صحيح أن التخطيط لزيارة وفد الائتلاف الوطني السوري إلى واشنطن جارٍ منذ فترة، إلا أن استباق البيت الأبيض اللقاءات الرسمية، التي من المقرر أن تبدأ اليوم الثلاثاء، وتستمر حتى 14 من الشهر الحالي، وإعلان الإدارة الأميركية عن رفع الاعتراف بمكاتب المعارضة في كل من واشنطن ونيويورك إلى صفة "بعثات دبلوماسية"، كان مفاجئاً من ناحية التوقيت، وإن لم يكن مستبعداً في فحواه.
فقد قامت واشنطن في الآونة الأخيرة بخطوات عديدة توحي بمقاربة "جديدة" تجاه الوضع السوري، وإن لم يكن جذرياً في جوهره بحسب بعض المحللين السياسيين. وكانت الولايات المتحدة قد علقت عمل السفارة السورية في واشنطن وقنصلياتها الفخرية في كل من ولايتي ميشغين وتكساس. وطلبت من الموظفين من غير الأميركيين أو الحاصلين على إقامة دائمة، مغادرة الولايات المتحدة في منتصف شهر مارس/آذار الماضي. أضف إلى ذلك، كشْف وسائل إعلامية أميركية عن استخدام المعارضة السورية "المعتدلة" أخيراً، أسلحة "ثقيلة" من صنع أميركي. يُضاف إلى ذلك كشف إعلامي عن برنامج سري خاص، تقوم بموجبه عناصر أميركية بتدريب كوادر من المعارضة السورية المسلحة في الأردن. وكان الجربا قد أعلن عن نيته الطلب من واشنطن، خلال زيارته، تزويد المعارضة السورية "المعتدلة" بأسلحة نوعية إضافية.
ماذا يعني الاعتراف بمكاتب المعارضة كبعثات دبلوماسية أجنبية؟
ثمة في الولايات المتحدة مَن ينظر إلى قرار الإدارة على أنه مجرد ردّ دبلوماسي على خطوة الرئيس بشار الأسد في الترشح إلى انتخابات الثالث من يونيو/حزيران المقبل، وتلويح بالإقدام على المزيد من الخطوات في حال سار قدُماً في إقفال أبواب الحلول السياسية. وفي السياق، فإنّ الاعتراف بمكاتب الائتلاف كبعثات دبلوماسية، بحسب مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، "لا يعني منْح أعضاء البعثة حصانة دبلوماسية، بل يأتي من أجل تقوية المعارضة السورية المعتدلة، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية". كما أنه يترافق مع رفع قيمة المساعدات الأميركية "غير الفتاكة" للمعارضة السورية "المعتدلة" إلى 287 مليون دولار، إضافة إلى مساعدات أخرى لقيادات "الجيش الحر" لتحسين قدراتهم اللوجستية. ولا يعني هذا الاعتراف بمكاتب الائتلاف في الولايات المتحدة كبعثات دبلوماسية أجنبية، أن البعثة ستكون مخوّلة بفتح سفارة أو قنصلية في كل من واشنطن ونيويورك. ورداً على سؤال للصحافيين حول أهمية هذا الإعلان ومغزاه، قالت نائبة الناطق باسم مكتب وزير الخارجية، ماري هارف، إن هذا الرفع في مستوى التمثيل "سيسمح لبعثة المعارضة السورية بترتيب أمور مصرفية وأمنية، ومعالجة أمور رعاية السوريين في الولايات المتحدة".
ومن غير الواضح ما إذا كانت دول غربية وأوربية أخرى ستحذو حذو الولايات المتحدة في هذا الصدد. يُذكَر أن الولايات المتحدة كانت قد اعترفت في ديسمبر/ كانون الأول، بالائتلاف كممثل للشعب السوري. لكن ذلك الاعتراف "كان سياسياً وليس قانونياً" بحسب ماري هارف نفسها. ورفض المسؤولون الأميركيون التعليق على توقيت هذا الاعتراف القانوني، وعن سبب تأخره، على ضوء تكرار الإدارة الأميركية إعرابها، في أكثر من مناسبة، عن امتعاضها إزاء إعلان الأسد عن نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما رأت فيه خرقاً لتفاهمات محادثات جنيف.
الوفد وبرنامج الزيارة
تُعَد هذه الزيارة الرسمية الأولى لـ"الائتلاف" إلى واشنطن منذ ديسمبر 2012. وبحسب مكتب "الائتلاف" في واشنطن، سيضم الوفد، إلى جانب الجربا، كلاً من رئيس هيئة أركان "الجيش الحر" عبد الإله البشير، والأمين العام للإئتلاف بدر جاموس، وكل من كبير المفاوضين عن الائتلاف هادي البحرة والأعضاء أنس العبدة وميشيل كيلو ومنذر آقبيق وهيثم المالح وريم علاف وآخرين. ويتضمن برنامج الزيارة لقاءات مع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، كوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ورئيسة مجلس الأمن القومي، سوزان رايس، إضافة إلى مسؤولين في وزارة الدفاع والبيت الأبيض. ومن المتوقع أن تشمل اللقاءات كذلك مقابلات مع قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إضافة إلى لقاءات بأعضاء من مجلسي الشيوخ والنواب. ومن المقرر كذلك أن يلتقي أعضاء الوفد بممثلين عن مؤسسات أميركية بحثية، ووسائل إعلام أميركية، بغية تعريف الرأي العام الأميركي بوجوه "المعارضة المعتدلة"، على حد تعبير مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض.