياد نسبة سيطرة مليشيات النظام بمساحات السيطرة الكلية، وهذا سينعكس بطبيعة الحال على المسار السياسي المدعوم من روسيا وإيران، سوتشي وأستانة". وأشار عاصي إلى أن سيطرة مليشيات النظام على كامل سكة القطار، وتأمينها من جهة الغرب بمسافة 7 كيلومترات على الأقل، تعني توفير خط تجاري متصل من حلب حتى دمشق، بالنسبة للنظام وحلفائه، موضحاً أن إيران تسعى إلى تأمين قاعدة عسكرية رئيسية لإيران في الشمال السوري، مشيراً إلى أن السيطرة على مطار أبو الظهور تتيح للمليشيات الإيرانية تأمين نقطة انطلاق عسكرية باتجاه بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين بالقرب من مدينة إدلب، ومناطق أخرى في عمق محافظة إدلب والشمال السوري إن أرادت شن عمليات لاحقة.
كما شرح العاصي أن "السيطرة على المطار تتيح للنظام وحلفائه محاصرة الشمال السوري من 3 أكبر مطارات عسكرية، من جهة الغرب حميميم، ومن الوسط أبو الظهور، إضافة إلى مطار النيرب في ريف حلب"، مضيفاً: "السيطرة على أبو الظهور تعني أن النظام سيطر على أهم المطارات العسكرية في البلاد".