ومع حلول الذكرى الرابعة لانطلاق ثورة السابع عشر من فبراير/شباط التي أطاحت بالعقيد القذافي، لا تلوح في أفق سماء بنغازي أية بوادر لحل وشيك للأزمة.
بدأت أعمال العنف بخروج أعداد من المسلحين في مناطق وأحياء متعددة من المدينة، وصاحب ذلك اندلاع اشتباكات وصفت بالعنيفة بين قوات تابعة "لمجلس شورى الثوار" وكتيبتي 204 دبابات الواقعة في حي الفويهات وكتيبة 21 صاعقة في طابلينو.
وشهد اليوم الأول لما أطلق عليه "انتفاضة الكرامة ببنغازي" اقتحام مجموعات من المسلحين منازل كثيرة تتبع لقوات المجلس، بين أبرزها عائلة "صويد" في حي بوهديمة، وأدى الاعتداء إلى مقتل والد العائلة وولديه، وصاحب حادثة منزل صويد، حادثة أخرى مماثلة، إذ اقتحم مسلحون تابعون لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر منزل عائلة "الكرشيني" في الماجوري.
واستمرت عمليات الهدم والاعتداء على منازل في مناطق مختلفة من المدينة، وقال آمر المحور الساحلي التابع لما يعرف بعملية الكرامة "فرج البرعصي" إن الجيش عندما دخل إلى مناطق بنغازي قام بإزالة منازل كل من هو مشتبه به أو متورط في سفك دماء الليبيين.
مسلحو حفتر
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول دخلت قوات عسكرية تابعة لحفتر إلى بنغازي من المدخل الشرقي للمدينة، واستطاعت بالتعاون مع شباب المناطق المسلحين وكتيبتي 204 و21 صاعقة السيطرة على مناطق واسعة في المدينة، أبرزها حي السلام وسيدي يونس والسلماني وبوهديمة، وتمركزت قوات "شورى الثوار" في الأحياء الغربية للمدينة، ومناطق أخرى، أبرزها الليثي والصابري الذي يشهد اشتباكات مسلحة عنيفة وقصفا جويا ومدفعيا من قوات الكرامة في محاولة للسيطرة عليه.
وشهدت المدينة في الفترة اللاحقة نقصا في غاز الطهي استمر ما يربو على الشهر، ما اضطر المواطنين إلى اللجوء إلى وسائل أخرى للطهي.
وذكرت شركة "البريقة" لتسويق النفط والغاز، فرع بنغازي، أن السبب الرئيس وراء نقص غاز الطهي في المدينة وضواحيها يرجع لإغلاق ميناء بنغازي البحري الذي كان يستقبل سفن شحن الغاز القادمة من طرابلس، مبينا أن الشركة أصبحت تستقبل سفن الشحن في ميناء طبرق البحري للتسريع من عملية نقل الأسطوانات إلى بنغازي وضواحيها.
وساهم في استمرار أزمة الغاز في المدينة قيام بعض العصابات بالسطو على شاحنات الغاز القادمة من ميناء طبرق البحري للتخفيف من أزمة الغاز، وتعرض بعض الموزعين في المدينة إلى اعتداءات متعددة وسرقة أسطوانات الغاز، الأمر الذي جعل الموزعين يمتنعون عن التوزيع.
واختلفت طرق تعاطى أهالي مدينة بنغازي وضواحيها مع الأزمة، فمنهم من فضل استخدام آلات الطهي الكهربائية عوضا عن الغاز، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، خاصة في الأجزاء الشرقية من المدينة، إذ بلغ متوسط سعرها نحو 35 دينارا ليبيا للقطعة الواحدة، أي ما يعادل 25 دولارا، الأمر الذي اعتُبر استغلالا من قبل بعض التجار في هذه الأزمة.
ولجأ مواطنون آخرون إلى الاحتطاب وجمع أغصان الأشجار والأخشاب لاستخدامها في الطهي، معتمدين على الغابات في ضواحي مدينة بنغازي، ما ترتب عليه ضرر في الأشجار في تلك المناطق.
توقف الخدمات الطبية
وأغلقت أغلب مشافي مدينة الرئيسية في بنغازي، أبوابها بسبب وقوع أغلبها في مناطق الاشتباكات المسلحة، واستمر مركز بنغازي الطبي ومستشفى الجلاء للحوادث في تقديم خدماتهما للمواطنين.
وفي تطور خطير حذّر المكتب الإعلامي في مركز بنغازي الطبي، في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، من اقتراب نفاد الإمدادات الطبية وعقاقير التخدير والأدوية الأساسية في المركز، وأنه سيتوقف عن استقبال المرضى إلى حين توفر النواقص.
وفي سياق متصل أخلى مركز خدمات الكلى في بنغازي بداية شهر فبراير/شباط مسؤوليته الكاملة عما سيترتب عليه الإغلاق المتوقع للمركز.
وقال المكتب الإعلامي للمركز إن مخزون الأودية يكفي مدة أسبوعين فقط، ما قد يؤدي إلى إغلاق المركز الذي يعاني من نقص الأدوية والمواد التشغيلية ونفاد عدد منها، إضافة إلى تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة التي يقع فيها.
قبل أن يعلن رئيس مجلس المرافق الصحية في بنغازي في الثاني من فبراير/شباط وصول شحنة من مواد الغسيل الكلوي تكفي لـ 2000 جلسة غسيل، عبر مطار الأبرق.
واشتكى المكتب الإعلامي لمركز خدمات الكلى، من تكدّس الجثث مجهولة الهوية داخل ثلاجته أيضا، وازدحام المرضى داخل أقسامه على خلفية إغلاق البرج الثالث بالمركز لاندلاع النيران فيه إثر سقوط قذيفة عليه.
من جهة أخرى وفي سياق الأزمة الصحية في المدينة ناشدت إدارة مستشفى النفسية في بنغازي، في الرابع من فبراير/شباط الجاري، أهالي المرضى اصطحاب أبنائهم إلى بيوتهم إلى حين تحسن أوضاع المستشفى.
وقال المدير التنفيذي للمستشفى فرج أبو خريص إن المستشفى عاجزة عن تقديم الخدمات للمرضى؛ بسبب نقص المعدات والبنى التحتية اللازمة لذلك، مضيفا أن المستشفى تعاني من نقص في الأدوية، وأن كمية الأدوية لا تكفي لتغطية احتياجاتهم شهراً واحداً.
وكان مستشفى الأمراض النفسية في بنغازي الذي يحتوي على 250 مريضاً، قد انتقل من مقره في منطقة الهواري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي إلى مدرسة العُلا في منطقة السلاوي، على معاناة إنسانية مستمرة في الذكرى الرابعة لثورة فبراير في مدينة بنغازي.
ويبقى واضحا أن معاناة المدينة وأهلها سوف تبقى مستمرة بحلول الذكرى الرابعة لانطلاق ثورة السابع عشر من فبراير/شباط، مع عدم قدرة أي من الأطراف المتقاتلة بسط سيطرته على المدينة وتأمينها.