محادثات صعبة ومصيريّة، شهدها فندق البستان في العاصمة العمانية مسقط، على مدى ثلاثة أيام، تناولت الملفّ النووي الإيراني. وفيما كان وزيرا الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف ونظيره الأميركي جون كيري، يعقدان في اليومين الأولين، جولات حوار عّدة خلف أبواب مغلقة، بحضور ممثّلة الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، اجتمع ممثلون سياسيون عن دول (5+1) بالوفد المفاوض الإيراني، يوم الثلاثاء الماضي، لمناقشة ما تمّ التوصّل إليه بين الإيرانيين والأميركيين، الذين يعدّون الطرف الأكثر تأثيراً على طاولة الحوار النووي.
وعلى الرغم من السريّة التي أحاطت بالاجتماعات، فقد تركّزت المحادثات حول نقطتين خلافيتين، هما تخصيب اليورانيوم وآلية إلغاء الحظر الغربي المفروض على طهران. وفيما يترقّب الداخل الإيراني ما ستؤول إليه هذه الجولات من المفاوضات، يدرك الجميع، سواء في إيران أو خارجها، أنّ جولة مسقط تحظى بأهمية خاصة، كونها تجهّز للجولة الأخيرة التي ستبدأ في الثامن عشر من الشهر الحالي في فيينا، حيث سيحاول جميع الأطراف التوصّل إلى اتفاق قبل الرابع والعشرين من الشهر الحالي، وهي المهلة النهائيّة التي حددها اتفاق جنيف المؤقّت والموقّع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويبقى الاتفاق مرتبطاً بعوامل عدّة، في وقت تختلف فيه وجهات نظر الفاعلين في هذا الملف. فاعتبرت صحيفة "اعتماد" الإصلاحيّة، أنّ سريّة هذه المحادثات ولا سيما تلك التي وضعت الطرفين الإيراني والأميركي على طاولة واحدة، تعني إرادة ونيّة حقيقيّة من قبل الطرفين للتوصّل إلى حلّ وسطي يرضي الطرفين على الرغم من الخلاف.
ومن مصلحة واشنطن التوصل لاتّفاق خلال هذه المدّة، كما هو من مصلحة إيران. فبعد سيطرة الجمهوريين على مقاعد الكونغرس الأميركي في الانتخابات النصفيّة التي جرت أخيراً، بات أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما واقع جديد، ففي حال لم يتمكّن من توقيع الاتفاق، فهذا يعني فرض حزمة جديدة من العقوبات على إيران، وهو ما سيعقّد المفاوضات في حال التمديد لاتفاق جنيف.
في الوقت ذاته، لا يستطيع أوباما منح فرصة ذهبيّة لإيران، بإلغائه كلّ العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وهو ما يصرّ عليه الوفد الإيراني حسب التسريبات، ليصبح الحلّ بهذه الحالة تقديم تنازلات إيرانيّة تتعلّق بالتخصيب أو بكيفيّة حقن أجهزة الطرد المركزي باليورانيوم المخصّب، مقابل ضمانات أميركيّة بتعليق مشروط للعقوبات.
ويلمس المراقبون للساحة الإيرانية جديّة لدى الطرفين الإيراني والأميركي هذه المرّة، ولا سيّما أنّهما اختارا الانضمام إلى محادثات جديّة حول النووي في مسقط، وهي تُعدّ الطرف الآخر الفاعل على ساحة العلاقات الإيرانيّة الغربيّة عموماً، والأميركيّة خصوصاً. ولطالما كانت سلطنة عمان تلعب دور الوسيط بين البلدين، الذي يفكّ الاشتباكات الحسّاسة، ويوصل رسائل كلّ طرف إلى الطرف الآخر.
بهذا المعنى، يبدو التواجد في مسقط نقطة تصب لصالح السعي الجدي للتوصّل إلى اتّفاق، فلم تعد المحادثات متربّعة في ساحة الجدل والأخذ والرد، بقدر ما باتت تشهد تقدماً ملحوظاً، حتى لو لم يوصل إلى نتائج قطعيّة. ويعني مجرّد تكثيف التفاوض حول النقاط الخلافيّة، تقدماً واضحاً.
وفي هذا الإطار، يبرز طرف آخر، قد يبدّد هذا التفاؤل بتوقيع اتفاق، وهو إسرائيل، الحليف الاستراتيجي لواشنطن. فكما يتعيّن على أوباما أن يقدّم ضمانات لطهران ترضيها مقابل تنازلات علنيّة، يتوجّب عليه أيضاً تقديم ضمانات للإسرائيليين الذين تنقل تصريحات مسؤوليهم، التخوّف من الاتفاق المرتقب. ولم يتأخر الطرف الإسرائيلي في الدفع باتّجاه تخريب الحوار، وتكثيف التركيز على الخطر الإيراني النووي. وعادت التصريحات لتركّز على ضرورة درء هذا الخطر، بتوجيه ضربة عسكريّة للمنشآت النوويّة الإيرانيّة.
يركز محافظو الداخل الإيراني على هذا الأمر كثيراً، وهم أيضاً طرف آخر مؤثر على الساحة، ولمواقفهم اعتبارات عديدة. فهم لا يثقون بالغرب ولا بالولايات المتحدة، ويعتبرون أنّ المفاوضات لن توصل إلى نتيجة تذكر، لكنّهم قرروا، على الرغم من ذلك، منح الوفد المفاوض المحسوب على حكومة الرئيس حسن روحاني المعتدلة فرصة، لعلّ الأمر يفضي إلى تعليق العقوبات، التي أرهقت الجميع في إيران.
من جهتها، توضح صحيفة "كيهان" المحسوبة على الطرف المحافظ المتشدّد، في افتتاحيتها، أنّ ظريف يتكتّم ولا يفصح عن تفاصيل المحادثات السريّة والمفصليّة، علماً أنه قال سابقاً إنه حتّى لو تم استدعاؤه ومساءلته من قبل نواب البرلمان، الذي يسيطر عليه المحافظون، فلن يفصح عن التفاصيل.
في المقابل ما إن تحرّك كيري من مسقط، حتى أجرى اتصالاً هاتفياً برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لطمأنته إلى أنّ ما يجري لن يشكل تهديداً لإسرائيل. وفي هذا الإطار، يرى المحافظون أنّ اسرائيل هي الطرف الأكثر تأثيراً، على الرغم من عدم وجودها على طاولة الحوار. ونقلوا في تصريحات عدّة، سواء تلك الصادرة عن البرلمان أو عن مراكز أخرى لصنع القرار في إيران، أنّه لا يمكن الثقة بالطرف الأميركي أياً كانت الظروف.
وتبقى الأطراف الأخرى التي تجلس مع إيران وأميركا على الطاولة. وفي هذا الإطار، يكشف دبلوماسي روسي لصحيفة "كامرسانت"، أنّه "تمّ التوافق حول كل النقاط، وما تبقّى هو قضايا تتعلّق بإلغاء الحظر". ويرى أنّ "توقيع الاتفاق خلال هذه المرحلة سيكون لمصلحة الولايات المتحدة قبل الجميع، ويعود الأمر لأسباب داخليّة"، ليصبح الطرف الروسي بالتالي الأكثر تفاؤلاً بالتوصل إلى نتيجة خلال هذا الشهر.
ولم يخفِ الطرف الفرنسي، وفق تصريحات "الخارجيّة الفرنسيّة" السابقة، اعتقاده بأنّ جميع الأطراف باتوا يتحرّكون نحو حوار جدي، لكنّه يطالب إيران باتخاذ خطوات فاعلة وجديّة، علماً أنّه يُنقل عن الفرنسيين وعن بقيّة الأطراف الغربيّة، توقعهم التمديد لاتفاق جنيف.
في موازاة ذلك، تبقى المشكلة الأكثر صعوبة عالقة على الطاولة. يبدو أنّ إيران باتت أكثر ليناً في ما يتعلّق بالتخصيب وأجهزة الطرد، وربما تُكشف محادثات فيينا المقبلة عن سيناريوهات حلول وسطيّة، لكن يبقى إلغاء الحظر بشكل فوري وكامل، وفق ما تشترطه إيران، النقطة الأكثر صعوبة في ظلّ وجود العديد من الأطراف، التي تستبعد غالبيتها توقيع اتفاق دائم بحلول الرابع والعشرين من الشهر الحالي، مرجّحين التمديد. لكنّ الأكيد أنّ كلّ الاحتمالات المطروحة تفيد بأنّ سياسة الحوار لن تُنسف، لا سيّما أنّ التفاوض أخذ طابعاً أكثر جديّة وبات يدور على أعلى المستويات.