28 مارس 2021
مفارقات "غزوة" لندن
تكاد عقول كل المسلمين في بريطانيا تخرج من جماجمها، بحثاً عن إجابات لتساؤل ملح وضاغط مفاده: كيف كان لـ "غزوة" لندن الآثمة أن تحدث في عصر تتفاخر فيه الحكومة البريطانية بأن العاصمة لندن أكثر عواصم المعمورة اكتظاظاً بكاميرات المراقبة المزودة بأحدث تقنيات التعرّف إلى شخصيات المارة من بصماتهم الوجهية، وأسلوب مشيتهم، وبعدد من الكاميرات تجاوز ستة ملايين كاميرا مراقبة، بحسب مركز أبحاث الأخبار الأمنية في المملكة المتحدة؛ وفي عصر تتجسّس فيه الحكومة البريطانية على كل مواطنيها وكل همساتهم وسكناتهم، وتسجل فيه كل اتصالاتهم بكل أقنيتها السلكية واللاسلكية، متضمنة التي تجري على شبكة الإنترنت، وتربطها بالبصمة الصوتية لأطراف المكالمة، بحيث يتم تجميع كل ما يتحدث به صاحب البصمة في أرشيف واحد، بغض النظر عن القناة المجراة من خلالها، بحسب تسريباتٍ نشرتها الصحافية، آمي غودمان، أخيرا، نقلاً عن شبكة ويكيليكس قبل أيام، ليتم تحليل محتواها حاسوبياً بتقنية مشابهة للتي تستخدمها شركة كامبردج آتلانتيكا التي كشفت أسرارها الصحافية جين مايور في صحيفة النيويوركر، والتي وضحت كيف تمكنت تلك الشركة من بناء أرشيف مفصل عن 200 مليون شخص على المستوى الكوني، يتضمن، بالإضافة إلى كل ما سبق، تصنيفاً نفسياً لكل أولئك الموجودين في الأرشيف، يشمل ميولهم الفكرية، والسياسية، والدينية، والجنسية، والتسويقية... إلخ، وفي عهد ترتبط فيه المملكة المتحدة باتفاقية العيون الخمس الأمنية مع الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، والتي تتيح للمملكة المتحدة تبادل المعلومات الأمنية التي تحصل عليها كل تلك الدول من دون قيود، وخصوصا من وكالة الأمن الوطني الأميركية التي تتجسس على كل الاتصالات السلكية واللاسلكية والحاسوبية في كل الكرة الأرضية، بحسب وثائق نشرتها، أخيراً، صحيفة الغارديان.
وعماد الغزوة المفجعة هو قيام المدعو خالد مسعود، واسمه الحقيقي آدريان بن فيليب آجاو
وجانيت إلم، بفعل إرهابي، مدان بكل المقاييس، في قلب العاصمة لندن، والذي لم تبقَ وسيلة إعلامية بريطانية، إلا وغطته من دون أي حدث آخر سواه، ومن دون الإشارة في معظم وسائل الإعلام الكبرى، المسيطرة إلى الاسم الحقيقي الأصلي للجاني ودينه ودين والديه المسيحي الذي نشأ عليه واعتنقه حتى العقد الرابع من عمره بالحد الأدنى، إلى أن التصقت التهمة بالمسلمين، ولم تعد التفاصيل التالية بعد فتور أُوَار الحادثة مهمة، فالعقل الجمعي يقوم على التبسيط والتعميم، كما تعرف ذلك جيداً صناعة الرأي العام والإعلام في المملكة المتحدة.
وما يزيد حدّة إلحاحية التساؤل الخانق أعلاه هو الحقيقة التي لم تتطرّق إليها وسائل الإعلام الكبرى إلا لماماً، والمتعلقة بأن من قتل آدريان، وهو يجري هارباً، ليس من عناصر الشرطة البريطانية، وإنما عنصر الحماية الشخصية لوزير الأمن، بن والاس، في الحكومة البريطانية، ليخرّ بعدها الجاني آدريان بن فيليب صريعاً، ويظهر علينا إعلامياً في صورة جانبية واحدة، مضمداً على جرح في البطن، لا يستخدم إلا للجروح السطحية وغير الحشوية، غير ملون سوى بلطخة صغيرة من الدماء، وبوضعية يدين متشنجتين، لا تتفق مع الوفاة الحديثة، وإنما مع حالة الصمل الرمي الذي يحدث بعد ساعات من الوفاة.
ولكي تكتمل الحبكة الدرامية، فإن أدريان بن فيليب آجاو، بحسب رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، كان متابعاً من أجهزة الاستخبارات البريطانية لصلته بأنشطة مرتبطة بالإسلام المتطرف"، وهو الطرح الذي يقود منطقياً إلى استعادة ما رد به خطيب المسجد الذي كان يرتاده آدريان نفسه في مدينة بيرمنغهام على الإعلام البريطاني، بتحويل السؤال إلى الأجهزة الأمنية البريطانية: "إذا كنتم تعرفون أنه متطرّف، لماذا توقفتم عن مراقبته".
في كل كارثةٍ يذهب ضحيتها مدنيون أبرياء، ويتم لصقها بظهر المسلمين حقاً أو مبالغة، تحقّق الإدارات الغربية فيها كسباً استثنائياً بإلزام المسلمين من مواطني تلك المجتمعات بالتراجع عن حقوقهم، مواطنين مكتملي الحقوق والواجبات، إلى إرغامهم على العمل لإثبات وطنيتهم بالمبالغة في إظهار ولائهم لمجتمعاتهم، على حساب مرجعياتهم الفكرية والمعرفية والدينية، وبشكل يقترب قليلاً أو كثيراً من مطالبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقبله المرشح الجمهوري، تيد كروز، بتحويل كل المسلمين إلى مخبرين على بعضهم، لإثبات ابتعادهم عن التفكير المتطرّف، وقبولهم برقابة مساجدهم، وإغلاق مدارسهم، بحجج معظمها تلفيقي بيروقراطي، لا ينسجم مع روح الديمقراطية الليبرالية بالشكل الذي يتفاخر به الغرب.
وهي جريمة آدريان بن فيليب التي أتت في توقيتٍ حسّاس، قبل أيام قليلة من تاريخ 29 مارس/ آذار 2017، والذي سوف تعلن به رسمياً رئيسة الوزراء البريطانية بداية عملية الطلاق البائن بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو الخبر الذي لم يعد أحد منشغلاً به في معمعة التغطية الإعلامية لكل شذرات جريمة آدريان بن فيليب، باسمه الإسلامي المستحدث الذي لم نعرف متى تكنى به، ومن هو القاضي الذي شرعن رسمياً ذلك التغيير في هوية الجاني؛ وهو الذي تشي الأخبار، في الزوايا الصحافية الهامشية المغمورة، أنه ظل سكيراً منغمساً في عنف وجرائم الخمّارات البريطانية حتى عام 2000 على الأقل.
قبل أحداث "11 سبتمبر" في عام 2001، ذكر الرئيس الأميركي في حينه، جورج بوش، بأنه لا مخرج من التراجع الاقتصادي الذي ترتب عن انفجار فقاعة دوت كوم الاقتصادية والتراجع الاقتصادي العميم في الولايات المتحدة في مطلع عام 2001، سوى حدوث موقعة بيرل هاربر جديدة، في إشارة إلى قصف الطيران الياباني الأسطول الأميركي في بيرل هاربر في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1941، والذي كان من نتيجته دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، وتمكن (اقتصاد الحرب) من انتشال الولايات المتحدة من التراجع الاقتصادي العميم الذي كانت غارقة فيه، وهو ما تحقق فعلاً عقب كارثة تفجير برجي التجارة العالمية، بالإضافة إلى تغطية غبارهما على إعلان وزير الدفاع الأميركي في حينه، دونالد رامسفيلد، قبل أيام قليلة من ذلك الحدث الجلل "بضياع ثلاثة آلاف مليار دولار من ميزانية الدفاع لا يعرف أين ذهبت وأين صرفت، ولم يسأل عنها قط بعد ذلك".
وقد يحتاج القارئ إلى مراجعة كتاب "قتل الأمل" للمؤرخ ويليام بلوم، ليرى كيف عملت وكالات الاستخبارات الأميركية وشريكاتها الغربية على منح عملائها حياة جديدة بجوازات سفر جديدة في عوالم هادئة على شواطئ الجزر السياحية في الكاريبي، وغيرها، بعد قيامهم بمهماتهم المطلوبة منهم. ولأننا، نحن العرب، نؤمن حقاً بأن "بعض الظن إثم"، فلا بد لنا من انتظار الكشف عن حقائق أكثر من الحكومة البريطانية، وعدم تركها للضياع في غياهب الزمن، كما حدث في حقائق "11 سبتمبر" وغيرها من تلك التي تم لصقها بالعرب والمسلمين. وإلى حين حدوث ذلك، لا بد أن يعذرنا كل عذول من ضرورة الارتكان إلى محظور التفكير المنطقي الذي لخصه حكيم حكماء العرب، أكثم بن صيفي، حين قال: "البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام على المسير".
وعماد الغزوة المفجعة هو قيام المدعو خالد مسعود، واسمه الحقيقي آدريان بن فيليب آجاو
وما يزيد حدّة إلحاحية التساؤل الخانق أعلاه هو الحقيقة التي لم تتطرّق إليها وسائل الإعلام الكبرى إلا لماماً، والمتعلقة بأن من قتل آدريان، وهو يجري هارباً، ليس من عناصر الشرطة البريطانية، وإنما عنصر الحماية الشخصية لوزير الأمن، بن والاس، في الحكومة البريطانية، ليخرّ بعدها الجاني آدريان بن فيليب صريعاً، ويظهر علينا إعلامياً في صورة جانبية واحدة، مضمداً على جرح في البطن، لا يستخدم إلا للجروح السطحية وغير الحشوية، غير ملون سوى بلطخة صغيرة من الدماء، وبوضعية يدين متشنجتين، لا تتفق مع الوفاة الحديثة، وإنما مع حالة الصمل الرمي الذي يحدث بعد ساعات من الوفاة.
ولكي تكتمل الحبكة الدرامية، فإن أدريان بن فيليب آجاو، بحسب رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، كان متابعاً من أجهزة الاستخبارات البريطانية لصلته بأنشطة مرتبطة بالإسلام المتطرف"، وهو الطرح الذي يقود منطقياً إلى استعادة ما رد به خطيب المسجد الذي كان يرتاده آدريان نفسه في مدينة بيرمنغهام على الإعلام البريطاني، بتحويل السؤال إلى الأجهزة الأمنية البريطانية: "إذا كنتم تعرفون أنه متطرّف، لماذا توقفتم عن مراقبته".
في كل كارثةٍ يذهب ضحيتها مدنيون أبرياء، ويتم لصقها بظهر المسلمين حقاً أو مبالغة، تحقّق الإدارات الغربية فيها كسباً استثنائياً بإلزام المسلمين من مواطني تلك المجتمعات بالتراجع عن حقوقهم، مواطنين مكتملي الحقوق والواجبات، إلى إرغامهم على العمل لإثبات وطنيتهم بالمبالغة في إظهار ولائهم لمجتمعاتهم، على حساب مرجعياتهم الفكرية والمعرفية والدينية، وبشكل يقترب قليلاً أو كثيراً من مطالبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقبله المرشح الجمهوري، تيد كروز، بتحويل كل المسلمين إلى مخبرين على بعضهم، لإثبات ابتعادهم عن التفكير المتطرّف، وقبولهم برقابة مساجدهم، وإغلاق مدارسهم، بحجج معظمها تلفيقي بيروقراطي، لا ينسجم مع روح الديمقراطية الليبرالية بالشكل الذي يتفاخر به الغرب.
وهي جريمة آدريان بن فيليب التي أتت في توقيتٍ حسّاس، قبل أيام قليلة من تاريخ 29 مارس/ آذار 2017، والذي سوف تعلن به رسمياً رئيسة الوزراء البريطانية بداية عملية الطلاق البائن بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو الخبر الذي لم يعد أحد منشغلاً به في معمعة التغطية الإعلامية لكل شذرات جريمة آدريان بن فيليب، باسمه الإسلامي المستحدث الذي لم نعرف متى تكنى به، ومن هو القاضي الذي شرعن رسمياً ذلك التغيير في هوية الجاني؛ وهو الذي تشي الأخبار، في الزوايا الصحافية الهامشية المغمورة، أنه ظل سكيراً منغمساً في عنف وجرائم الخمّارات البريطانية حتى عام 2000 على الأقل.
قبل أحداث "11 سبتمبر" في عام 2001، ذكر الرئيس الأميركي في حينه، جورج بوش، بأنه لا مخرج من التراجع الاقتصادي الذي ترتب عن انفجار فقاعة دوت كوم الاقتصادية والتراجع الاقتصادي العميم في الولايات المتحدة في مطلع عام 2001، سوى حدوث موقعة بيرل هاربر جديدة، في إشارة إلى قصف الطيران الياباني الأسطول الأميركي في بيرل هاربر في ديسمبر/ كانون الأول من عام 1941، والذي كان من نتيجته دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، وتمكن (اقتصاد الحرب) من انتشال الولايات المتحدة من التراجع الاقتصادي العميم الذي كانت غارقة فيه، وهو ما تحقق فعلاً عقب كارثة تفجير برجي التجارة العالمية، بالإضافة إلى تغطية غبارهما على إعلان وزير الدفاع الأميركي في حينه، دونالد رامسفيلد، قبل أيام قليلة من ذلك الحدث الجلل "بضياع ثلاثة آلاف مليار دولار من ميزانية الدفاع لا يعرف أين ذهبت وأين صرفت، ولم يسأل عنها قط بعد ذلك".
وقد يحتاج القارئ إلى مراجعة كتاب "قتل الأمل" للمؤرخ ويليام بلوم، ليرى كيف عملت وكالات الاستخبارات الأميركية وشريكاتها الغربية على منح عملائها حياة جديدة بجوازات سفر جديدة في عوالم هادئة على شواطئ الجزر السياحية في الكاريبي، وغيرها، بعد قيامهم بمهماتهم المطلوبة منهم. ولأننا، نحن العرب، نؤمن حقاً بأن "بعض الظن إثم"، فلا بد لنا من انتظار الكشف عن حقائق أكثر من الحكومة البريطانية، وعدم تركها للضياع في غياهب الزمن، كما حدث في حقائق "11 سبتمبر" وغيرها من تلك التي تم لصقها بالعرب والمسلمين. وإلى حين حدوث ذلك، لا بد أن يعذرنا كل عذول من ضرورة الارتكان إلى محظور التفكير المنطقي الذي لخصه حكيم حكماء العرب، أكثم بن صيفي، حين قال: "البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام على المسير".