كشف تحقيق موسّع لقناة "إن بي سي" الأميركية، عن دور خفيّ للإمارات في عملية الإنزال التي نفّذتها قوّات خاصّة أميركية في قرية يكلا بمحافظة البيضاء اليمنية، في الـ29 من يناير/كانون الثاني الماضي، وأسفرت عن مقتل 16 مدنيًّا، 10 منهم أطفال دون سن الـ13، فضلًا عن 14 من تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، وعنصر من الفرقة الأميركية المهاجمة، وخمسة جرحى آخرين، ولم تفضِ في نهاية المطاف إلى إحراز أي نجاح يُذكر.
وتوثّق المعلومات التي كشفها التحقيق، ونشر الثلاثاء الماضي، بالاستناد إلى أكثر من 20 مصدراً مسؤولاً واستخباراتيّاً وعناصر من داخل قيادات العمليات الخاصة، أن المراقبة الأولية التي سبقت عمليّة الإنزال أكّدت أنّها تنطوي على مخاطرة كبيرة، وهو ما تجسّد لاحقًا على أرض الواقع بالفعل، كما أن القوّة الأميركية المهاجمة لم تتمكن من جمع أية وثائق أو مواد إلكترونيّة عن بنية التنظيم ومخططاته، وهو ما يضع رواية البيت الأبيض عن نجاح العمليّة في موضع مساءلة.
لكن وراء تلك الوثائق والمواد الإلكترونيّة، وهي الهدف المعلن رسميًّا من العمليّة، كانت ثمّة أهداف غير معلنة؛ وهي اعتقال أو قتل قيادات من "القاعدة"، من بينهم زعيم التنظيم في شبه الجزيرة، قاسم الريمي.
وكما تكشف عدّة مصادر من وحدات العمليات الخاصة، فإن إحدى أكثر النقاط سريّة في العملية هي أنّ الفرقة الأميركية كانت ستعمل "يدًا بيد" مع "شريك أجنبي"، حتّى وإن كان الأمر سيصبّ في مصلحة دعم أهداف دولة الإمارات المغايرة لمهمّات القتل "ذات القيمة العالية" بالنسبة للجانب الأميركي.
قدّمت الخطة لوزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، ودعمها هذا الأخير من ناحيته، وقبل العملية بأربعة أيام، وتحديدًا في ليلة الـ25 من يناير/كانون الأول الماضي، اجتمع فريق الأمن القومي الجديد للرئيس دونالد ترامب للمرة الأولى من أجل مناقشتها، وشملت قائمة الحاضرين كلًّا من ترامب نفسه، ونائبه مايك بينس، ومستشار الأمن القومي آنذاك، مايكل فلين، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، جوزيف دانفورد، والمرشّح لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، مايك بومبايو، وكبير الاستراتيجيين السابق، ستيف بانون، وصهر الرئيس جاريد كوشنر. أمّا الغائبون فكانوا الممثلين عن وزارة الخارجيّة، على خلاف ما كان معتمدًا لدى الإدارات الأميركية السابقة من كلا الحزبين.
ويكشف مصدران من داخل البيت الأبيض للقناة أن ماتيس ودانفورد استعرضا أهداف المهمّة أمام ترامب، وقدّما دعمًا متحفّظًا لها؛ على اعتبار أنّ وجود قيادات من تنظيم "القاعدة" في المكان المستهدف قد يتيح فرصة لتحقيق "نصر كبير"، وإذا لم تكن تلك القيادات موجودة لحظة الهجوم، فإن وجودها في تلك المنطقة في الماضي، والمعلومات المتوفّرة على الأرض، قد توفّر على الأقل "استثمارًا مجديًا للموقع" من شأنه أن يفتح الباب أمام سلسلة إنزالات متتالية. ووفقًا للمصدرين أيضًا، فقد شكك بانون وكوشنر في العمل على خطّة من بقايا عهد أوباما.
وأمام التحفظات الكثيرة، كان مستبعدًا أن يوافق ترامب على العملية، لكنه في صباح اليوم التالي سأل فلين عن رأيه، كما يستطرد المصدران السابقان، فأجابه أن المعلومات السرية الواردة من الإمارات تشير إلى أن أحد متصدّري قائمة الإرهابيين المطلوبين في العالم، وهو قاسم الريمي، قد يكون موجودًا في موقع الهجوم.
وكما يفصّل التحقيق، فإن فلين، الذي خدم سابقًا في "قيادة العمليات الخاصة المشتركة"، تواصل بنفسه مع زملائه السابقين في نورث كارولاينا لجمع معلوماته الخاصة عن المهمة المقبلة، قبل وبعد تنصيب ترامب رئيسًا، وتؤكّد مصادر متطابقة أنه تحدّث بنفسه كذلك مع نظرائه الإماراتيين.
وخلال المحادثة ذاتها، التي جرت بعد يوم من اجتماع مجلس الأمن القومي، ضغط فلين على ترامب من خلال إقناعه أن القبض على الريمي أو قتله سيميّزه عن أوباما الذي "لا يلعب داخل منطقة الجزاء"، إن صحّ التعبير، وأنّ الأفضل لترامب أن يكون "حاملًا للمخاطر" مقارنة بأوباما المتردد والمجادل إلى ما لا نهاية، كما أن ترامب "سيحترم" بذلك حلفاءه في الخليج الذين يعملون في اليمن.
بعد منتصف ليلة الـ29 من يناير/كانون الأول، انطلق جنود الوحدات الخاصة في فريق "سيل 6" الأميركي نحو القرية، وهبطوا على بعد خمسة أميال من الهدف، وكانت مهمّتهم هي التسلل إلى القرية أعلى المنحدر ومفاجأة عناصر "القاعدة" المتمركزين هناك. لكن مع اقترابهم كانت ثمّة مشكلة، حينما اكتشفت الطائرات بدون طيّار وطائرات التجسس حركة غير عاديّة تؤشّر إلى أن الفرقة قد تتعرّض للخطر، وقد عرفت قيادة العمليّات الخاصة في مقرّها بجيبوتي، وعناصر القيادة الذين كانوا لا يزالون على متن سفنهم في جزيرة ماكين، أن عنصر المفاجأة قد فُقد في تلك اللحظة، وقرّروا في نهاية المطاف، على الرغم من ذلك، المضيّ قدمًا.
ومع دخولهم القرية، واجه الجنود الأميركيون مقاومة شرسة وغير متوقّعة. الأنفاق والمواقع الدفاعيّة كانت مجهّزة بالفعل، وحتّى النساء كنّ يحملن السلاح، بحسب مصادر التحقيق، وخلال الدقائق الخمس الأولى من القتال، أصيب الضابط ريان أوينز بجراح قاتلة، وأعلن لاحقًا، بعد العمليّة، عن مقتله. يقول والده، بيل أوينز، للقناة: "لا تختبئوا وراء موت ابني لمحاولة تبرير أن تلك الغارة كانت نجاحًا.. لأنها لم تكن كذلك".