سار مراد طيلة ثلاثة أيام على أقدامه من أجل الخروج من مدينة المعضمية التي تبعد ثلاثة كيلومترات عن دمشق، باتجاه لبنان، عابراً بذلك ثكنات عسكرية عدة تابعة لقوات النظام السوري. ويقول مراد الشامي، وهو أحد الناشطين الإعلاميين في مدينة المعضمية، وشاهد على كافة المجازر التي ارتكبتها قوات النظام، لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر للهرب عن طريق لبنان سيراً على الأقدام مخاطراً بحياته، لأن النظام بعد إبرام الهدنة مع المدينة، فتح طريقاً واحداً يسمح للأهالي بالعبور من خلاله، وإدخال المساعدات الغذائية، ونصب على هذا الطريق أربعة حواجز أمنية.
ويوضح أن الحواجز المتمركزة على الطريق الوحيد، تعمل على تفتيش المواطنين الداخلين والخارجين من المدينة بشكل دقيق. كما تسمح بدخول المساعدات الإنسانية ولكن بكميات محدودة جداً "غير كافية لتخزين مستودعات استراتيجية في المدينة، والهدف من ذلك هو إطالة الهدنة وإبقاء المدينة تحت رحمة المساعدات الغذائية".
وكانت قوات المعارضة السورية في مدينة المعضمية، بحسب الشامي، قد أُجبرت على إبرام هدنة مع قوات النظام السوري بعد حصار خانق دام لأكثر من عام وأربعة أشهر، وكان لهذه الهدنة مفهوم مختلف بين الطرفين، إذ يروّج النظام السوري لها على اعتبار أنها "مصالحة وطنية ويتبجح بها إعلامياً على الرغم من عدم قدرة قواته على أن تخطو خطوة واحدة داخل المدينة"، في حين يفهمها القائمون على الهدنة من طرف المعارضة المسلحة، على أنها إجراء يستطيعون من خلاله تخفيف الضغط عليهم، وفتح طريق للمدنيين لإدخال الطعام والمساعدات الإنسانية، ولا سيما بعد موت العديد من الأطفال نتيجة الجوع.
ودخلت الهدنة حيز التنفيذ في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2013، وتم رفع علم النظام السوري على خزانات المياه المرتفعة الموجودة داخل مدينة المعضمية. ويقول مراد إن "إبرام الهدنة تم بالاتفاق بين المجلس المحلي للمدينة، والفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري"، مضيفاً أن المعضمية وداريا الملاصقة لها، تحيط بهما كل من الفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري، والفوج 100، والفرقة العاشرة، والفرقة الأولى، والفرقة السابعة، والحرس الجمهوري 104 و 105، وأمن الدولة، ومطار المزة العسكري، وبالتالي فإن الهدنة أبرمت "مع فصيل واحد فقط، وهي غير ملزِمة لبقية الأطراف، وبناء عليه لم يتوقف القصف حتى الآن على المدينة".
ويشير الناشط إلى أن النظام أراد توجيه رسالة واضحة لأهالي المعضمية، فحواها أنهم تجنّبوا البراميل المتفجرة من خلال الهدنة. ويشدد على أن هناك خروقات كثيرة ارتكبتها قوات النظام، إذ قتلت 15 شخصاً بعد إبرام الهدنة، واعتقلت أكثر من 70 أثناء خروجهم من المدينة بتهم مزيفة (سلفي - إرهابي - قلب نظام الحكم…).
ويلفت مراد إلى أن النظام لا يزال عاجزاً تماماً عن دخول المدينة من خلال أية جهة تابعة له، جازماً بأن الثوار لا يزالون يسيطرون بشكل كامل على كافة أنحاء المدينة.
ويشير الرجل إلى وجود حوالي 20 ألف نسمة عادوا إلى المدينة بعد توقيع الهدنة، وذلك نتيجة "إيمانهم بأن كافة المدن السورية أصبحت تعيش الواقع ذاته"، مبيناً أن المدينة تفتقر إلى الخدمات والمرافق الأساسية، حيث لا يوجد سوى مستشفى ميداني وحيد بإمكانيات محدودة، قائم على خدمة المدنيين.
وعن الحصار الذي أهلك المدينة وناسها، يروي الشامي لـ "العربي الجديد" أن ما يزيد عن 6 آلاف نسمة ظلوا لمدة خمسة أيام من دون أي طعام على الإطلاق، وذلك نتيجة العاصفة الثلجية "أليكسا"، فراحوا يعتمدون بشكل رئيسي في طعامهم على الحشائش التي يقتطفونها من الأرض كل يوم، وهذا ما تسبب بوفاة أكثر من 200 شخص وعشرات الجرحى أثناء توجههم لقطف الثمار من البساتين التي تطل عليها مدافع قوات النظام السوري، فضلاً عن وفاة 10 أطفال نتيجة نقص التغذية، على حد تعبيره.