بداية المعارك كانت في القلمون الغربي. حضّر القادة العسكريون للحزب على مدى أشهر لهذه المعركة، التي سمّاها نصرالله في أحد خطاباته بـ"معركة الربيع" التي ربط حصولها بذوبان الجليد. في الثالث من مايو انطلقت هذه المعركة، وأعلن إعلام حزب الله عن السيطرة على عدد كبير من التلال في الجرود، وقد أعطى هذا الإعلام لكلّ تلّة قيمة استراتيجيّة كبرى، إلا أن عمليات المعارضة السورية في القلمون استمرت في الانطلاق من جرود بلدة الطفيل، وهي الجرود التي يُفترض أن الحزب سيطر عليها من الأيام الأولى للمعركة.
شكّلت معركة القلمون الغربي تحدياً أساسياً لحزب الله، الذي ردّد مقربون منه عند سؤاله عن احتمالات الفشل بالقول إنه بعد كل التحضيرات العسكرية والميدانية فإن الفشل في هذه المعركة يطرح أسئلة عن جدوى وجود الحزب في سورية. وللإشارة، فقد بدأت هذه المعركة بعد سلسلة هزائم قاسية للحزب والنظام السوري في الجنوب السوري (معركة شهر شباط/ فبراير) والشمال السوري (فشل الهجوم شمالي حلب خسارة إدلب وسهل الغاب).
وقبل حسم معركة القلمون الغربي، مهّد نصرالله لمعركة جرود بلدة عرسال اللبنانيّة. اتهم في أحد خطاباته في منتصف مايو مخيمات اللاجئين السوريين في بلدة عرسال بتشكيل نقطة عبور للسلاح من الأراضي اللبنانية إلى الزبداني وريف دمشق عبر جرود القلمون. وفي السابع والعشرين من مايو، أطلق الحزب معارك جرود عرسال. وبين هاتين المعركتين، فشل الحزب في توريط الجيش اللبناني بهذه المعارك، إذ كان يسعى الحزب لأن يُبادر الجيش إلى معركة جرود عرسال. لكن قيادة الجيش فضّلت تعزيز خطوط عن الحدود اللبنانيّة، ودخلت وحدات من الجيش إلى داخل عرسال بعد مناشدات من أهلها. وفي الوقت عينه، امتنعت المعارضة السورية عن توجيه سلاحها إلى الجيش، لمعرفتها أن هذه هي رغبة الحزب.
إذاً، اضطر الحزب لخوض المعركة وحيداً في جرود عرسال. وفي الأيام الأولى، أعلن إعلامه السيطرة على مساحات واسعة من الجرود في ظلّ نفي من المعارضة السورية، وتحديداً جبهة النصرة. ثم جاءت "الجولة الإعلاميّة" التي نظّمتها جبهة النصرة لأهالي المخطوفين من الجيش اللبناني لديها، تحت عنوان لقاء إنساني بين المخطوفين وأهلهم، لتُؤكّد فشل الحزب في السيطرة على جرود عرسال. فبحسب ما نقله "الزوار"، فإنهم تنقلوا لساعات في مناطق سيطرة "النصرة"، التي تنشر حواجز علنية كما ردد الأهالي. ثم غابت معركة جرود عرسال عن الإعلام الحليف لسورية ولحزب الله، وعن الميدان، من دون تحقيق أهدافها. وفي الثالث من يوليو/ تموز بدأ الحزب معركة احتلال مدينة الزبداني، التي تُعد ساقطة عسكرياً بسبب حصارها من جميع الجهات. إذ يُسيطر حزب الله والجيش السوري على التلال المحيطة بها منذ فترة طويلة، وتعيش المدينة في ظلّ حصار مستمر منذ سنتين. وبعد نحو ثلاثة أسابيع فشل الحزب في السيطرة على هذه المدينة، التي سجّل المدافعون عنها "ملحمة" بالمعنى العسكري، كما يقول العارفون بهذا الشأن.
السيطرة النارية على المدينة من التلال المحيطة، تجعل تحرك أي شخص داخلها هدفاً سهل المنال للمحاصرين والقوات المهاجمة الذين يتمتعون بميّزات السيطرة الجوية وغزارة النيران وخطوط الإمداد المفتوحة والقدرة على تبديل المقاتلين ومعالجة الجرحى. وقد سعى حزب الله للسيطرة على الزبداني قبل يوم القدس (17 يوليو)، ليُعلن نصرالله انتصاراً يرفع معنويات مناصريه، وخصوصاً أنه لم يتمكن من إعلان انتصار حاسم في القلمون الغربي وفي جرود عرسال، لكن ذلك لم يتحقق. ثم جاء الموعد الثاني، الذي انتشر في أوساط مناصري الحزب، بأن السيطرة على المدينة ستكون قبل عيد الفطر، وهو ما لم يحصل أيضاً.
اقرأ أيضاً: هدوء جبهة عرسال: ترسيم الحدود بين حزب الله و"الفتح"
بين هذه المعارك الثلاث، أعلن الأمين العام لحزب الله في العاشر من يونيو/ حزيران بداية المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد هجوم مقاتلين من التنظيم على نقطة للحزب عند الحدود اللبنانيّة وقتلوا العناصر المتواجدين فيها. لكن هذه المعركة لم تبدأ فعلياً بعد، إذ لم يجر اشتباك حقيقي بين مقاتلي حزب الله المنتشرين في سورية ومقاتلي "داعش". كما أن تدقيقاً لاحقاً في المعلومات بخصوص الهجوم الذي حصل في التاسع من يونيو، يبيّن بأن من قام به هم مقاتلون انشقوا عن "داعش" بسبب عدم قتاله حزب الله في معارك جرود عرسال، وافتعال معركة مع جبهة النصرة في الوقت عينه. كما أن من صدّ الهجوم وقتل المهاجمين بعد السيطرة على موقع حزب الله في رأس بعلبك هو الجيش اللبناني، الذي قصف الموقع بنيران غزيرة واستخدم السلاح المروحي.
عودة الجنوب إلى الواجهة
في ظلّ استمرار معركة الزبداني، التي يبدو أن المدافعين عنها يستخدمون تكتيكاً عسكرياً فاجأ القوات المهاجمة، يجري التحضير لشنّ معركة على الجنوب السوري. وبحسب مصادر المعارضة السورية، فإن حزب الله والحرس الثوري الإيراني يُحضران لشنّ معركة مشابهة لمعركة شهر فبراير/ شباط الماضي بهدف تحقيق الأهداف التي فشل الهجوم في تحقيقها. وتتلخّص هذه الأهداف بالسيطرة على مثلث يقع بين درعا والقنيطرة وريف دمشق من دير العدس إلى الهبارية، وتبلغ مساحته سبعة كيلومترات مربعة.
يُحاول حزب الله والإيرانيون استغلال عاملين لصالحهما: الأول الارتباك في صفوف الجبهة الجنوبية، وهو ارتباك نتج عن فشل الهجوم على مدينة درعا، وقبل ذلك فشل إحكام السيطرة على مطار الثعلة العسكري. والعامل الثاني، فشل قيادة الجبهة الجنوبيّة من بناء علاقة متينة مع دروز السويداء، وجذبهم إلى جانب المعارضة، خصوصاً مع عدم القدرة على تأمين ضمانات لحمايتهم من "داعش". وقد عمل الإيرانيّون على هذه النقطة، بحيث إن المزاج العام لـ"دروز السويداء يُعتبر قريباً من الإيرانيين"، بحسب ما يقول مصدر في المعارضة السورية مطلع على العلاقة مع السويداء لـ"العربي الجديد"، لكنّه يُضيف بأن هذا الميل "لا يعني استعداداً للقتال إلى جانبهم خارج حدود السويداء، وذلك بعد تكرر خيانة مقاتلي النظام لهم في عدد من المعارك أبرزها درنة ودير داما". ويلفت إلى أن الميل الأبرز بين مشايخ السويداء هو حماية القرى والبلدات، من دون خوض معارك خارجية. لكن هذا لا يعني عدم قدرة الإيرانيين على حشد مئات من المقاتلين الدروز المنضوين في صفوف المليشيات القومية أو حزب الله السوري للمشاركة في معركة الجنوب، بهدف استجلاب ردّ على المناطق الدرزية وخلق صراع دموي بين درعا والسويداء، كما يقول المصدر المعارض، الذي يُشير إلى أن النظام السوري وحلفائه الإيرانيين يعملون على ذلك منذ فترة.
اقرأ أيضاً: قياديو "حزب الله" على الجبهة: إنها لعبة الصورة