يسود توتر واحتقان في ريف حلب الغربي ومناطق في ريف إدلب تسيطر عليها المعارضة السورية، في خضم اشتباكات دامية، إثر محاولة "جبهة فتح الشام" وفصيل "جند الأقصى" السيطرة على مواقع عسكرية تابعة لفصائل معارضة. وانتقدت حركة "أحرار الشام" بشدة "جبهة فتح الشام"، مؤكدة أنها لن تسمح بـ"العبث"، فيما أعلن أحد قادة المعارضة السورية المسلحة النفير ضد الفصيل المتهم بـ"التشدد"، وخلط الأوراق بما يخدم النظام وحلفائه.
وأكد القيادي البارز في "جيش المجاهدين"، النقيب أمين ملحيس، لـ "العربي الجديد"، أن مقاتلي "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً) قاموا صباح أمس الثلاثاء بـ"تطويق مستودعات جيش المجاهدين، ومقراته"، مشيراً إلى أن التطويق "امتد ليشمل غرفة عمليات منطقة الراشدين غربي مدينة حلب". وأكد أن "الجبهة" منعت مقاتلي "جيش المجاهدين" من الخروج من المنطقة لـ"جلب طعام، وذخيرة"، مشيراً إلى اشتباكات بين "الجيش" و"الجبهة" في مناطق الدانا وسرمدا والحلزون في ريف إدلب. وأشار ملحيس إلى أن منطقتي الراشدين، وسوق الجبس صمدتا أمام قوات النظام، والمليشيات الطائفية على مدى ثلاث سنوات، موضحاً أن "جيش المجاهدين قدم أكثر من 300 شهيد، ولم تسقط نقطة رباط فيه...والآن تأتي جبهة فتح الشام لتطويق هذه الجبهة". وقال ناشطون إن منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب تشهد اشتباكات دامية بين "جبهة فتح الشام"، وبين فصائل معارضة، مشيرين إلى أن الأخيرة قامت باقتحام معسكر لـ"الجبهة" في قرية إحسم، بالتزامن مع اشتباكات في مرعيان، مؤكدين مقتل عدة مدنيين، بينهم أطفال ونساء، في قرية حلزون نتيجة الاشتباكات.
وأكد ملحيس أن "المجاهدين" بدأ مفاوضات فورية للاندماج الكامل مع حركة "أحرار الشام"، كبرى فصائل المعارضة السورية، مشيراً إلى أن "المفاوضات لم تنته بعد". ويحاول "جيش المجاهدين" من خلال اتحاده مع "أحرار الشام" حماية نفسه، في ظل التفوق العسكري لـ"فتح الشام". ويعد "جيش المجاهدين"، الذي تشكّل في بدايات عام 2014 من اندماج عدة فصائل، من أبرز فصائل المعارضة السورية المسلحة في ريف حلب الغربي، وكان له دور محوري في قتال قوات النظام، والمليشيات الطائفية منذ ذلك الحين، مفشلاً محاولات قامت بها لاقتحام بلدات هذا الريف الذي لا يزال تحت سيطرة المعارضة منذ أوائل عام 2012. وكانت "جبهة فتح الشام" هاجمت منذ أيام مقرات لحركة "أحرار الشام" في مناطق عدة في ريف إدلب شمال غربي البلاد، سرعان ما جرى تطويقها من قبل الطرفين، لكنها أكدت على وجود خلاف كبير بين "الجبهة" والحركة، بالتزامن مع حراك دولي تجسد في مؤتمر أستانة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار تمهيداً للبدء بعملية سياسية تفضي إلى تسوية في سورية. وحاولت "جبهة فتح الشام" التنصل من مسؤوليتها عن الاشتباكات مع "أحرار الشام" من خلال إصدار بيان أعلنت فيه عدم تبعية فصيل "جند الأقصى"، الذي يُوصف بـ"المتشدد"، لها "تنظيمياً"، مؤكدة أن الفصيل لم يتعامل مع "الجبهة على أساس السمع والطاعة، الركن الرئيس للبيعة". وكان "جند الأقصى" أعلن الاندماج مع "فتح الشام" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إثر اشتباكات دامية مع "أحرار الشام" أدت إلى توقف القتال ضد قوات النظام في ريف حماة الشمالي، وتقدم الأخيرة على حساب المعارضة السورية المسلحة. وأكدت "جبهة فتح الشام" في بيانها الصادر مساء أول من أمس أنها قبلت اندماج "جند الأقصى" معها لاحتواء الخلاف والوصول إلى تهدئة.
من جانبها، انتقدت حركة "أحرار الشام" بشدة "جبهة فتح الشام". وأشارت، في بيان أمس، إلى أن الأخيرة تعتدي على "الآخرين" من دون مبرر أو دليل شرعي، موضحة أن تصرفات "الجبهة اللامسؤولة هي أعظم ما يخدم العدو في تنفيذ مخططاته لعزلها، ولإنهاء الثورة عبر الدخول في نفق اقتتال داخلي لا نهاية له". وأكدت أنها ستقوم بمهمة "قوات فصل لمنع الاقتتال"، ومنع أي أرتال لـ"جبهة فتح الشام" أو غيرها، تتوجه للبغي على المسلمين. وشددت الحركة على أنها لم تسمح "لكائن من كان، أن يعبث بالساحة من أجل مصالحه الفصائلية الضيقة"، طالبة من المدنيين النزول إلى الشوارع "للضغط على كل من يبغي ويعتدي"، ولقطع الطرقات على "الأرتال المعتدية"، وفق نص البيان.
وأعلن أبو عيسى الشيخ، قائد فصيل "صقور الشام" وهو من أبرز فصائل المعارضة المسلحة في ريف إدلب أمس، النفير ضد فصيل "جند الأقصى". وقال في تغريدات له على "تويتر": "دافعنا عنهم في المحافل، فآثروا الغدر، والختر، والطعن في الظهر"، مضيفاً "لا نجونا ولا نجت الثورة، إن نجت هذه العصابة، فمن لم يغضب اليوم، فلا غضب له". واتهمت فصائل المعارضة السورية فصيل "جند الأقصى" بتمهيد الطريق أمام الطيران الروسي والتحالف الدولي لاستهداف معاقلها من خلال التغلغل داخلها، وتسعير نيران احتراب داخلي يصب في صالح النظام، وحلفائه. ودعا علماء سوريون معارضون "جبهة فتح الشام" إلى الوقوف مع فصائل المعارضة السورية لـ"صد بغي" فصيل "جند الأقصى"، واصفين إياه بـ"العصابة الخارجة الباغية".
وظهر فصيل "جند الأقصى" في سورية في بدايات عام 2013 إثر استفحال الخلاف بين "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إذ انشق أبو عبد العزيز القطري، وهو من أصول فلسطينية، عن "النصرة" التي كان أحد مؤسسيها، واستقطب عدداً من العناصر الذين فضّلوا عدم الانخراط في الصراع بين "الجبهة" والتنظيم، مشكلاً هذا التنظيم الذي ظل طيلة عامين محل جدل وخلاف بين السوريين المؤيدين للثورة. وتؤكد مصادر مقربة من الفصيل أنه يتبنى فكر تنظيم "القاعدة"، وأن القطري كان من المقربين من زعيمه، أيمن الظواهري، قبيل مجيئه إلى سورية. وكان القطري لقي مصرعه في معارك خاضها فصيله مع "جبهة تحرير سورية" في ريف إدلب في 2014، ووجدت جثته في بئر في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب أواخر ذلك العام. لكن الفصيل لم يتأثر بمقتله، إذ ترجح مصادر تولي أحد أبناء القطري القيادة بعد مقتل والده. وأسهم الفصيل في العديد من المعارك التي أدت إلى سيطرة المعارضة السورية على كامل محافظة إدلب، كما كان من المساهمين بتشكيل "جيش الفتح" قبل أن ينسحب منه، إذ اختار خوض معارك منفردة مع قوات نظام بشار الأسد.
ولا توجد معلومات مؤكدة عن عدد عناصر هذا الفصيل، إلا أن مصادر تؤكد أن "عددهم محدود"، إذ خسر، خلال العامين الماضيين، عدداً من مقاتليه في المعارك، أو من اختاروا الذهاب الى معاقل "داعش" في سورية. ويعتمد الفصيل على تسليح نفسه مما يغتنمه من عتاد من قوات النظام، كما أن قوته الضاربة تكمن في امتلاكه عدداً من "الانتحاريين" الذين يقومون بالاقتحامات بعربات مفخخة تقلب أحياناً موازين المعارك. ويرى الباحث السوري في الحركات الإسلامية، أحمد الرمح أن "جبهة فتح الشام تريد فرض واقع مختلف تستطيع من خلاله الضغط على الأتراك لعلهم يجدون لها منفذاً مما سيلحق بها فور انتهاء مفاوضات أستانة"، معرباً عن قناعته بأن ما تقوم به الجبهة "ربما يؤجل عملية القضاء عليها"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، لكنه لا يلغيها فهم الهدف بالنسبة للتحالف الدولي، والروس، والأتراك.