مع بدء وضوح صورة المعارك الحالية على مشارف مدينة الموصل، وتحقيق القوات العراقية المدعومة من واشنطن نجاحات كبيرة على حساب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، في أسبوعها الثالث، باتت الأجواء السياسية في بغداد وأربيل أكثر سخونةً وأعمق تعقيداً، حيث الحديث عن مرحلة ما بعد التنظيم في الموصل، الذي يوشك أن يفقد المدينة لصالح القوات المهاجمة.
وبينما يصرّ الأكراد على مشروع ضم مدن وبلدات عديدة من المحافظة، ثم بعد ذلك يترك للسكان الآخرين في مدن نينوى، تحديد تحولهم إلى إقليم أو البقاء كمحافظة، تعارض حكومة بغداد ذلك، وتشير إلى أنّ صورة ما بعد "داعش" يجب أن تكون هي نفسها ما قبله بمحافظة نينوى وعاصمتها الموصل.
ويأتي ذلك، بالتزامن مع رفض القوى السياسية السنية، التي تؤكّد أنّ المشروع الصحيح للمحافظة هو أن تتحول إلى خمس محافظات صغيرة، ثم إقليم يجمعها يُعرف باسم إقليم نينوى، وتكون له قوات تحرسه، كما في إقليم كردستان العراق، في وقت لا يزال فيه صوت الأهالي مغيّباً وهم محاصرون داخل الموصل منذ أكثر من عامين.
وفي هذا السياق، قال القيادي في الحزب "الديمقراطي الكردستاني"، محما خليل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المحافظة بحاجة إلى توافقات سياسية جديدة تضمن التعايش المجتمعي بين مكونات المحافظة، خصوصاً أنّ "داعش" أحدث تغييرا ديموغرافيا كبيرا فيها"، مؤكّداً أنّ "هناك استحقاقات ما بعد داع في الموصل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وتمنح ضماناً لحقوق المكونات".
ودعا إلى "استحداث محافظات جديدة في سنجار وسهل نينوى، تكون منفصلة عن الموصل"، معتبراً أنّ "هذا الطرح هو طرح دستوري ونحن متمسكون به". بينما طرح ائتلاف الوطنية الذي يتزعمه إياد علاوي، لتشكيل مجلس مؤقت بصلاحيات كافية لإدارة المحافظة بعد مرحلة داعش.
وقال المتحدّث باسم الائتلاف، كاظم الشمري، في بيان، إنّ "هناك العديد من التحديات التي ستواجه نينوى بعد تحريرها، وإنّ ترك القرار بيد مجلس محافظتها بوجود صراعات بين الكتل السياسية المكونة له قد يكون سببا في زيادة المشكلة، بدلاً من حلّها خلال هذه المرحلة".
ودعا الشمري، البرلمان، إلى "القيام بدوره وضمن صلاحياته الدستورية بتجميد عمل مجلس المحافظة لفترة معينة، ومنح الصلاحيات الكافية للقائد العام للقوات المسلحة لفرض حالة الطوارئ، وتشكيل مجلس مؤقت بصلاحيات كافية لإدارة أوضاعها خلال تلك الفترة، يتبعها إجراء البرلمان تقييما للنتائج المتحققة، بغية اتخاذ قرار بتمديد عمل المجلس المؤقت لفترة أخرى أو رفع التجميد عن مجلس المحافظة".
كما أوضح أنّ "نينوى ربما تكون هي المحافظة الأكثر تعقيدا من ناحية التنوع المكوناتي مع وجود أديان وقوميات عديدة قد لا نجدها في أية محافظة أخرى".
وبيّن أنّ "هناك جوانب عديدة ينبغي التعامل معها، كلا على حدة، وبنفس الأهمية والتنسيق، سواء من الناحية السياسية ومخاوف التقسيم واختلاف وجهات النظر بين بغداد وأربيل حول مستقبل المحافظة، فضلاً عن الحالات الانتقامية والصراعات المجتمعية، التي قد تحصل هنا وهناك نتيجة لمواقف وجراح مسبقة من مرحلة داعش".
بدوره، ردّ محافظ نينوى، نوفل العاكوب، على تلك الطروحات، بأنّ "الحكومة المحلية في الموصل هي الممثل الوحيد الشرعي والقانوني لأهالي المحافظة".
وشدد، في بيان، على أنّ "حكومة الموصل من خلال ممثليها تقوم بجولات مستمرّة مع القطعات العسكرية، لعكس ونقل الصورة الحقيقية والإيجابية لأبناء الشعب والدور البطولي والإنساني للقوات العسكرية". وأضاف أنّ "الحكومة المحلية تعمل اليوم على رفع الروح المعنوية للمقاتلين، لإيصال رسالة إلى الأهالي الموجودين داخل الموصل بأنّ إخوانهم قادمون لتحريرهم، وهذا كله نابع من حرص حكومة الموصل على المحافظة وعلى أهلها".
وينتظر محافظة نينوى مصير سياسي مجهول بعد انتهاء مرحلة "داعش"، فالصراع السياسي والأطماع في المحافظة بلغت أوجها مع انطلاق معركة التحرير، الأمر الذي عدّه مراقبون مرحلة خطرة ستواجهه المحافظة قد يكون أخطر من مرحلة التنظيم.