تحدث نصار، الخميس، عن علاقة علم الاجتماع والتاريخ، وحدد هذه العلاقة على أنها "علاقة أخوّة"، واعتبر أن كل ما يُكتب في التاريخ والأنثروبولوجيا يصب في العمران البشري؛ مشيراً إلى أن السير العائلية لا تقل شأناً في تأريخ الأحداث وتوثيقها إذا أخذنا البعد السوسيولوجي والتاريخي لألبومات الصور بعين الاعتبار.
وأشار نصار إلى أن جمع الألبومات التي تشكل أرشيفاً جمعياً لا يتم عشوائياً، إنما يجري ضمن اعتبارات قيميّة وثقافية معينة بالإضافة إلى تصور زماني ومكاني للصور المتاحة. وبهذا تظهر مواضيع يمكن دراستها والاتجاه بها إلى مجالات اجتماعية مختلفة تتكشّف لنا من خلال علاقة الصورة بالزمان والمكان والأشخاص.
وتناول المحاضر تعريفاً لمصطلح "ألبوم الصور" من وجهة نظر سوسيولوجية أنثروبولوجية على أنه سيرةٌ وسردٌ لأحداث وثّقها إنسان معين، وإما أنه قام بجمعها هو بذاته أو أن أحداً آخر قام بجمعها وتوثيقها لتروي هذه الألبومات خوالي الأمة، مشيراً بهذا إلى دور الفرد في عملية تخليد الذاكرة الجمعية.
وأجرى نصار عرضاً لصور جمعها الموسيقار والمؤرخ الفلسطيني الراحل واصف جوهرية (1897_1973)، الذي جمع في مذكراته تاريخاً لأحداث وسير هامة في التاريخ الاجتماعي الفلسطيني آنذاك.
وذكر أن جوهرية كان قد كتب يوميات عن فلسطين شملت الحقبة الأخيرة من العهد العثماني في المنطقة، حيث احتوى مؤلَّفه "تاريخ فلسطين المصور في العهد العثماني 1924" صوراً وتعليقات تعتبر ذاكرة وسيرة ومجتمعاً في ذات الوقت. وقال نصار إن جوهرية صاغ الألبومات جميعها مرفقة مع دفاتر ملاحظات في إطار التخطيط لمشروع تأريخي كبير.
وأوضح نصار أن ما كان جوهرية يهتم به هو الحصول على الصور وجمعها من أعيان القدس وفلسطين ليقحم نفسه، مجازياً، في هذه الصور، إذ إن جوهرية لم يكن موجوداً فعلياً في الصور التي جمعها. وذكر نصار إنه لم يكن هنالك أي صورة لعائلة جوهرية _أو حتى لجوهرية عينه_ باستثناء صورتين "دركيتين" لأخيه وأبيه اللذين يعملان في سلك الدرك.
وعرض الباحث في التاريخ صوراً وثقت، أحداثاً مهمة في تاريخ القدس كاحتفالاتٍ بالانقلاب الذي قامت به جماعة "تركيا الفتاة" عام 1908، إذ أطلق جوهرية على هذه الحركة مسمى "ثورة الحرية". وفي صورة أخرى نجد فيها احتفالاً غريباً من جانب جوهرية بالعسكر العثماني وممثليهم من القادة العسكريين الجزّارين في القدس أمثال العثماني جمال باشا "السفاح" وعلي روشان بك.
وبيّن نصار أن مثل هذه الصور تعبّر في مكنوناتها عن حال المجتمع الفلسطيني آنذاك، لكن جوهرية أراد أن يضفي عليها طابعه التهكمي الخاص باعتباره شخصية معروفة من قبل أبناء المجتمع عموماً والأعيان خصوصاً. وكان واصف يشير إلى نفسه في الصور، حتى وإن لم يكن موجوداً فيها ليعبّر في ذلك عن رمزية الصورة وفكرتها، وليثبت أنه جزء من الحدث والخوالج الفلسطينية اليومية، لتكون الصور التي حصّلها في ألبوماته ذاكرةً اجتماعيةً أكثر من كونها توثيقاً سياسياً.
وتجدر الإشارة إلى أن الدكتور عصام نصار من أبرز المهتمين في تاريخ فلسطين، تحديداً في المرحلة الأخيرة من العهد العثماني وفي حقبة حرب النكبة، ويذكر أنه حصل على درجات الدكتوراه والأستاذية من الجامعات الأميركية، وكان قد أصدر منذ أسبوعين كتاباً حول تاريخ فلسطين عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
وفي نهاية السمنار، جرى تبادل الأسئلة والإجابات في إطار نقاش مفتوح حول الصورة والهوية الجمعية ومحدداتها، وحول أهمية توثيق كل حدث في العصر الحديث ليتم تأمينه كأرشيف جمعي.