يبدو أن معركة محافظة الحديدة اليمنية، كأكبر معركة يحشد لها التحالف والقوات الموالية للشرعية، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، ترسم معادلة يمنية جديدة، سياسياً وعسكرياً، كان من أبرز مظاهرها التقارب المفاجئ بين الحكومة اليمنية والتحالف، بواجهته الإماراتية. كذلك استدعت المعركة حشداً من الوعود والتصريحات الصادرة عن التحالف، حاولت طمأنة سكان المدينة والمجتمع الدولي، بخطط إغاثية ومساعدات إنسانية، في سبيل تخفيف الضغوط الدولية المعارضة لاجتياح المدينة عسكرياً.
وكشفت مصادر سياسية يمنية، لـ"العربي الجديد"، أن مدينتي جدة ومكة شهدتا، في الأسابيع الأخيرة، اتصالات واجتماعات مكثفة على صعيد أطراف التحالف الفاعلة (السعودية والإمارات)، في مقابل الحكومة اليمنية وقيادات من قوى فاعلة في البلاد، سعت إلى ترميم العلاقة المتدهورة، التي وصلت إلى حد الصراع بين الحكومة والتحالف في المناطق اليمنية المحررة أو غير الخاضعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، جنوباً وشرقاً، بالتزامن مع تكثيف الاستعدادات العسكرية لعملية الحديدة، التي يتفق مختلف الأطراف على اعتبارها هدفاً استراتيجياً، يتطلّب تجاوز الخلافات، وجهداً سياسياً ودبلوماسياً يوازي العمل العسكري الميداني.
وأثمرت الجهود والمراجعات التي بدأها التحالف، عقب أزمة سقطرى، في مايو/ أيار الماضي، تحقيق تقدم في أحد أكبر الملفات التي كانت عنواناً متكرراً للأزمة في البلاد، خلال العامين الأخيرين، وهي خلافات الحكومة اليمنية مع الإمارات، التي كانت قد وصلت إلى التدويل. وتكللت الجهود بزيارة سريعة للرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، إلى الإمارات، ثم عودة رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر، وهادي نفسه، إلى مدينة عدن التي تُوصف بـ"العاصمة المؤقتة" بعد ما يقرب من عام ونصف العام على مغادرتها للإقامة في الرياض. وكانت الإمارات، بوصفها واجهة نفوذ التحالف في المدينة، تمنع عودة هادي، الأمر الذي صرّح به مسؤولون رفيعو المستوى في الأشهر الأخيرة.
وعلى الرغم من أن المراجعة الإماراتية للعلاقة مع الشرعية، ومثلها الجهود السعودية لحل الأزمة بين الطرفين، بدأت عملياً مع أزمة سقطرى، إلا أن تطورات الأيام الأخيرة، وما ترافق معها من بيانات وتصريحات، كشفت أيضاً الصلة الوثيقة للتفاهمات بالعملية العسكرية الكبرى منذ سنوات في "عروس البحر الأحمر" (الحديدة)، التي تعد ثاني أهم معركة منذ انطلاق عمليات التحالف في مارس/ آذار 2015، بعد معركة عدن ومحيطها من المحافظات الجنوبية، في الأشهر الأولى من الحرب. وهذه المرة، يُنظر إلى الحديدة كمعركة حاسمة، قد يكون لها الأثر الأكبر في المسارين السياسي والعسكري في البلاد. وبرز التنسيق اليمني السعودي الإماراتي، في عملية الحديدة، من خلال مجموعة من الخطوات والبيانات، إذ تولّت الحكومة اليمنية صدارة الوقوف بوجه الضغوط الدولية، على نحو أعاد الأنظار إلى ملابسات انطلاق "عاصفة الحزم" ذاتها، التي سبق الإعلان عنها برسالة يمنية رسمية تطلب تدخلاً خليجياً لحماية الشرعية. وفي الحديدة، تكررت البيانات والتصريحات على المستوى الرئاسي والحكومي، التي تشدد على أن لا فرصة سياسية جديدة في الحديدة، وتطلب من التحالف دعم الجيش اليمني بـ"الحسم العسكري". وأعلن وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، في تصريحات صحافية، أن ملف "الدبلوماسية" قد أُغلق، وهاجم دولاً في مجلس الأمن قال إنها تمارس الابتزاز لوقف ما سماه "تحرير" الحديدة، في إشارة على ما يبدو إلى بريطانيا، التي طلبت اجتماعين استثنائيين في مجلس الأمن لمناقشة تصعيد الحديدة، على الرغم من أن تصريحات مسؤوليها، أخيراً على الأقل، لم تظهر معارضة صارمة للعملية من حيث المبدأ.
وفي السياق، أطلقت الرياض وأبوظبي، خلال الأيام الماضية، سلسلة من التصريحات والبيانات، التي تخاطب المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية التي تضغط لوقف هجوم الحديدة. ومن ذلك، إعلان، من قبل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ومسؤولين في الجهات الإماراتية المعنية، يتحدّث عن خطة إنسانية لمدينة الحديدة، وعن مساعدات ستصل إلى ميناء المدينة (بعد استعادته من يد الحوثيين). كذلك نشرت وسائل إعلام تابعة للدولتين تقارير توثق الدعم المقدم من التحالف للمنظمات الأممية والتسهيلات المقدمة منها، خلال الأعوام الماضية، وكل ذلك في إطار عملية الطمأنة التي تسعى إلى التخفيف من الضغوط.
وبصورة إجمالية، تظهر مجمل الخطوات التي اتخذتها الحكومة اليمنية، ومثلها دول التحالف، عسكرياً ودبلوماسياً، أهمية الحديدة كمعركة عسكرية ودبلوماسية، والتي تطلبت حشد أكبر عدد من الجهود ومعالجة أزمة كبيرة كخلافات الإمارات - الشرعية، وإن كان الاختبار الحقيقي هو بقاء التفاهمات أكبر وقت ممكن في المرحلة المقبلة. كل ذلك، عدا عن المتغيرات الممكن أن تدخلها الحديدة على المشهد اليمني برمته، ليس لأهمية الحديدة استراتيجياً وللملاحة الدولية فحسب، بل كذلك، للآثار المحتملة على الحوثيين إذا خسروا المدينة كآخر منفذ بحري يخضع لسيطرتهم، وبالتالي ارتفاع حظوظ الدخول في عملية سياسية يقدم الحوثيون فيها تنازلات. مثلما أن التأثيرات قد تكون على الضد من ذلك، بوضع خيار الحل السياسي جانباً، الأمر الذي يعتمد على ما ستسفر عنه المعركة في الحديدة، من معطيات مفتوحة على كافة الاحتمالات. وفي حين أعلن الجيش اليمني، أمس السبت، أن قوات تابعة للتحالف دخلت مطار مدينة الحديدة، قال مصدر في الجيش اليمني وسكان إن القوات تحاصر المبنى الرئيسي بالمطار لكنها لم تسيطر عليه. وأضاف المصدر "نحتاج إلى بعض الوقت للتأكد من عدم وجود مسلحين وألغام أو متفجرات بالمبنى".